أعلى 10 نسب مشاركات انتخابية في العالم

تُعتبر الانتخابات إحدى الركائز الأساسية في الأنظمة الديمقراطية، إذ تمثل الوسيلة الأهم التي من خلالها يُعبّر المواطنون عن آرائهم واختيار ممثليهم في مختلف المؤسسات الحكومية. وتُقاس فعالية ونضج الديمقراطية في البلدان بنسب المشاركة الانتخابية، حيث تُعبر هذه النسبة عن مدى اهتمام الشعب بالمشاركة السياسية والتعبير عن إرادته. على الرغم من التحديات المختلفة التي قد تؤثر على المشاركة الانتخابية، مثل الظروف الاجتماعية والاقتصادية، ومستوى الوعي السياسي، والثقافة الانتخابية، إلا أن هناك دولًا استطاعت تحقيق نسب مشاركة انتخابية مرتفعة للغاية تُعد من الأعلى على مستوى العالم.

في هذا المقال، سيتم استعراض أعلى 10 دول في العالم من حيث نسب المشاركة الانتخابية، مع توضيح العوامل التي ساهمت في تحقيق هذه النسب، بالإضافة إلى سياقات الانتخابات وأنظمة الاقتراع التي تتبعها هذه الدول.

1. بيلاروسيا (Belarus) – 92.1%

بيلاروسيا تتصدر قائمة الدول ذات أعلى نسب المشاركة الانتخابية في العالم، إذ سجلت في بعض الانتخابات النسب التي تتجاوز 90%. يعود ارتفاع المشاركة الانتخابية في بيلاروسيا إلى عدة عوامل من بينها النظام السياسي القائم على فرضية المشاركة الجماعية، فضلاً عن القيود السياسية التي تحفز المواطنين على المشاركة تحت ضغط الدولة. بالإضافة إلى ذلك، تعد الانتخابات في بيلاروسيا إلزامية قانونياً، مما يزيد من نسب المشاركة الفعلية.

2. بلجيكا (Belgium) – 88.5%

تُعتبر بلجيكا من أكثر الدول التي تلتزم بمبدأ المشاركة الانتخابية العالية، ويرجع ذلك إلى قانون التصويت الإلزامي المعمول به منذ عام 1893. حيث يُفرض على جميع المواطنين المسجلين في جداول الانتخابات الحضور والمشاركة في التصويت، مع فرض غرامات مالية على الممتنعين دون عذر مشروع. هذا القانون أسهم بشكل كبير في رفع معدل المشاركة ليصل إلى أكثر من 88% في الانتخابات العامة، ما يعكس جدية المواطنين في ممارسة حقهم الانتخابي.

3. سنغافورة (Singapore) – 93%

تتميز سنغافورة بنظام سياسي فريد من نوعه، حيث تحظى نسبة المشاركة في الانتخابات بنسب مرتفعة جداً تتجاوز 90% في بعض الأحيان. يعود السبب في ذلك إلى التنظيم الانتخابي الدقيق، وتطبيق قواعد صارمة تضمن التسجيل التلقائي لجميع المواطنين، وتفعيل الحملات التوعوية التي تشجع على المشاركة. كما أن وجود غرامات مالية على عدم التصويت يساهم في رفع هذه النسب.

4. ليتوانيا (Lithuania) – 85%

ليتوانيا واحدة من دول أوروبا الشرقية التي سجلت نسب مشاركة انتخابية عالية خاصة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية. يعود ذلك إلى ترسيخ الثقافة الديمقراطية بعد استقلالها عن الاتحاد السوفيتي، وتحسين النظام الانتخابي لضمان شفافية الانتخابات وسهولة التصويت، بالإضافة إلى الحملات التثقيفية المستمرة التي تحفز المواطنين على المشاركة السياسية.

5. استونيا (Estonia) – 83%

استونيا سجلت نسبة مشاركة مرتفعة في الانتخابات بفضل اعتمادها المبكر على أنظمة التصويت الإلكتروني، مما سهل عملية الإدلاء بالأصوات وزاد من راحة المواطنين أثناء التصويت. كما تتميز استونيا بنظام انتخابي شفاف مع مراقبة دولية مستمرة، إلى جانب التعليم السياسي الجيد الذي يسهم في وعي المواطن بأهمية المشاركة.

6. أيسلندا (Iceland) – 81.9%

أيسلندا، الدولة التي تملك نظاماً ديمقراطياً قوياً وتاريخاً من المشاركة الشعبية الفعالة، تحقق نسب مشاركة عالية في الانتخابات العامة. يتميز النظام الانتخابي في أيسلندا بالبساطة والشفافية، كما أن ثقة المواطنين في النظام السياسي وحرية التعبير تشجعهم على المشاركة بكثافة.

7. النرويج (Norway) – 79.8%

النرويج من الدول التي تتمتع بثقافة سياسية متقدمة ونظام انتخابي ديمقراطي قوي، مع ضمان حقوق الإنسان وحريات التعبير. يتميز هذا النظام بالشفافية والمساواة في الفرص الانتخابية، ما يدفع نسبة المشاركة الانتخابية إلى مستويات عالية مقارنة بمتوسط دول العالم.

