فوائد القطران للإكزيما: دراسة موسعة حول فعاليته واستخداماته العلاجية

يُعد القطران، سواء المستخرج من الفحم الحجري أو من مصادر نباتية مثل خشب الصنوبر، من أقدم العلاجات التي استُخدمت لعلاج الأمراض الجلدية، وعلى رأسها الإكزيما. ورغم التطور الكبير في الأدوية والعلاجات الحديثة، لا يزال القطران يحتفظ بمكانته كأحد العلاجات الطبيعية ذات الفعالية الملحوظة، خاصة في حالات الإكزيما المزمنة والمقاومة للعلاج. يشتهر القطران بخصائصه المضادة للالتهابات والمطهّرة والمهدئة للبشرة، ما يجعله خياراً علاجياً قيّماً لكثير من المرضى الذين يعانون من الحكة والتهيج الجلدي المستمر.

يهدف هذا المقال إلى تقديم دراسة شاملة وموسعة حول فوائد القطران للإكزيما، من خلال استعراض خواصه الكيميائية، آلية عمله في الجلد، الفوائد السريرية المثبتة، طرق استخدامه، بالإضافة إلى استعراض الآثار الجانبية المحتملة والمحاذير المرتبطة به، مع توثيق ذلك من خلال الأبحاث العلمية المعتمدة.

أولاً: ماهية القطران وأنواعه

القطران النباتي (Wood Tar)

يُستخلص القطران النباتي من الخشب، وتحديداً من أشجار الصنوبر أو أشجار أخرى مثل البتولا. يتم إنتاجه من خلال عملية تُعرف بالتحلل الحراري، حيث تُسخن المواد العضوية في غياب الأوكسجين لإنتاج سائل أسود لزج ذو رائحة قوية.

قطران الفحم (Coal Tar)

يُعتبر قطران الفحم أحد أشهر أنواع القطران المستخدم في الطب، وهو ناتج ثانوي من عملية إنتاج الفحم الحجري. يحتوي على مئات المركبات الكيميائية الفعالة، منها الفينولات، النفثالين، التولوين، ومركبات عطرية متعددة الحلقات، وهي المسؤولة عن تأثيره الدوائي.

ثانياً: الإكزيما – نظرة عامة

الإكزيما، أو ما يُعرف أيضاً باسم التهاب الجلد التأتبي (Atopic Dermatitis)، هي حالة جلدية مزمنة تتميز بالتهاب الجلد، جفافه، وحكته المستمرة، وتُعد من الأمراض الجلدية شيوعاً في جميع الأعمار. تتعدد أشكال الإكزيما مثل الإكزيما التأتبية، الإكزيما الدهنية، وإكزيما التلامس، ولكنها تتشابه في الأعراض الأساسية.

العوامل المؤدية للإكزيما تشمل:

• العوامل الوراثية

• اضطرابات في الحاجز الجلدي

• التهابات ميكروبية مزمنة

• العوامل البيئية والمهيجات الكيميائية

ثالثاً: الآلية العلاجية للقطران في حالات الإكزيما

يعمل القطران على علاج الإكزيما من خلال آليات متعددة تشمل:

1. خفض النشاط المناعي في الجلد

يقلل القطران من فرط نشاط الخلايا المناعية مثل الخلايا التائية، التي تلعب دوراً رئيسياً في التسبب بالتهاب الجلد في حالات الإكزيما.

2. تثبيط الإنزيمات الالتهابية

يحتوي القطران على مركبات تعمل كمثبطات طبيعية لإنزيمات الالتهاب مثل COX-2 وLOX، مما يساعد في تقليل الاحمرار والتورم والحكة.

3. تحفيز التجدد الخلوي

يساعد القطران على تسريع دورة حياة الخلايا الكيراتينية في البشرة، مما يمنع تراكمها ويساعد على تقشير الجلد المتضرر.

4. تأثير مضاد للفطريات والبكتيريا

تشير الدراسات إلى أن القطران يملك خصائص مضادة للميكروبات، مما يمنع الالتهابات الثانوية التي كثيراً ما تصاحب حالات الإكزيما، خاصة عندما يكون الجلد مخدوشاً أو متهيجاً.

