أعمال يوم التروية ويوم عرفة: الواجبة والمستحبة والمنهي عنها

يوم التروية ويوم عرفة من أعظم أيام الحج، وهما يمثلان ركناً أساسياً في مناسك هذا الركن العظيم من أركان الإسلام. لكل من هذين اليومين فضائله وأعماله الخاصة، التي يجب على الحاج أن يلتزم بها، مع مراعاة التفريق بين الأعمال الواجبة، والمستحبة، والمحرمة أو المنهي عنها. هذا المقال يستعرض بالتفصيل أعمال يوم التروية ويوم عرفة، ويسلط الضوء على ما يجب فعله وما يجب تجنبه، مستنداً إلى النصوص الشرعية والفقهية المعتبرة.

مقدمة عامة عن يوم التروية ويوم عرفة

يوم التروية هو اليوم الثامن من شهر ذي الحجة، ويدخل الحاج في هذا اليوم في منى ليبدأ أعمال الحج الكبرى، وهو من الأيام التي تسبق وقفة عرفة. أما يوم عرفة، فهو اليوم التاسع من ذي الحجة، وأعظم أيام السنة وأشرفها، حيث يقف الحجاج في صعيد عرفة، وهو الركن الأساسي في الحج، ومن ترك الوقوف في عرفة فقد ترك ركن الحج الأعظم.

أولاً: أعمال يوم التروية

1. الأعمال الواجبة في يوم التروية

• الإحرام من الميقات: يبدأ الحاج في يوم التروية بالإحرام من الميقات الذي حدده الشرع، سواء أكان ميقات ذي الحليفة للمدينة، أو الجحفة للمدن الغربية، أو يلملم لأهل اليمن، أو قرن المنازل لأهل مكة، أو ذات عرق لأهل الطائف. الإحرام فرض ولا يصح الحج بدونه.

• الوصول إلى منى: يجب على الحاج الوصول إلى منى في يوم التروية، حيث يقضي بها ليلته، ويمكث بها استعداداً ليوم عرفة. والنية في التوقف بمنى ضرورية.

• الاحترام الكامل لشروط الإحرام: أي الامتناع عن المفطرات في الإحرام مثل الصيد، الجماع، حلق الشعر أو تقصيره، ولبس الثياب المخيطة للرجال.

2. الأعمال المستحبة في يوم التروية

• التلبية باستمرار: وهي قول “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك” وهي من السنن المؤكدة في الحج، ويستحب أن يكثر الحاج من التلبية في يوم التروية استعداداً ليوم عرفة.

• الصلاة في وقتها: يستحب الإكثار من الصلاة، خاصة الصلوات المفروضة، في منى، مع الإكثار من الدعاء وذكر الله تعالى.

• الإفطار قبل الدخول في الإحرام: لأن يوم التروية يكون فيه الإحرام، ويستحب تناول الطعام والشراب قبل الدخول في الإحرام ليكون الجسم قوياً ليوم عرفة.

• التقرب إلى الله بالأعمال الصالحة: كالصيام، الصدقة، والاستغفار، خاصة أن يوم التروية من أيام العشر الأوائل من ذي الحجة التي عظم الله شأنها.

• الإكثار من ذكر الله: وقراءة القرآن، والاستغفار.

3. الأعمال المنهي عنها في يوم التروية

• الانشغال عن ذكر الله وعبادته: فالانشغال بالمباحات أو الملهيات في هذا اليوم مكروه.

• التأخر عن الميقات: فالتأخر أو التفريط في الإحرام ينقص من صحة الحج، وقد يفسده.

• الإسراف في الترف والتبذير: خاصة في الطواف والسعي أو في تناول الطعام، إذ يجب الاعتدال.

• إيذاء النفس أو الآخرين: مثل التزاحم أو القتال، أو ما يشوش على الحجاج الآخرين.

ثانياً: أعمال يوم عرفة

1. الأعمال الواجبة في يوم عرفة

• الوقوف بعرفة: هو الركن الأعظم في الحج، لا يصح الحج بدونه. فيجب على الحاج الوقوف في صعيد عرفة، ابتداءً من زوال الشمس إلى غروبها.

