أعراض النقرس عند الرجال: الأسباب، المؤشرات السريرية، والتشخيص التفصيلي

يُعد النقرس أحد أشكال التهاب المفاصل الشائعة التي تصيب الرجال بنسبة أكبر مقارنة بالنساء، خاصة بعد سن الأربعين. ينجم هذا الاضطراب عن تراكم بلورات حمض اليوريك في المفاصل والأنسجة المحيطة بها، مما يؤدي إلى نوبات مفاجئة من الألم الحاد، والتورم، والاحمرار. يعتبر النقرس من الأمراض المعقدة المرتبطة بعدة عوامل وراثية وبيئية وسلوكية، وتزداد حدته في حال عدم التشخيص المبكر والعلاج المناسب. وتنبع أهمية هذا المقال من الحاجة إلى فهم دقيق للأعراض الخاصة بالنقرس عند الرجال، من أجل تحسين فرص التدخل العلاجي وتقليل المضاعفات طويلة المدى.

النقرس: لمحة طبية

النقرس (Gout) هو نوع من التهاب المفاصل يتميز بزيادة تركيز حمض اليوريك في الدم (Hyperuricemia)، وهو ناتج ثانوي طبيعي لتحلل البيورينات، وهي مركبات موجودة في العديد من الأطعمة والبروتينات. عندما يتجاوز تركيز حمض اليوريك قدرة الجسم على التخلص منه عبر الكليتين، يترسب على شكل بلورات يورات أحادية الصوديوم في المفاصل، مما يثير استجابة التهابية حادة.

العوامل المساهمة في زيادة خطر الإصابة بالنقرس لدى الرجال

تشير الإحصائيات الطبية إلى أن الرجال أكثر عرضة للإصابة بالنقرس بنسبة ثلاثة أضعاف مقارنة بالنساء. ويُعزى ذلك إلى عدة أسباب بيولوجية وسلوكية، أبرزها:

• ارتفاع مستويات حمض اليوريك عند الذكور مقارنة بالإناث قبل سن اليأس.

• زيادة استهلاك اللحوم الحمراء، الكحول، والمأكولات البحرية، وهي أطعمة غنية بالبيورينات.

• العوامل الوراثية، إذ أن وجود تاريخ عائلي من المرض يزيد من احتمالية الإصابة.

• السمنة وزيادة الوزن، والتي تضعف من قدرة الكلى على التخلص من حمض اليوريك.

• الأمراض المصاحبة، مثل ارتفاع ضغط الدم، السكري من النوع الثاني، والفشل الكلوي المزمن.

• تعاطي أدوية مدرة للبول أو مثبطات المناعة، مما يزيد من تركيز حمض اليوريك في الدم.

الأعراض السريرية للنقرس عند الرجال

1. ألم مفاجئ وحاد في المفصل المصاب

يُعد الألم الحاد أبرز الأعراض التي تُميز نوبة النقرس. وغالباً ما يظهر بشكل مفاجئ خلال الليل، ويبلغ ذروته خلال ساعات. هذا الألم قد يكون موهناً لدرجة تمنع المريض من الحركة أو حتى لمس المفصل المصاب.

2. تورم واحمرار المفصل

غالباً ما يُلاحظ احمرار وتورم ملحوظ في المفصل المصاب، نتيجة لتراكم السوائل والبلورات. يظهر الجلد فوق المفصل بلون محمر أو بنفسجي، ويكون دافئاً عند اللمس.

3. المفصل الأكثر إصابة: مفصل إصبع القدم الكبير

يُعرف نقرس إصبع القدم الكبير باسم “Podagra”، وهو الشكل الأكثر شيوعاً للنقرس عند الرجال. لكن قد تتأثر مفاصل أخرى مثل الركبة، الكاحل، المعصم، الكوع وأصابع اليد.

4. تيبّس المفصل

مع تكرار النوبات وعدم تلقي العلاج، تبدأ المفاصل في فقدان مرونتها وحركتها الطبيعية، مما يؤدي إلى التيبّس وضعف القدرة الوظيفية.

5. ارتفاع في درجة حرارة الجسم

في بعض الحالات، قد يصاحب النوبة ارتفاع طفيف في درجة الحرارة العامة، خاصة عند وجود التهاب شديد.

6. تكوّن التوفات (Tophi)

وهي كتل صلبة تتشكل تحت الجلد بسبب تراكم البلورات على المدى الطويل، خاصة في المفاصل، الأذن، والأوتار. غالباً ما تظهر التوفات بعد سنوات من الإصابة، وتشير إلى مرحلة مزمنة ومتقدمة من المرض.

