أعراض الزهري: فهم شامل لأحد أخطر الأمراض المنقولة جنسياً
الزهري هو مرض بكتيري مزمن ومعدٍ يُعد من بين أكثر الأمراض المنقولة جنسياً تعقيداً وخطورة إذا لم يتم تشخيصه وعلاجه في الوقت المناسب. تسببه بكتيريا تُعرف باسم Treponema pallidum، وتتميز بقدرتها على التوغل ببطء في الجسم والتسبب بأعراض متنوعة تختلف حسب المرحلة التي يمر بها المرض. وقد يؤدي إهمال علاجه إلى مضاعفات خطيرة تطال القلب، والدماغ، والأعصاب، وحتى العينين. وبالرغم من أن المضادات الحيوية—خصوصاً البنسلين—فعالة في علاجه، إلا أن التحدي الأكبر يكمن في التعرف المبكر على أعراضه قبل أن يصل إلى مراحل يصعب معها العلاج أو يصبح الضرر دائماً.
فيما يلي عرض تفصيلي لمراحل الزهري وأعراض كل مرحلة، إضافةً إلى المضاعفات المحتملة في حال عدم تلقي العلاج.
أولاً: المرحلة الأولى من الزهري (الزهري الأوّلي)
تبدأ العدوى عادةً من خلال ملامسة الجلد أو الأغشية المخاطية لمكان مصاب ببكتيريا الزهري، وعادةً ما يكون ذلك أثناء الجماع. وتظهر الأعراض الأولى خلال فترة تتراوح ما بين 10 إلى 90 يوماً من لحظة العدوى، بمتوسط قدره 21 يوماً.
الأعراض الرئيسية:
-
قرحة غير مؤلمة (قرحة الزهري الأولية): وتُعرف باسم chancre، وهي قرحة صلبة حوافها مرتفعة قليلاً، تظهر غالباً في مواضع العدوى كالأعضاء التناسلية، فتحة الشرج، الفم، أو الشفتين.
-
انتفاخ في الغدد اللمفاوية القريبة من موقع القرحة.
-
القرحة تختفي تلقائياً خلال 3 إلى 6 أسابيع حتى دون علاج، مما قد يوهم المريض بالشفاء، لكنه في الواقع مؤشر على انتقال المرض إلى المرحلة التالية.
ثانياً: المرحلة الثانية من الزهري (الزهري الثانوي)
تبدأ هذه المرحلة عادةً بعد اختفاء القرحة الأولية بعدة أسابيع أو أشهر، وتشير إلى انتشار البكتيريا في مجرى الدم ووصولها إلى أعضاء متعددة من الجسم.
الأعراض المتوقعة:
-
طفح جلدي واسع: غالباً ما يبدأ على الجذع ويمتد إلى راحتي اليدين وباطن القدمين. يتميز هذا الطفح بكونه غير مصحوب بالحكة، وقد يظهر على شكل بقع حمراء أو بنية اللون.
-
تقرحات مخاطية في الفم أو الأعضاء التناسلية.
-
حمى خفيفة أو معتدلة.
-
تعب عام وفقدان الشهية والوزن.
-
تورم العقد اللمفاوية في مناطق متعددة من الجسم.
-
تساقط الشعر بشكل غير مبرر.
-
آلام في العضلات والمفاصل.
-
أعراض عصبية طفيفة مثل الصداع أو اضطرابات النوم.
قد تستمر هذه الأعراض لأسابيع أو أشهر، وقد تختفي دون علاج، ولكن ذلك لا يعني الشفاء، بل الانتقال إلى المرحلة الخفية من المرض.
ثالثاً: المرحلة الكامنة (المرحلة الخفية)
تُعرف هذه المرحلة بفترة غياب الأعراض الظاهرة رغم استمرار وجود البكتيريا في الجسم. وقد تستمر لسنوات عديدة (حتى 20 عاماً أو أكثر)، وهي مقسومة إلى:
-
مرحلة كامنة مبكرة: تمتد حتى سنة واحدة بعد الإصابة، وقد تظهر خلالها بعض الأعراض الثانوية من حين إلى آخر.
-
مرحلة كامنة متأخرة: بعد مرور سنة أو أكثر من الإصابة، وتكون فيها الأعراض نادرة للغاية، لكن الخطر يكمن في احتمالية التسبب بمضاعفات جسيمة في المرحلة التالية.
في هذه المرحلة، يكون التشخيص أكثر صعوبة إلا عبر اختبارات الدم المتخصصة التي تكشف وجود الأجسام المضادة لبكتيريا الزهري.
