تكوّن قوس القزح: ظاهرة طبيعية بديعة
يُعدّ قوس القزح من أجمل الظواهر الطبيعية التي تأسر العيون وتثير الدهشة، فهو مشهد ساحر يظهر في السماء بعد هطول المطر أو بالقرب من الأماكن التي تتوفر فيها جزيئات ماء معلقة في الهواء. يمتاز قوس القزح بألوانه الزاهية التي تتدرج بانسيابية من الأحمر إلى البنفسجي، ويُشكل لوحة فنية طبيعية تعكس تفاعل ضوء الشمس مع قطرات الماء في الجو.
مفهوم قوس القزح
قوس القزح هو ظاهرة بصرية بحتة تحدث عندما ينكسر ضوء الشمس، وينعكس، وينكسر مرة أخرى داخل قطرات الماء الموجودة في الجو، ما يؤدي إلى انفصال الضوء الأبيض إلى ألوان الطيف السبعة المعروفة. هذه الألوان هي الأحمر، والبرتقالي، والأصفر، والأخضر، والأزرق، والنيلي، والبنفسجي، وتظهر بشكل قوسي مميز في السماء.
الظروف الضرورية لظهور قوس القزح
لكي يتكون قوس القزح يجب توفر مجموعة من العوامل الطبيعية بشكل متزامن، منها:
-
وجود مصدر للضوء الأبيض: غالباً يكون ضوء الشمس، الذي يحتوي على جميع ألوان الطيف المدمجة.
-
وجود قطرات ماء معلقة في الهواء: تكون عادة بعد هطول الأمطار، أو من خلال بخار الماء الناجم عن الشلالات، أو الرذاذ البحري.
-
زاوية مناسبة للرؤية: حيث يجب أن يكون المراقب بين الشمس والقطرات المائية بزاوية محددة ليتمكن من رؤية قوس القزح.
كيفية تكون قوس القزح: العمليات الفيزيائية
تمر عملية تكون قوس القزح بثلاث مراحل رئيسية هي الانكسار، والانعكاس، والانكسار الثاني، وهي التي تتفاعل مع قطرات الماء بطريقة تجعل الضوء يتفكك إلى ألوانه الأساسية.
1. الانكسار الأول (انكسار الضوء عند دخول القطرة)
عندما يدخل ضوء الشمس الأبيض قطرات الماء الموجودة في الهواء، يتباطأ الضوء ويتغير اتجاهه بسبب اختلاف سرعة الضوء في الهواء عن سرعته في الماء. هذه العملية تسمى الانكسار، ويحدث فيها تفرق للضوء الأبيض إلى ألوان الطيف بسبب اختلاف زوايا انكسار كل لون، حيث ينكسر اللون الأحمر عند زاوية أقل من البنفسجي.
2. الانعكاس الداخلي
بعد دخول الضوء للقطرة وانكساره، يصل الضوء إلى الجانب الداخلي الخلفي للقطرة فينعكس داخلياً بدل أن يخرج مباشرةً. هذا الانعكاس الداخلي هو الذي يسمح للضوء بأن يخرج من القطرة باتجاه المراقب، مع الحفاظ على توزيع ألوان الطيف التي انفصلت أثناء الانكسار.
3. الانكسار الثاني (خروج الضوء من القطرة)
عندما يخرج الضوء من القطرة مرة أخرى إلى الهواء، ينكسر مرة أخرى، وهي مرحلة الانكسار الثانية. هذا الانكسار يعزز انقسام الضوء إلى ألوان الطيف ويجعل كل لون يخرج بزاوية مختلفة، مما يسمح للمراقب برؤية الألوان بشكل منفصل ومتميز.
لماذا تظهر الألوان بشكل قوس؟
تتشكل قطرات الماء في السماء على شكل كريات صغيرة. عندما يمر الضوء عبر هذه القطرات، تخرج الأشعة المكسورة والمنتشرة في اتجاهات مختلفة، لكن المراقب يرى فقط تلك التي تخرج بزوايا معينة. تكون هذه الزوايا على شكل قوس بالنسبة للأفق.
-
القوس الداخلي يكون للون الأحمر عند زاوية تقريبية 42 درجة من خط النظر.
-
اللون البنفسجي يكون عند زاوية أصغر تقدر بحوالي 40 درجة.
-
الألوان الأخرى تتوزع بين هذين الحدين.
يتكون القوس بهذا الشكل القوسي بسبب طريقة انكسار الضوء، وشكل قطرات الماء الدائرية، التي تسمح فقط للضوء الموجه بزاوية معينة بالوصول إلى العين.
أنواع قوس القزح
القوس الأساسي (Primary Rainbow)
هو القوس الأكثر وضوحاً والذي يظهر بعد المطر مباشرة، ويكون ألوانه مرتبة من الأحمر الخارجي إلى البنفسجي الداخلي، وهو ناتج عن انكسار واحد وانعكاس داخلي واحد داخل قطرة الماء.
