أعلى دول في نسبة السكان الأصليين

دول الأمريكيتين مع أعلى نسبة من السكان الأصليين: دراسة عن السكان الأصليين في القارة الأمريكية

تعتبر قارة الأمريكيتين واحدة من أكثر القارات تنوعًا ثقافيًا، حيث تستضيف مجموعة متنوعة من الشعوب والثقافات التي تمتد عبر قرون من التاريخ. ويعد السكان الأصليون في الأمريكيتين، أو ما يعرف أيضًا بالهنود الحمر، جزءًا رئيسيًا من هذا التنوع. هؤلاء السكان الذين عاشوا في القارة لآلاف السنين قبل وصول الأوروبيين، ظلوا يحتفظون بهويتهم الثقافية ويمثلون جزءًا أساسيًا من التاريخ والتراث في العديد من الدول.

ورغم التحديات الكبيرة التي واجهها السكان الأصليون بسبب الاستعمار والتوسع الأوروبي، إلا أنهم لا يزالون يشكلون جزءًا حيويًا من التركيبة السكانية للعديد من دول الأمريكيتين. في هذا المقال، سنستعرض الدول التي تضم أعلى نسب من السكان الأصليين، ونلقي الضوء على الأوضاع الاجتماعية، الاقتصادية والثقافية لهذه الشعوب في الوقت المعاصر.

السكان الأصليون في الأمريكيتين: نظرة تاريخية

يعد السكان الأصليون في الأمريكيتين من أقدم شعوب العالم، حيث يُعتقد أنهم وصلوا إلى القارة عبر جسر برّي كان يربط بين آسيا وأمريكا الشمالية خلال العصور الجليدية. ومع مرور الوقت، تطورت هذه الشعوب إلى ثقافات وحضارات متنوعة، حيث بنوا مدنًا متقدمة وابتكروا لغات ونظم دينية وفنية. من أبرز هذه الحضارات كانت حضارة المايا، الأزتك، الإنكا، والعديد من قبائل الأمريكيين الأصليين في شمال أمريكا مثل الشيروكي، السيو، والنافاهو.

ومع قدوم الأوروبيين في القرن الخامس عشر، واجه السكان الأصليون أوقاتًا عصيبة. فالتوسع الاستعماري أدى إلى تفشي الأمراض التي أودت بحياة العديد منهم، فضلاً عن الحروب، الاستعباد، وفقدان الأراضي. ورغم هذه الظروف القاسية، فإن العديد من هذه الشعوب تمكنوا من الحفاظ على جزء من ثقافتهم وهويتهم في وجه التحديات الكبرى.

دول الأمريكيتين مع أعلى نسب من السكان الأصليين

1. المكسيك

المكسيك هي واحدة من الدول التي تضم أكبر عدد من السكان الأصليين في الأمريكيتين. وفقًا للتعداد السكاني في عام 2020، يُقدر أن ما يقرب من 25 مليون شخص في المكسيك ينحدرون من أصول أصلية، وهو ما يشكل حوالي 25% من إجمالي السكان. وتعتبر المجموعات الإثنية مثل المايا، الأزتك، والزابوتيك من بين أكبر الجماعات التي تقطن في مناطق مثل ولاية تشياباس، أواكساكا، وميتشواكان.

وعلى الرغم من أن المكسيك تتمتع بتنوع ثقافي كبير، فإن السكان الأصليين يواجهون تحديات كبيرة، مثل الفقر، التمييز الاجتماعي، وفقدان الأراضي. ومع ذلك، بذلت الحكومة المكسيكية جهودًا لتحسين وضع هؤلاء السكان من خلال برامج تعليمية، صحية، وتمويلية، بالإضافة إلى تعزيز الحقوق الثقافية والسياسية.

2. البيرو

البيرو هي واحدة من الدول التي تحتفظ بتاريخ طويل من السكان الأصليين، إذ يشكل السكان الأصليون نسبة كبيرة من السكان البيروفيين. يُقدّر أن حوالي 25% من سكان البيرو ينحدرون من أصل هندي، مع وجود أكثر من 50 مجموعة إثنية أصلية. وتعد قبائل مثل الكيشوا، الأيمارا، والآشوارا من أبرز هذه الشعوب، التي تتمركز في المرتفعات الجبلية والأمازون البيروفي.

يواجه السكان الأصليون في البيرو تحديات مستمرة، مثل ضعف الخدمات الصحية والتعليمية في مناطقهم النائية، والتهديدات التي تواجهها أراضيهم من المشاريع التنموية. ومع ذلك، استطاع العديد من هؤلاء الشعوب الحفاظ على تقاليدهم الثقافية، مثل اللغة والفن الشعبي، مع تعزيز دورهم في السياسة البيروفية.

3. بوليفيا

تعد بوليفيا واحدة من الدول التي تُعتبر موطنًا لعدد كبير من السكان الأصليين. يُقدر أن حوالي 41% من سكان بوليفيا ينحدرون من أصول أصلية، مما يجعلها الدولة التي تضم أعلى نسبة من السكان الأصليين في الأمريكيتين. وتشمل المجموعات الرئيسية في بوليفيا كل من الكيشوا، الأيمارا، والتاوانتسوي، بالإضافة إلى العديد من القبائل الأخرى.

