أعراض الزهري وعلاجه

الزهري: أعراضه ومراحله وتأثيراته الصحية الشاملة

يُعتبر الزهري (Syphilis) واحداً من الأمراض المنقولة جنسياً الأكثر خطورة في العالم، حيث يتميز بمراحله المتعددة وتطوره الصامت في كثير من الأحيان، ما يجعله تهديداً خفياً للصحة العامة إذا لم يتم اكتشافه وعلاجه في الوقت المناسب. ينجم الزهري عن عدوى بكتيرية تسببها البكتيريا اللولبية الشاحبة (Treponema pallidum)، وهي نوع من البكتيريا ذات الشكل الحلزوني، قادرة على التسلل إلى الجسم عبر الأغشية المخاطية أو الجروح الدقيقة في الجلد. وعبر مسار تطوره، يمر الزهري بأربع مراحل رئيسية تختلف في الأعراض وخطورة المضاعفات، وقد تؤثر على مختلف أجهزة الجسم بما في ذلك الجلد، الجهاز العصبي، القلب، وحتى الدماغ.

العدوى وانتقال الزهري

ينتقل الزهري بشكل أساسي عبر الاتصال الجنسي، سواء كان مهبلياً، فموياً أو شرجياً، مع شخص مصاب بالعدوى. كما يمكن أن ينتقل من الأم إلى الجنين أثناء الحمل أو الولادة، مما يؤدي إلى ما يُعرف بـ”الزهري الخلقي”، وهو حالة شديدة الخطورة على الجنين وقد تؤدي إلى الوفاة أو تشوهات خلقية خطيرة. ونادراً ما يمكن أن يحدث الانتقال عبر نقل الدم أو التماس المباشر مع جروح الزهري في مراحل معينة.

مراحل الزهري وأعراضه

تنقسم أعراض الزهري إلى أربع مراحل متتابعة: الزهري الأولي، الزهري الثانوي، الزهري الكامن، وأخيراً الزهري الثالثي (أو المتأخر). كل مرحلة من هذه المراحل تمتاز بخصائص سريرية محددة، وقد تمر بعض المراحل دون أعراض تُذكر، مما يجعل المرض خادعاً وصعب الاكتشاف في مراحله الباكرة دون فحوص مخبرية دقيقة.

أولاً: الزهري الأولي

في هذه المرحلة، تظهر أولى علامات العدوى وتحدث عادة خلال 10 إلى 90 يوماً بعد التعرّض للبكتيريا. أكثر الأعراض تميزاً في هذه المرحلة هو ظهور قرحة غير مؤلمة تُعرف باسم القرحة الصلبة (chancre)، وتظهر غالباً في موضع دخول البكتيريا مثل:

• الأعضاء التناسلية.

• الشرج.

• الفم أو الشفتين.

تتميز هذه القرحة بأنها:

• صلبة الملمس.

• غير مؤلمة.

• ذات حواف ملساء.

• تختفي من تلقاء نفسها خلال 3 إلى 6 أسابيع دون علاج.

رغم اختفائها، فإن البكتيريا تواصل الانتشار في الجسم وتدخل في المرحلة التالية.

ثانياً: الزهري الثانوي

تبدأ هذه المرحلة عادة بعد عدة أسابيع من شفاء القرحة الأولية. وتعد أكثر المراحل نشاطاً من حيث انتشار الأعراض الجهازية، وتشمل الأعراض ما يلي:

• طفح جلدي واسع الانتشار، غالباً ما يظهر على الراحتين وباطن القدمين.

• آفات مخاطية في الفم أو الأعضاء التناسلية.

• تورم في العقد اللمفاوية.

• حمى وقشعريرة.

• آلام في العضلات والمفاصل.

• تساقط الشعر غير المنتظم.

• فقدان الشهية.

• شعور عام بالضعف والتعب.

وقد تكون الأعراض خفيفة وتُهمل، لكنها تختفي بعد أسابيع أو أشهر، مما يعطي انطباعاً زائفاً بالشفاء، بينما تنتقل البكتيريا إلى المرحلة الكامنة.

ثالثاً: الزهري الكامن

في هذه المرحلة، لا تظهر أية أعراض خارجية، لكن العدوى تبقى في الجسم، ويمكن اكتشافها فقط من خلال التحاليل المخبرية. وقد تستمر هذه المرحلة لسنوات دون أي علامات، وتنقسم إلى:

• الزهري الكامن المبكر: خلال السنة الأولى من الإصابة.

• الزهري الكامن المتأخر: بعد مرور سنة من الإصابة.

لا يُعد الزهري في هذه المرحلة معدياً، إلا في حالة انتقاله من الأم إلى الجنين.

