ما أطول الحيوانات عمراً، الحيوانات الأطول عمراً، الكائنات المعمّرة، الحيوانات التي تعيش طويلاً

تُعدّ القدرة على العيش لفترة زمنية طويلة من أبرز الخصائص البيولوجية التي تثير فضول العلماء عند دراسة عالم الحيوان. تختلف أعمار الكائنات الحية بشكل كبير حسب النوع والبيئة وعوامل وراثية وتكيّفية أخرى، إلا أن بعض الكائنات قد تجاوزت الحدود المعتادة بشكل مذهل، لتصبح رموزاً حقيقية للعمُر الطويل. من أعماق المحيطات إلى الصحارى القاحلة، نجد أمثلة على كائنات حيوانية لا تعيش لعقود فقط، بل تمتد أعمارها إلى قرون، وفي بعض الحالات، إلى ما يقارب الألف عام.

يُقسّم العُمر الحيواني عادة إلى نوعين: العُمر البيولوجي، الذي يشير إلى الوقت الذي يمكن للكائن أن يعيش فيه وفقاً لخصائصه الوراثية، والعمر المسجّل، والذي يمثل أطول فترة زمنية موثقة عاشها كائن معين من نوعه. في هذا السياق، يمكننا الحديث عن الحيوانات الأطول عمراً من حيث البيانات الموثقة والعلمية، بما يشمل الحيوانات البرية، البحرية، واللافقاريات.

أولاً: اللافقاريات المعمّرة

البطلينوس “مينغ” (Ming clam – Arctica islandica)

يُعتبر البطلينوس الآيسلندي من أكثر الكائنات التي حيّرت العلماء من حيث طول العمر. تم اكتشاف أحد الأفراد من هذا النوع والذي أُطلق عليه اسم “مينغ” نسبةً إلى سلالة مينغ الصينية، وعاش لما يقارب 507 عاماً حسب التقديرات المستندة إلى تحليل حلقات نمو قوقعته. تم جمع هذا الحيوان البحري قبالة سواحل آيسلندا عام 2006، وللأسف، توفي أثناء إجراءات البحث والدراسة، مما يجعل من “مينغ” رمزاً علمياً للعمر البيولوجي الكبير.

إسفنج الزجاج (Glass Sponge – Anoxycalyx joubini)

في أعماق المحيط المتجمدة، تعيش أنواع من الإسفنج الزجاجي تُعتبر من أقدم الكائنات اللافقارية. إحدى العينات المدروسة من القارة القطبية الجنوبية قدّرت أعمارها بأكثر من 10,000 سنة اعتمادًا على النمو البطيء جداً وظروف البيئة المستقرة. ورغم أن تحديد العمر الدقيق لا يزال صعباً، فإن هذه الكائنات مرشحة لتكون من الأحياء الأطول عمراً على وجه الأرض.

ثانياً: الحيوانات البحرية طويلة العمر

قرش غرينلاند (Greenland Shark – Somniosus microcephalus)

يعيش هذا القرش في المياه العميقة والباردة في شمال المحيط الأطلسي وغرينلاند، وقد تبيّن من خلال التحاليل الإشعاعية لعدسات عينه أن بعض الأفراد قد تصل أعمارها إلى 400 سنة، مما يجعله أطول الفقاريات عمراً على الإطلاق. يتميّز بنمو بطيء جداً لا يتجاوز السنتيمتر الواحد سنوياً، ولا يبلغ سنّ النضج الجنسي إلا بعد 150 سنة تقريباً، مما يسلّط الضوء على خصائصه التطورية الفريدة.

الحوت مقوّس الرأس (Bowhead Whale – Balaena mysticetus)

هذا النوع من الحيتان يعيش في المناطق القطبية، ويُعرف بجسمه الضخم ورأسه الكبير. من خلال تحليل الأنسجة والبقايا التي عُثر عليها في أجسام هذه الحيتان، إضافة إلى دراسات الحمض النووي، قُدّر أن بعض الأفراد تعيش لأكثر من 200 عام، مع تسجيل حالات مؤكدة تعدت 211 سنة. وهو بذلك يعدّ من أطول الثدييات البحرية عمراً.

ثالثاً: الزواحف المعمّرة

السلحفاة العملاقة “جوناثان” (Jonathan the Tortoise – Aldabrachelys gigantea)

تُعدّ السلاحف العملاقة من أشهر الحيوانات الطويلة العمر في العالم. ويبرز منها “جوناثان”، سلحفاة تعيش في جزيرة سانت هيلينا، ويُقدّر عمرها حاليًا بأكثر من 192 سنة، حيث فُقِس بيضها عام 1832. لا يزال “جوناثان” على قيد الحياة حتى اليوم، ويُعتبر أقدم حيوان بري موثّق العمر في العالم.