8. سويسرا (Switzerland) – 79%

في سويسرا، تُعتبر المشاركة في الانتخابات والتصويت في الاستفتاءات الوطنية جزءاً أساسياً من الثقافة السياسية، حيث يتم اللجوء بشكل متكرر إلى الاستفتاءات المباشرة حول قضايا هامة. هذا التشجيع على المشاركة في صنع القرار يعزز من ارتفاع نسبة المشاركة الانتخابية، التي تصل إلى حوالي 79% في بعض الدورات الانتخابية.

9. نيوزيلندا (New Zealand) – 78.9%

نيوزيلندا تحظى بمستوى عالٍ من الوعي السياسي بين مواطنيها، مما ينعكس على نسب المشاركة الانتخابية. تعمل الحكومة على تسهيل عملية التصويت من خلال توفير مراكز اقتراع متعددة، وإتاحة التصويت المبكر والتصويت بالبريد، بالإضافة إلى حملات توعية مستمرة تستهدف جميع شرائح المجتمع.

10. أستراليا (Australia) – 95%

أستراليا من الدول القليلة التي تطبق نظام التصويت الإلزامي على المستوى الوطني، حيث يُفرض على المواطنين المشاركة في الانتخابات وإلا يتعرضون لغرامات. هذا القانون هو العامل الرئيسي وراء وصول نسبة المشاركة إلى ما يزيد على 90%، مما يجعل أستراليا في أعلى المراتب عالمياً من حيث نسبة المشاركة الانتخابية.

عوامل رئيسية تؤثر في نسب المشاركة الانتخابية

تتنوع الأسباب والعوامل التي تؤثر على نسبة المشاركة في الانتخابات بين دولة وأخرى، ويمكن تلخيصها في النقاط التالية:

• التصويت الإلزامي: فرض القانون للتصويت على المواطنين، كما هو الحال في بلجيكا وأستراليا، يؤدي إلى رفع نسبة المشاركة بشكل ملحوظ.

• ثقافة المشاركة السياسية: في الدول التي تشجع ثقافة المشاركة والوعي السياسي، تكون نسب المشاركة أعلى، وهذا يظهر بوضوح في دول مثل النرويج وأيسلندا.

• سهولة التصويت وتسهيلات العملية الانتخابية: وجود وسائل متعددة للتصويت كالتصويت الإلكتروني أو التصويت المبكر يزيد من نسب المشاركة، كما في استونيا ونيوزيلندا.

• الثقة في النظام السياسي: كلما زادت ثقة المواطنين في نزاهة الانتخابات وشفافيتها، ارتفعت نسبة المشاركة، والعكس صحيح في البلدان التي تعاني من عدم ثقة في النظام السياسي.

• العقوبات القانونية: في بعض البلدان يُفرض غرامات مالية على الممتنعين عن التصويت دون عذر، مما يشجع على المشاركة.

• الاستقرار السياسي والاجتماعي: تساهم بيئة مستقرة سياسياً واجتماعياً في تشجيع المواطنين على المشاركة بشكل أكبر.

جدول مقارنة لنسب المشاركة الانتخابية في أعلى 10 دول

أثر ارتفاع نسب المشاركة الانتخابية على المجتمع والسياسة

تنعكس نسب المشاركة الانتخابية المرتفعة إيجابياً على نوعية الحكم والاستقرار السياسي، حيث تتيح مشاركة أوسع للمواطنين تعبيراً أفضل عن الإرادة الشعبية، وتُعزز من شرعية الحكومات المنتخبة. كما تسهم المشاركة النشطة في الحد من التوترات السياسية والاجتماعية، إذ يشعر المواطنون بأن صوتهم مسموع وأنهم شركاء في صناعة القرار.

علاوة على ذلك، فإن المشاركة الواسعة تقلل من فرص الفساد والانحرافات السياسية، حيث يراقب الجمهور ويحاسب الممثلين المنتخبين بشكل أكبر. كما أن ارتفاع المشاركة الانتخابية يُشجع على تطوير برامج سياسية أكثر شمولاً تراعي مصالح مختلف شرائح المجتمع.

خاتمة

تُظهر أعلى نسب المشاركة الانتخابية في العالم أن وجود نظام انتخابي فعال، وثقافة سياسية وعيه، وقوانين ملزمة، بالإضافة إلى تسهيل عملية التصويت، هي العوامل الأساسية التي تؤدي إلى مشاركة شعبية واسعة. الدول التي تحقق نسب مشاركة عالية تستفيد من ذلك في تعزيز ديمقراطيتها، تحقيق الاستقرار السياسي، وبناء مجتمع يتمتع بالتعددية والتمثيل الحقيقي.

المصادر

1. International Institute for Democracy and Electoral Assistance (IDEA) – Voter Turnout Database

2. The World Bank – Data on Electoral Participation