7. أعراض بولية مصاحبة

بعض المرضى قد يعانون من أعراض بولية مثل الألم أثناء التبول أو وجود حصى كلوية، نتيجة ترسيب حمض اليوريك في الجهاز البولي.

النوبات المتكررة وتأثيرها التراكمي

يتسبب تجاهل الأعراض المبكرة للنقرس في تكرار النوبات وزيادة حدتها، وهو ما يؤدي بمرور الوقت إلى تدمير المفصل بشكل دائم. وتُظهر الدراسات أن النوبات المتكررة تؤدي إلى تلف الغضروف المفصلي، وتآكل العظام، وزيادة خطر الإعاقة الحركية. كما ترفع من احتمالية الإصابة بأمراض القلب والكلى.

مراحل تطور النقرس عند الرجال

يمكن تصنيف المرض إلى أربع مراحل سريرية متميزة:

الفرق بين النقرس وغيره من التهابات المفاصل

من الضروري التمييز بين النقرس وأمراض أخرى مشابهة مثل التهاب المفاصل الروماتويدي والتهاب المفاصل العظمي. ويكمن الفارق الرئيسي في:

• طبيعة النوبات: في النقرس، تكون مفاجئة وحادة ومحددة في مفصل واحد في البداية.

• مكان الإصابة: غالباً يبدأ النقرس بإصبع القدم الكبير، بينما يصيب الروماتويد مفاصل اليدين والقدمين بشكل متماثل.

• وجود توفات: ميزة خاصة بالنقرس المزمن ولا تظهر في الروماتويد.

• تحليل السائل الزلالي: يكشف عن وجود بلورات يورات أحادية الصوديوم في النقرس.

التشخيص السريري والمخبري

الفحص السريري

يعتمد على الأعراض الموصوفة، مثل طبيعة الألم، موضعه، وتكراره. قد يلاحظ الطبيب وجود التوفات أو تشوهات مفصلية.

التحاليل المخبرية

• قياس حمض اليوريك في الدم: لا يكفي وحده للتشخيص، لكن القيم العالية تدعم الفرضية.

• تحليل السائل المفصلي: الطريقة الأكثر دقة لتأكيد وجود بلورات حمض اليوريك.

• اختبارات وظائف الكلى: لأن ضعف الكلى يزيد من احتمالية ترسيب حمض اليوريك.

• الأشعة السينية أو التصوير بالموجات فوق الصوتية: تكشف عن التكلسات والتلف المفصلي.

المضاعفات المحتملة للنقرس غير المعالج

• تلف دائم في المفاصل.

• تكون الحصوات الكلوية.

• الفشل الكلوي المزمن.

• زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب التاجية.

• انخفاض جودة الحياة بسبب الألم المتكرر وفقدان القدرة الحركية.

علاج النقرس يبدأ بالتشخيص المبكر

إن فهم الأعراض المبكرة للنقرس واللجوء السريع للتشخيص، يُعد حجر الأساس في الوقاية من المضاعفات. يساعد التشخيص المبكر في:

• خفض مستوى حمض اليوريك عن طريق الأدوية مثل “الألوبورينول” أو “فيبوكسوستات”.

• تقليل الالتهابات خلال النوبات باستخدام مضادات الالتهاب غير الستيرويدية أو الكولشيسين.

• تعديل النمط الغذائي والسلوكي.

• السيطرة على الأمراض المصاحبة مثل السكري وارتفاع الضغط.

العوامل المؤثرة في شدة الأعراض عند الرجال

تشير الدراسات إلى أن شدة الأعراض تعتمد على مجموعة من المتغيرات المرتبطة بالبيئة والجينات، من أبرزها:

• نسبة الكتلة العضلية: حيث ترتبط الكتلة العضلية العالية بإنتاج أكبر للبيورينات.

• نمط الحياة الغذائي: استهلاك الكحول والبروتينات الحيوانية بكثرة يزيد من حدة النوبات.

• الضغوط النفسية والجسدية: تؤدي إلى اضطراب الاستقلاب الداخلي وتفاقم الحالة.

• درجة التزام المريض بالعلاج والمتابعة الطبية.

الوقاية من تكرار الأعراض وتفاقم المرض

تشكل الوقاية ركيزة أساسية في إدارة مرض النقرس. وتتضمن الخطوات التالية:

• تجنب