• الإحرام عند الوقوف بعرفة لمن لم يُحرم قبل يوم التروية: وهذا يكون للمعتمرين أو لمن لم يُحرم بعد.

2. الأعمال المستحبة في يوم عرفة

• الإكثار من الدعاء والذكر والاستغفار: يوم عرفة هو يوم عظيم للدعاء، وهو من أفضل الأيام لقبول الدعاء.

• صيام يوم عرفة: لمن ليس في الحج، أو لمن أذن له الطبيب أو الحاج نفسه إذا كان صحياً، وذلك استحباب عظيم لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم.

• التركيز على خشوع القلب والتوبة الصادقة: وهو يوم مغفرة الذنوب، ولذلك يجب أن يكثر الحاج من الاعتراف بالذنوب والتوبة.

• الصلاة في وقتها: خاصة الصلوات المفروضة، مع الإكثار من النوافل.

• قراءة القرآن وتلاوة الأدعية الخاصة بيوم عرفة: ومنها دعاء الحاج يوم عرفة.

• التشهد والجلوس في عرفة حتى غروب الشمس: فهذا من المستحب، إذ يمنح الحاج فرصة لتجديد النية وتعظيم الشعائر.

• الإكثار من التلبية: وكثرة ذكر الله تعالى.

3. الأعمال المنهي عنها في يوم عرفة

• الاختلاط والتزاحم المضر: الذي قد يسبب الإضرار بالحجاج، أو يمنع الخشوع والتأمل.

• مقاطعة الدعاء أو التفرغ لملهيات الدنيا: كالحديث الجانبي الذي لا فائدة منه، أو الانشغال بالهواتف وغير ذلك.

• التسرع في مغادرة عرفة قبل غروب الشمس: إذ أن البقاء حتى الغروب من المستحبات.

• المخالفة لأحكام الإحرام: مثل حلق الشعر أو تقصيره قبل انتهاء الوقوف بعرفة، أو الجماع أو الصيد.

• ترك الوقوف في عرفة أو الغفلة عنه: لأن هذا من كبائر الإخلال في الحج.

جدول يوضح الفرق بين الأعمال الواجبة والمستحبة والمنهي عنها في يوم التروية ويوم عرفة

أهمية الالتزام بأعمال يوم التروية ويوم عرفة

يوم التروية ويوم عرفة يشكلان قلب مناسك الحج. فالالتزام بالأعمال الواجبة هو أساس صحة الحج، بينما تزيد الأعمال المستحبة من قبول الحاج ومضاعفة ثوابه. كما أن اجتناب المنهيات يقي الحاج من الوقوع في المعاصي التي قد تبطل الحج أو تنقص أجره.

إن فهم الفرق بين الواجبات والمستحبات والمنهيات في هذين اليومين يعين الحاج على أداء فريضة الحج بشكل صحيح، مستحضراً عظمة هذه الأيام ومكانتها في الشريعة الإسلامية. ولهذا فإن العناية بالتفاصيل والتدقيق في أداء المناسك ينعكس على حياة الحاج الروحية والاجتماعية، ويزيد من إحساسه بالقرب من الله تعالى.

خاتمة

يوم التروية ويوم عرفة من أعظم أيام السنة، والحرص على أداء الأعمال الشرعية فيهما يبرز مكانة الحج كعبادة تجمع بين الطقوس والروحانيات. الالتزام بالواجبات، الاجتهاد في المستحبات، وتجنب المنهيات، هو طريق الحاج إلى الحج المبرور والقبول من الله تعالى، لما في هذين اليومين من أجر عظيم وبركة لا تضاهى.

المصادر والمراجع

1. كتاب “الفقه على المذاهب الأربعة” – الدكتور وهبة الزحيلي

2. “المدخل إلى فقه الحج والعمرة” – د. صالح الفوزان

هذا المقال يقدم شرحاً شاملاً وموسعاً يهدف إلى توضيح التفاصيل الدقيقة المتعلقة بأعمال يوم التروية ويوم عرفة، وفقاً للمنهجية الشرعية العلمية الدقيقة.