رابعاً: المرحلة المتقدمة (الزهري الثالثي)
هذه المرحلة تُعد الأشد خطورة، وتحدث لدى حوالي 15 إلى 30% من الحالات غير المعالجة، وغالباً ما تظهر بعد مرور سنوات طويلة من العدوى. وتُعرف بتدمير الأنسجة الحيوية في الجسم بشكل بطيء ومدمر.
أبرز المضاعفات في هذه المرحلة:
-
الزهري القلبي الوعائي: يشمل التهاب الشريان الأبهر، وتمدد الأوعية الدموية، وتلف صمامات القلب.
-
الزهري العصبي: يتسبب في أضرار شديدة للجهاز العصبي المركزي مثل:
-
فقدان التوازن والذاكرة.
-
اضطرابات نفسية وسلوكية.
-
فقدان السيطرة على المثانة أو الأمعاء.
-
العمى أو الصمم.
-
-
تكوّن أورام صمغية (Gummas): وهي تكتلات التهابية يمكن أن تصيب الجلد، الكبد، العظام، أو غيرها من الأعضاء، وتؤدي إلى تشوهات وتدمير في الأنسجة.
الزهري العصبي والزهري البصري
حتى في المراحل المبكرة، يمكن أن تغزو بكتيريا Treponema pallidum الجهاز العصبي المركزي والعين، مسببة أعراضاً خطيرة.
أعراض الزهري العصبي:
-
صداع شديد مزمن.
-
تيبّس الرقبة.
-
مشاكل في التركيز والتفكير.
-
تغيرات سلوكية أو عقلية.
-
مشاكل في التوازن أو المشي.
أعراض الزهري البصري:
-
عدم وضوح الرؤية.
-
ألم في العين.
-
حساسية مفرطة للضوء.
-
عمى جزئي أو كلي في حال عدم العلاج.
يتطلب الزهري العصبي أو البصري علاجاً مكثفاً بالبنسلين عن طريق الحقن الوريدي لعدة أسابيع.
الزهري الخِلقي (الزهري الولادي)
ينتقل الزهري من الأم المصابة إلى الجنين عبر المشيمة، ويُعد من أخطر أنواع الزهري بسبب تأثيره الكارثي على الجنين. قد يؤدي إلى:
-
الإجهاض أو موت الجنين داخل الرحم.
-
تشوهات خِلقية خطيرة.
-
تلف في الجهاز العصبي أو السمع أو البصر.
-
تأخر في النمو العقلي أو الجسدي.
مقارنة أعراض المراحل المختلفة من الزهري
| المرحلة | الأعراض المميزة | مدة الظهور | قابلية العدوى |
|---|---|---|---|
| المرحلة الأولية | قرحة غير مؤلمة، تضخم غدد لمفاوية | 3-6 أسابيع | مرتفعة |
| المرحلة الثانوية | طفح جلدي، حمى، تساقط شعر، قرحات مخاطية | أسابيع إلى شهور | مرتفعة |
| المرحلة الكامنة | بدون أعراض | قد تمتد لسنوات | منخفضة |
| المرحلة المتقدمة | تلف القلب، الأعصاب، العظام، العمى أو الشلل | بعد سنوات | غير معدٍ |
أهمية الكشف المبكر
الكشف المبكر عن الزهري يمكن أن يُحدث فرقاً جذرياً في حياة المريض. إذ أن الفحص الدوري للأشخاص النشطين جنسياً، خاصة من لديهم شركاء متعددون أو يمارسون الجنس غير الآمن، يُعد من أهم الإجراءات الوقائية. ويُعتبر اختبار الدم هو الأداة الأساسية في التشخيص، وتشمل الفحوصات الأكثر استخداماً:
-
اختبار VDRL (Venereal Disease Research Laboratory).
-
اختبار RPR (Rapid Plasma Reagin).
-
اختبار TPHA أو FTA-ABS لتأكيد الإصابة.
الخلاصة الطبية
الزهري مرض قابل للعلاج في مراحله الأولى، لكنه يصبح صعباً بل ومهدداً للحياة إذا تُرك دون علاج. تبدأ أعراضه بقرحة بسيطة غير مؤلمة، لكنها قد تنتهي بعمى أو شلل أو فشل قلبي إذا لم يُتدخل في الوقت المناسب. الوعي بالأعراض، والقيام بالفحوصات الدورية، واتباع سلوك جنسي آمن، كلها عوامل ضرورية للوقاية والتعامل المبكر مع هذا المرض الخطر.
المراجع
-
World Health Organization. “Sexually transmitted infections (STIs)”.
-
Centers for Disease Control and Prevention (CDC). “Syphilis – CDC Fact Sheet.”