سلحفاة غالاباغوس (Galápagos Tortoise – Chelonoidis nigra)

تُعرف سلاحف غالاباغوس بعمرها المديد، وقد عاش العديد منها لأكثر من 150 عاماً. أشهرها “هارييت”، التي نُقلت من جزر غالاباغوس إلى أستراليا في القرن التاسع عشر ويُقال إنها وُلدت عام 1830، وماتت عام 2006 عن عمر يُقدّر بـ176 سنة.

رابعاً: الطيور طويلة العمر

البَجَع القطبي الشمالي “ويسدوم” (Wisdom the Laysan Albatross)

طائر الألباتروس “ويسدوم” هو أقدم طائر بري موثّق في العالم، حيث لا يزال يضع البيض ويُفرّخ حتى اليوم رغم تجاوزه 70 عامًا. وُضع خاتم التتبع عليه أول مرة عام 1956، ومنذ ذلك الوقت وهو تحت المراقبة البيئية المستمرة.

الببغاء الأزرق والأصفر (Blue-and-yellow Macaw)

الببغاوات، وخاصة من الأنواع الكبيرة مثل الببغاء الأزرق والأصفر، معروفة بعمرها الطويل نسبياً، وتعيش غالبًا حتى 60-80 عاماً، وقد سُجّلت حالات عاش فيها بعضها لأكثر من 100 سنة في الأسر مع الرعاية المناسبة.

خامساً: الثدييات البرية طويلة العمر

الفيل الإفريقي (African Elephant – Loxodonta africana)

يُعدّ الفيل الإفريقي من أطول الثدييات البرية عمراً، حيث يعيش في المتوسط من 60 إلى 70 سنة، وقد تجاوزت بعض الأفراد هذه الفترة في المحميات وحدائق الحيوان. ترتبط فترة الحياة الطويلة للفيلة بدماغها المتطور، وبنيتها الجسدية القوية، وقلة المفترسات الطبيعية.

الإنسان (Homo sapiens)

رغم كونه موضوعًا خارج تصنيف الحيوانات بالمعنى التقليدي في المقالات العلمية، فإن الإنسان يُعدّ من بين الفقاريات الأطول عمراً. هناك حالات موثّقة لبلوغ الإنسان أعماراً تتجاوز 120 عامًا، مثل حالة “جان كالمان” التي توفيت في فرنسا عام 1997 عن عمر 122 عاماً و164 يوماً، وهي أطول عمر إنساني موثّق حتى اليوم.

سادساً: الحشرات والمعمّرات غير المتوقعة

نمل الملكة (Ant Queen)

بعض أنواع ملكات النمل، مثل تلك من نوع Lasius niger، قد تعيش حتى 30 سنة، وهو عمر طويل جدًا بالنسبة لحشرة. في المقابل، يعيش الذكور والعمال عادة لبضعة أشهر فقط. يعود سبب عمر الملكة الطويل إلى طبيعة عملها في التكاثر وحمايتها داخل المستعمرة.

السيكادا الدورية (Periodical Cicada – Magicicada)

تعيش هذه الحشرة معظم حياتها تحت الأرض في شكل يرقات لمدة 13 إلى 17 سنة قبل أن تخرج إلى السطح لتتزاوج ثم تموت بعد بضعة أسابيع. ورغم أن عمرها فوق الأرض قصير، فإن فترة حياتها الكاملة طويلة جدًا بالنسبة لحشرة.

سابعاً: نظرة مقارنة بين الحيوانات الأطول عمراً

العوامل المؤثرة في طول عمر الحيوانات

يخضع طول عمر الكائنات الحية لمجموعة من العوامل المعقدة، تشمل:

1. البيئة: الكائنات التي تعيش في بيئات مستقرة مثل أعماق المحيطات تكون أقل عرضة للتغييرات البيئية الحادة، ما يسمح لها بالعيش لفترات أطول.

2. النشاط الأيضي: هناك علاقة طردية بين انخفاض معدل الأيض وطول العمر، فالكائنات ذات التمثيل الغذائي البطيء، مثل قرش غرينلاند، تعيش عادة لفترات أطول.

3. الحجم: الكائنات الأكبر حجماً تميل إلى العيش لفترات أطول مقارنةً بالكائنات الصغيرة، مع بعض الاستثناءات.

4. التكاثر: الحيوانات التي تتكاثر بشكل متأخر غالباً ما تعيش أطول من تلك التي تتكاثر في وقت مبكر.