أعراض التهاب مجرى البول عند الرضع: دليل شامل للأعراض، الأسباب، المضاعفات وطرق التشخيص والعلاج

يُعد التهاب مجرى البول عند الرضع من الحالات الطبية الشائعة والخطيرة التي تستوجب الانتباه الفوري والتدخل الطبي السريع، نظراً لصعوبة تشخيصها في مراحلها الأولى واعتماد الطفل الكامل على الأهل في التعبير عن الألم أو الانزعاج. يُعرف هذا الالتهاب بأنه عدوى بكتيرية تصيب الجهاز البولي، والذي يتكون من الكليتين، الحالبين، المثانة والإحليل، وتؤدي إلى ظهور مجموعة من الأعراض التي قد تكون خفية أو غير نوعية في سن الرضاعة. تختلف هذه الأعراض عن تلك التي تظهر لدى الأطفال الأكبر سناً أو البالغين، الأمر الذي يجعل تشخيصها يعتمد على الفحوص السريرية والمخبرية الدقيقة.

يشكل هذا الموضوع أهمية قصوى في مجال طب الأطفال، حيث أن إهمال علاج التهاب مجرى البول في وقت مبكر قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة، من أبرزها تلف الكلى الدائم أو تسمم الدم. من خلال هذا المقال المفصل، سيتم استعراض الأعراض السريرية الأساسية التي تشير إلى احتمال الإصابة بالتهاب مجرى البول عند الرضع، بالإضافة إلى الأسباب، المضاعفات المحتملة، طرق التشخيص المتاحة، والعلاجات المعتمدة.

أولاً: ما هو التهاب مجرى البول عند الرضع؟

التهاب مجرى البول (Urinary Tract Infection – UTI) هو عدوى تصيب أحد أجزاء الجهاز البولي. عند الرضع، غالباً ما يكون السبب هو دخول البكتيريا – وأشهرها Escherichia coli – إلى مجرى البول صعوداً نحو المثانة أو الكلى، مما يؤدي إلى حدوث الالتهاب. ولأن الرضيع غير قادر على التعبير عن الشعور بالألم أو الانزعاج، تكون الملاحظة الدقيقة من قبل الأهل أو الفريق الطبي هي الأساس في الاكتشاف المبكر.

ثانياً: الأعراض الشائعة لالتهاب مجرى البول عند الرضع

تتميز أعراض التهاب مجرى البول عند الرضع بأنها غالباً غير نوعية، أي أنها لا تشير بشكل مباشر إلى الجهاز البولي، بل تكون عامة، ما يزيد من صعوبة التشخيص المبكر. في ما يلي أبرز الأعراض السريرية التي قد تدل على وجود التهاب في مجرى البول:

1. ارتفاع في درجة الحرارة دون سبب واضح

يُعد الحمى واحدة من أبرز وأول علامات الإصابة بالتهاب مجرى البول، وقد تكون الحمى هي العرض الوحيد الظاهر. وتُعرف بأنها ارتفاع درجة حرارة الجسم إلى ما فوق 38 درجة مئوية. في العديد من الحالات، لا تظهر علامات التهابات أخرى (كالسعال أو الإسهال)، مما يوجه الطبيب إلى التفكير في وجود عدوى بولية.

2. قلة الشهية وصعوبة في الرضاعة

يعاني الرضيع المصاب من فقدان ملحوظ في الشهية، يرفض الرضاعة سواء الطبيعية أو الصناعية، أو يرضع بكميات قليلة جداً، وقد يتقيأ بعد الرضاعة، مما يشير إلى وجود اضطراب داخلي يستوجب التقييم.

3. القيء أو الارتجاع المتكرر

في حالات متعددة، قد يكون القيء العرض الأبرز، وغالباً ما يُخطأ تشخيصه على أنه نتيجة لمشاكل في الجهاز الهضمي، إلا أن تكراره، خاصة مع ارتفاع درجة الحرارة، يجب أن يدفع إلى الاشتباه بعدوى في الجهاز البولي.

4. الخمول والكسل غير المعتاد

قد يبدو الرضيع خمولاً وغير نشيط كالمعتاد، ينام لفترات طويلة، ولا يتفاعل مع البيئة المحيطة به أو مع الأصوات. ويُعد هذا أحد مؤشرات التعب العام الناتج عن وجود عدوى جهازية.

5. التهيج والبكاء المستمر

يبكي الرضيع المصاب بشكل مفرط، وخاصة أثناء التبول أو بعده، مما قد يشير إلى الألم الناتج عن الالتهاب. أحياناً يكون البكاء دون سبب واضح، ويستمر لفترات طويلة.

6. تغير في لون أو رائحة البول

من أبرز العلامات المميزة وجود رائحة قوية أو كريهة للبول، وقد يُلاحظ تغير في لونه ليصبح أكثر عتامة أو يحتوي على آثار دم.

7. طفح جلدي في منطقة الحفاض

يحدث ذلك نتيجة تلامس البول المحتوي على البكتيريا مع الجلد، مما يسبب تهيجاً جلدياً قد يظهر على شكل احمرار أو طفح مزمن لا يستجيب للعلاجات الموضعية التقليدية.