تتمتع بوليفيا بتاريخ طويل من التهميش الاجتماعي والاقتصادي للسكان الأصليين، لكن الوضع بدأ يتغير بشكل ملحوظ منذ انتخاب إيفو موراليس في عام 2006، الذي كان أول رئيس من أصل أصلي في البلاد. تحت قيادته، تم تعزيز حقوق السكان الأصليين من خلال التعديلات الدستورية التي أقرّت حقوقًا ثقافية، اجتماعية، واقتصادية للسكان الأصليين.

4. غواتيمالا

غواتيمالا هي واحدة من الدول التي تحتوي على نسبة عالية من السكان الأصليين، إذ يُقدر أن حوالي 40% من سكانها ينتمون إلى قبائل أصلية، مع وجود مجموعات مثل المايا التي تتمركز في المناطق الشمالية الغربية. ورغم أنهم يشكلون جزءًا كبيرًا من سكان البلاد، فإن السكان الأصليين في غواتيمالا يعانون من الفقر الشديد، التمييز الاجتماعي، وعدم الحصول على حقوقهم السياسية والاجتماعية.

5. الإكوادور

تُعتبر الإكوادور دولة غنية ثقافيًا من حيث تنوع شعوبها الأصلية. يتراوح تقدير عدد السكان الأصليين في الإكوادور ما بين 7% إلى 20% من إجمالي السكان، وهو يعتمد على المعايير المختلفة المستخدمة في التعريف. في الإكوادور، تعد مجموعات مثل الكيشوا، الشوارا، والإنكا من بين أهم المجموعات التي تقطن في المناطق الجبلية وأمازونيا. وتواجه هذه الشعوب مشاكل عدة مثل التهميش الاجتماعي، مشاكل الأرض، بالإضافة إلى قضايا التعليم والصحة.

6. الولايات المتحدة الأمريكية

في الولايات المتحدة، يشكل السكان الأصليون نسبة صغيرة من إجمالي السكان، لكنهم لا يزالون يمثلون جزءًا مهمًا من التاريخ الأمريكي. يشكل الأمريكيون الأصليون حوالي 2% من إجمالي السكان الأمريكيين، وتتنوع القبائل الأصلية في الولايات المتحدة من الشيروكي، النافاهو، السيو، وحتى قبائل ألاسكا الأصلية. رغم تزايد الوعي الثقافي والاجتماعي، لا يزال السكان الأصليون في الولايات المتحدة يواجهون تحديات كبيرة مثل الفقر، البطالة، والنزاع على الأراضي.

7. كندا

على الرغم من أن كندا تتمتع بتنوع ثقافي كبير، إلا أن السكان الأصليين يشكلون جزءًا مهمًا من الهوية الكندية. تُعتبر المجموعات مثل الإينويت، الهنود الحمر، والميتيس من بين أقدم الشعوب في كندا، وتشكل نسبة السكان الأصليين في البلاد حوالي 5% من إجمالي السكان. مع ذلك، يعاني السكان الأصليون في كندا من التمييز الاجتماعي، فقدان الأراضي، وانتهاك الحقوق في بعض الأحيان.

التحديات التي يواجهها السكان الأصليون في الأمريكيتين

على الرغم من أن العديد من الدول في الأمريكيتين قد قطعت خطوات كبيرة نحو تحسين وضع السكان الأصليين، إلا أنهم لا يزالون يواجهون العديد من التحديات:

1. التمييز الاجتماعي والاقتصادي: يواجه السكان الأصليون في العديد من الدول التمييز في مجالات التعليم، العمل، والصحة. هذا التمييز يؤدي إلى انعدام الفرص الاقتصادية والاجتماعية التي تؤثر على حياتهم اليومية.

2. فقدان الأراضي: شهد السكان الأصليون في العديد من الدول فقدان أراضيهم لصالح الشركات الكبرى أو مشاريع البنية التحتية. هذا يؤدي إلى تهديد استقلالهم الاقتصادي وتعرض ثقافاتهم للخطر.

3. الحق في التعليم: يعاني العديد من الأطفال والشباب من السكان الأصليين من قلة الوصول إلى التعليم الجيد، مما يساهم في استمرارية دائرة الفقر والتهميش.

4. القضايا البيئية: تتعرض أراضي الشعوب الأصلية في العديد من الدول لتهديدات بيئية بسبب قطع الأشجار، التعدين، والتنقيب عن النفط والغاز.

الختام

تظل المجتمعات الأصلية في الأمريكيتين جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والثقافي لهذه القارة، وعلى الرغم من التحديات التي تواجهها، فإن إرثها الثقافي وحضورها في السياسة والمجتمع لا يزال له تأثير كبير. يتطلب الأمر العمل المشترك بين الحكومات والمنظمات الدولية لضمان حقوق هؤلاء الشعوب وتوفير فرص حقيقية للتنمية المستدامة التي تحترم تاريخهم وثقافاتهم.