رابعاً: الزهري الثالثي (المتأخر)

تشكل هذه المرحلة المرحلة الأخطر للزهري، وتحدث لدى حوالي 15-30% من المصابين غير المعالجين بعد مرور سنوات طويلة من الإصابة (تصل إلى 10-30 سنة). وتتميز بحدوث تلف خطير في الأعضاء الحيوية نتيجة استمرار نشاط البكتيريا في الجسم، وتشمل أبرز المضاعفات:

الزهري القلبي الوعائي

• تمدد أو انتفاخ في الشريان الأبهر (الأورطي).

• التهابات في بطانة القلب (التهاب الشغاف).

• خلل في صمامات القلب.

الزهري العصبي

• فقدان الذاكرة.

• الاضطرابات النفسية.

• السكتة الدماغية.

• ضعف التنسيق الحركي.

• خلل في البصر قد يصل إلى العمى.

• شلل جزئي أو كلي في بعض الحالات.

الزهري العقدي (Gummatous)

• تشكل أورام مطاطية تعرف بـ”غومات” تظهر في الجلد أو العظام أو الكبد وأعضاء أخرى.

• هذه الأورام قد تتآكل وتسبب ندوب وتشوهات دائمة.

الزهري الخلقي

عندما تنتقل العدوى من الأم الحامل إلى جنينها، قد تؤدي إلى:

• الإجهاض أو ولادة جنين ميت.

• تأخر النمو الجسدي والعقلي.

• تشوهات في العظام.

• تضخم الكبد والطحال.

• فقر دم حاد.

• تلف العينين والدماغ.

تتفاوت الأعراض حسب توقيت العدوى لدى الأم ومدى تدخل العلاج، وكلما تم الكشف عنها مبكراً كانت فرص الوقاية أكبر.

تشخيص الزهري

يتم تشخيص الزهري بناءً على مجموعة من الفحوص السريرية والمخبرية، وتشمل:

1. الفحص السريري: ملاحظة الأعراض الجلدية والقرحات.

2. التحاليل الدموية:

   • اختبار VDRL (Venereal Disease Research Laboratory).

   • اختبار RPR (Rapid Plasma Reagin).

   • اختبار TPHA أو FTA-ABS لتأكيد الإصابة.

3. تحليل سائل النخاع الشوكي في حال وجود أعراض عصبية.

جدول يوضح مراحل الزهري والأعراض

علاج الزهري

يُعد البنسلين هو العلاج الأساسي والأكثر فعالية للزهري في جميع مراحله. ويُعطى عادة عن طريق الحقن العضلي بجرعة واحدة في المراحل الأولى، أما في الحالات المتقدمة أو الزهري العصبي فقد تكون هناك حاجة لجرعات متعددة على مدى أسابيع.

بدائل البنسلين مثل “الدوكسيسيكلين” أو “الإريثروميسين” تُستخدم فقط في حالة الحساسية للبنسلين، لكن ليست بنفس الكفاءة، ولا يُنصح بها في الزهري العصبي أو الخلقي.

بعد العلاج، يتم مراقبة المريض من خلال فحوصات دورية لتأكيد الاستجابة للعلاج، ويجب أيضاً إخطار الشركاء الجنسيين للفحص والعلاج.

الوقاية من الزهري

• استخدام الواقي الذكري بشكل صحيح ومنتظم.

• تجنّب العلاقات الجنسية غير المحمية أو المتعددة.

• الفحص الدوري للأمراض المنقولة جنسياً، خاصة لمن لديهم نشاط جنسي عالي أو شركاء متعددين.

• التوعية الصحية حول خطورة الزهري وأهمية الكشف المبكر.

• إجراء فحوص للحوامل في وقت مبكر من الحمل.

أثر الزهري على الصحة العامة

يمثل الزهري تحدياً للصحة العامة نظراً لطبيعته الكامنة وصعوبة كشفه في مراحله المبكرة دون فحص، ولارتباطه الوثيق بزيادة خطر الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية (HIV)، إذ إن القرح التي يسببها تسهل دخول الفيروس إلى الجسم. كما أن تكرار الإصابات بالزهري يعكس ضعفاً في الوقاية والممارسات الجنسية الآمنة، مما يسلط الضوء على الحاجة لتكثيف التوعية وتوسيع نطاق الفحوصات الدورية.

الخاتمة

الزهري ليس مجرد مرض جلدي أو عدوى مؤقتة، بل هو حالة صحية معقدة تتطلب وعياً طبياً ومجتمعياً مستمراً. وبفضل التقدم الطبي، يمكن علاجه بشكل كامل عند اكتشافه مبكراً، غير أن الإهمال أو التأخر في التشخيص قد يؤدي إلى مضاعفات لا يمكن علاجها لاحقاً. لذلك تُعد الوقاية، الكشف المبكر، والعلاج السريع هي الأسلحة الأهم في محاربة هذا المرض الصامت والخطير.

المراجع:

1. World Health Organization – Sexually transmitted infections fact sheet, WHO, 2024.

2. Centers for Disease Control and Prevention (CDC) – Syphilis – CDC Fact Sheet, 2023.