القوس الثانوي (Secondary Rainbow)
يظهر هذا القوس أضعف وأبعد من القوس الأساسي، ويكون لونه معكوساً حيث يكون البنفسجي في الخارج والأحمر في الداخل. يتكون نتيجة لانعكاسين داخليين للضوء داخل القطرة، مما يقلل شدة الضوء الخارج ويجعله أقل وضوحاً.
الأقواس الأخرى
في بعض الأحيان يمكن رؤية أقواس قزح إضافية أو حلقات قزحية حول الشمس أو القمر، نتيجة لانكسار وانعكاس الضوء في أشكال مختلفة من الجليد أو قطرات الماء، لكنها أقل شيوعاً وتعقيداً في التكوين.
تأثير قطرات الماء وحجمها
حجم قطرات الماء له دور كبير في وضوح وتدرج ألوان قوس القزح:
-
القطرات الكبيرة تعطي ألواناً أكثر وضوحاً وتفصيلاً، حيث يقل التشتت الداخلي للضوء.
-
القطرات الصغيرة تؤدي إلى ألوان باهتة وأقل وضوحاً، مع تداخل أكبر بين الألوان.
أبعاد قوس القزح وارتفاعه
يظهر قوس القزح في السماء بارتفاع معين، وغالباً ما يكون نصف قطر القوس حوالي 42 درجة من خط النظر، وهو ما يعني أن نصف قطر الدائرة التي يشكلها القوس يقدر بهذه الزاوية. لذلك، يعتمد ارتفاع القوس وشكله الظاهري على موقع الشمس وارتفاع المراقب.
تأثير ضوء الشمس وزاويته
-
عندما تكون الشمس منخفضة في السماء، يكون القوس أعلى وأكثر وضوحاً.
-
عند ارتفاع الشمس أكثر من 42 درجة فوق الأفق، يصبح من الصعب رؤية قوس القزح لأن الضوء لا ينعكس في الزاوية المناسبة.
-
خلال ساعات الصباح الباكر أو وقت الغروب يكون القوس أكثر بروزا بسبب انخفاض زاوية الشمس.
العلاقة بين قوس القزح والفيزياء البصرية
قوس القزح هو مثال عملي على مبادئ الفيزياء البصرية كالانكسار، والانعكاس، والتشتت. يُستخدم فهم هذه الظاهرة في مجالات متعددة مثل علم المناخ، الفلك، والضوء، بل وحتى في تحسين تصميم الأنظمة البصرية.
الجدول التالي يوضح زوايا الانكسار والانحراف لكل لون من ألوان الطيف في قوس القزح:
| اللون | زاوية الانكسار الأولى (درجة) | زاوية الانعكاس الداخلي (درجة) | زاوية الانكسار الثانية (درجة) | زاوية الانحراف الكلية (درجة) |
|---|---|---|---|---|
| الأحمر | 40.5 | 180 | 41.0 | 42.0 |
| البرتقالي | 40.0 | 180 | 40.5 | 41.5 |
| الأصفر | 39.5 | 180 | 40.0 | 41.0 |
| الأخضر | 39.0 | 180 | 39.5 | 40.5 |
| الأزرق | 38.5 | 180 | 39.0 | 40.0 |
| النيلي | 38.0 | 180 | 38.5 | 39.5 |
| البنفسجي | 37.5 | 180 | 38.0 | 39.0 |
ظواهر متعلقة بقوس القزح
1. قوس قزح مزدوج
يحدث عندما يتم انعكاس الضوء مرتين داخل قطرة الماء، مما يؤدي إلى ظهور قوس قزح ثانوي أضعف وأكبر حجماً من القوس الأساسي، مع ترتيب ألوان معكوس.
2. قوس قزح داخلي (الظل)
يُعرف أيضاً بقوس قزح الظل، وهو أقل شيوعاً ويظهر داخل قوس القزح الأساسي، ويتشكل عندما تنكسر أشعة الشمس بطرق معقدة داخل قطرات الماء.
3. قوس القزح الليلي (قوس قزح القمر)
يحدث هذا القوس عندما تنعكس أشعة القمر بدلاً من الشمس على قطرات الماء، وهو أكثر خفوتاً بسبب ضعف ضوء القمر.
الأهمية العلمية لقوس القزح
يُستخدم قوس القزح كنموذج لدراسة طبيعة الضوء وتفاعله مع المادة. كما ساعد العلماء في اكتشاف الطيف الضوئي وتحليل مكونات الضوء الأبيض، حيث كان يُعتبر سبب انبثاق الألوان هو مفتاح لفهم الضوء.
يرتبط قوس القزح في الثقافة الشعبية بالرموز الإيجابية مثل الأمل، السلام، والجمال، وهو ما جعله موضوعاً ملهماً في الأدب والفنون.
المصادر:
-
Pedrotti, F. L., & Pedrotti, L. S. (2017). Introduction to Optics. Cambridge University Press.
-
Minnaert, M. (1993). The Nature of Light and Colour in the Open Air. Dover Publications.