8. الإسهال أو الإمساك

على الرغم من أن التهاب البول لا يُعتبر مسبباً مباشراً لاضطرابات الأمعاء، إلا أن الجهاز الهضمي لدى الرضع يتأثر بأي عدوى جهازية، وقد يظهر الإسهال أو الإمساك كأعراض مرافقة.

ثالثاً: الأسباب والعوامل المؤهبة للإصابة

هناك عدة أسباب تؤدي إلى التهاب مجرى البول عند الرضع، نذكر منها:

رابعاً: المضاعفات المحتملة إذا لم يُعالج التهاب مجرى البول

التأخر في التشخيص أو إهمال علاج التهاب مجرى البول عند الرضع قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة تشمل:

• تلف دائم في أنسجة الكلى

• ارتفاع ضغط الدم في مرحلة الطفولة أو لاحقاً

• تكوّن ندبات في الكلى

• القصور الكلوي المزمن

• تسمم الدم (Septicemia) وهي حالة تهدد الحياة

هذه المضاعفات تُظهر أهمية الاكتشاف المبكر والعلاج المناسب في الوقت المناسب.

خامساً: كيفية التشخيص الطبي

يعتمد تشخيص التهاب مجرى البول عند الرضع على عدة خطوات متتالية تشمل:

1. التقييم السريري

يبدأ الطبيب بأخذ التاريخ الطبي الكامل للطفل من الأهل، ويتضمن ذلك ملاحظة الأعراض، عدد مرات التبول، طبيعة البول، وجود الحمى، وسوابق مرضية أو خلقية.

2. فحص البول

تُعد خطوة محورية، ويتم جمع البول عبر:

• كيس خاص لجمع البول (Urine collection bag): للرضع الذين لم يتعلموا استخدام المرحاض.

• القسطرة البولية (Urinary catheterization): في حالات الحاجة إلى عينة نقية.

• البزل فوق العانة (Suprapubic aspiration): إجراء أكثر دقة يُستخدم في حالات معينة.

يُفحص البول بعد ذلك تحت المجهر للكشف عن وجود كريات دم بيضاء، بكتيريا، أو نيتريتات.

3. زراعة البول (Urine Culture)

هي الاختبار الأكثر دقة لتحديد نوع البكتيريا المسببة واختيار المضاد الحيوي الأنسب للعلاج.

4. فحوصات تصويرية (Ultrasound, VCUG)

بعد الإصابة الأولى، يُوصى بإجراء تصوير للكليتين والمجاري البولية باستخدام الموجات فوق الصوتية أو أشعة VCUG للكشف عن أي تشوهات خلقية.

سادساً: العلاج المعتمد لالتهاب مجرى البول عند الرضع

يعتمد العلاج على شدة الحالة، عمر الرضيع، ونتائج زراعة البول، ويشمل:

1. المضادات الحيوية

يُعطى الرضيع مضاداً حيوياً واسع الطيف بعد سحب عينة البول، ويمكن أن يكون عن طريق:

• الفم: في الحالات الخفيفة.

• الوريد: في الحالات الشديدة أو عند وجود حمى مستمرة.

2. السوائل الوريدية

يُستخدم في حال كان الرضيع يعاني من التجفاف أو لا يتناول كمية كافية من الحليب.

3. المراقبة في المستشفى

قد تستوجب بعض الحالات إبقاء الرضيع في المستشفى للمراقبة الدقيقة حتى تتحسن حالته.

سابعاً: الوقاية من تكرار التهاب مجرى البول عند الرضع

• الحرص على تغيير الحفاضات بانتظام

• تنظيف المنطقة التناسلية من الأمام إلى الخلف (خاصة عند الإناث)

• ختان الذكور وفقاً للتوصيات الطبية

• تجنب استخدام المناديل المعطرة أو الصابون القوي حول المنطقة التناسلية

• مراجعة الطبيب فور ظهور أي علامات مرضية غير مبررة

ثامناً: الخلاصة

يُعد التهاب مجرى البول عند الرضع حالة شائعة لكنها خطيرة، وقد تمر دون ملاحظة في بدايتها إذا لم يكن الأهل على دراية كافية بالأعراض المبكرة. تعتبر الحمى غير المفسرة، تغيرات البول، والخمول من أبرز العلامات التحذيرية. ولأن الرضيع لا يستطيع التعبير عن شعوره، تقع المسؤولية على الأهل والفريق الطبي في رصد هذه المؤشرات والتعامل معها بجدية. إن سرعة التشخيص والبدء في العلاج الفوري يُعد العامل الحاسم في تجنب المضاعفات المستقبلية التي قد تؤثر على جودة حياة الطفل على المدى الطويل.

المراجع:

1. American Academy of Pediatrics. Urinary Tract Infection: Clinical Practice Guideline for the Diagnosis and Management in Children.

2. National Institute for Health and Care Excellence (NICE). Urinary tract infection in under 16s: diagnosis and management.