رابعاً: الفوائد السريرية لاستخدام القطران في علاج الإكزيما

تدعم العديد من الدراسات السريرية فاعلية القطران في تحسين أعراض الإكزيما. وفيما يلي أهم هذه الفوائد:

1. تقليل الحكة والحرقان

يساعد القطران على تهدئة الجلد وتقليل الإحساس بالحكة، وهو من أكثر الأعراض إزعاجاً لمرضى الإكزيما. وقد أظهرت دراسة نُشرت في Journal of Dermatological Treatment أن استخدام قطران الفحم ضمن مستحضرات علاجية قلّل من الحكة بنسبة تزيد عن 60%.

2. تحسين مظهر الجلد وتقليل الاحمرار

من خلال تأثيره القابض والمضاد للالتهاب، يعمل القطران على تخفيف الاحمرار والتورم المرتبط بالإكزيما، مما يؤدي إلى تحسن ملحوظ في مظهر الجلد.

3. الحد من الاعتماد على الستيرويدات

يساعد القطران على تقليل الحاجة لاستخدام الكورتيزون الموضعي، وبالتالي الحد من الآثار الجانبية المرتبطة به مثل ترقق الجلد واضطراب التوازن الهرموني.

4. دور مكمل للعلاج الطبي

يُستخدم القطران في كثير من الحالات كمكمل للعلاجات الطبية الأخرى، خصوصاً مع مضادات الهيستامين أو الستيرويدات الموضعية، لزيادة الفعالية وتقصير مدة العلاج.

خامساً: طرق استخدام القطران لعلاج الإكزيما

تتوفر عدة أشكال من القطران في الأسواق، ويختلف الاستخدام بحسب شدة الحالة والمنطقة المصابة:

سادساً: الأعراض الجانبية والتحذيرات

رغم فوائده الكبيرة، إلا أن القطران قد يُسبب بعض الأعراض الجانبية أو يكون غير مناسب لبعض الأشخاص:

1. التهيج الموضعي

قد يُسبب القطران تهيجاً خفيفاً في الجلد، خاصة في أولى مرات الاستخدام، ويجب التوقف عن استخدامه إذا تطور الأمر إلى احمرار أو حكة شديدة.

2. الحساسية الضوئية

يزيد القطران من حساسية الجلد لأشعة الشمس، لذا يجب تجنّب التعرض المباشر للشمس بعد الاستخدام.

3. الرائحة والنسيج اللزج

يتميز القطران برائحة قوية وقوام لزج قد يكون غير مريح لبعض المرضى، ما قد يحدّ من تقبله عند الاستخدام المتكرر.

4. الآثار بعيدة المدى

تشير بعض الدراسات إلى أن الاستخدام طويل الأمد لقطران الفحم قد يكون مرتبطاً بزيادة طفيفة في خطر الإصابة بتغيرات جلدية محتملة التسرطن، لكن هذا التأثير غير مؤكد عند الاستخدام الموضعي وتحت إشراف طبي.

سابعاً: المقارنة بين القطران والعلاجات الأخرى للإكزيما

ثامناً: التوصيات الطبية والمراجع العلمية

توصي الجمعية الأمريكية للأمراض الجلدية (AAD) باستخدام القطران كخيار ثانوي أو مكمل في علاج حالات الإكزيما المزمنة، خاصة في الحالات التي لا تستجيب للعلاجات التقليدية. كما تنصح بضرورة إجراء اختبار حساسية موضعي قبل الاستخدام الموسّع للقطران.

يُفضل اختيار المنتجات التي تحتوي على تركيزات مدروسة من قطران الفحم أو الخشب، والموافقة عليها من قبل الهيئات الصحية مثل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA).

الخاتمة

يمثل القطران أحد العلاجات الطبيعية التقليدية التي أثبتت فعاليتها عبر الزمن في مواجهة الأمراض الجلدية، وعلى رأسها الإكزيما. بفضل خصائصه المضادة للالتهاب والمطهّرة والمجددة لخلايا الجلد، يقدم القطران بديلاً علاجياً منخفض التكلفة ومناسباً لحالات متعددة من الإكزيما، خاصة تلك التي لا تستجيب بسرعة للخيارات الدوائية الحديثة. ورغم بعض التحديات المرتبطة باستخدامه مثل الرائحة القوية أو تهيج الجلد، إلا أن هذه الآثار تبقى محدودة عند الاستخدام الصحيح وتحت إشراف طبي متخصص.

المراجع:

1. American Academy of Dermatology. “Coal Tar for Skin Conditions.” AAD.org

2. Lebwohl, M. et al. “Topical Therapies for Atopic Dermatitis.” Journal of the American Academy of Dermatology, 2014.