المزاج الصباحي وأسبابه

عنوان المقال: تقلبات المزاج عند الاستيقاظ

مقدمة

الاستيقاظ في الصباح يُمثّل لحظة انتقال حسّاسة من عالم اللاوعي إلى واقع الحياة اليومية، وقد يكون لهذا الانتقال أثرٌ بالغ على مزاج الإنسان وسلوكه طوال اليوم. يعاني الكثيرون من استيقاظٍ مزاجي متعكر دون سببٍ واضح، بينما يستيقظ آخرون بشعور إيجابي ومليء بالحيوية. هذا التباين ليس وليد الصدفة، بل هو نتيجة تفاعلات معقدة بين العوامل النفسية، البيولوجية، والبيئية. يمكن لمزاج الصباح أن يحدد ملامح يوم كامل، وقد يتعدى ذلك ليؤثر على إنتاجية الفرد، تواصله مع الآخرين، وحتى قراراته.

في هذا المقال، نغوص في الأسباب الكامنة وراء تقلب المزاج عند الاستيقاظ، والعوامل التي تساهم في تشكيل هذه الحالة المزاجية، إضافةً إلى الأثر التراكمي للعادات، ونمط النوم، ونمط التفكير على الصباحات التي نعيشها كل يوم.

الإيقاع اليومي والمزاج الصباحي

يلعب ما يُعرف بالإيقاع اليومي أو الساعة البيولوجية دورًا جوهريًا في تحديد مزاج الإنسان عند الاستيقاظ. هذا الإيقاع هو نظام داخلي يعمل بتناغم مع دورة الليل والنهار، ويؤثر على إفراز الهرمونات الحيوية مثل الكورتيزول والميلاتونين. الكورتيزول، المعروف بهرمون التوتر، يرتفع عادةً في الصباح ليساعد الجسم على الاستيقاظ والاستعداد للأنشطة اليومية. في حين أن ارتفاعه الطبيعي يُعتبر صحيًا، فإن الارتفاع المفرط قد يولد مشاعر القلق والانزعاج منذ اللحظات الأولى من الصباح.

على الجانب الآخر، فإن اضطراب الإيقاع اليومي نتيجة النوم المتأخر أو العمل بنظام المناوبات أو الإفراط في استخدام الشاشات ليلاً، قد يؤدي إلى اضطراب الحالة المزاجية عند الاستيقاظ، مما يجعل الشخص يشعر بالضيق أو الغضب أو الكسل دون سبب واضح.

الهرمونات ودورها في تشكيل المزاج

يُعد توازن الهرمونات عاملًا حاسمًا في استقرار المزاج الصباحي. فعلى سبيل المثال، انخفاض مستوى السيروتونين -وهو ناقل عصبي مرتبط بالسعادة- يمكن أن يؤدي إلى الشعور بالإحباط عند الاستيقاظ. كما أن التغيّرات الهرمونية التي تصيب النساء خلال الدورة الشهرية أو انقطاع الطمث أو الحمل قد تؤدي إلى تقلبات مزاجية حادة في الصباح.

إضافةً إلى ذلك، فإن نقص بعض العناصر الغذائية المهمة مثل المغنيسيوم، فيتامين B6 وB12، والأوميغا 3، قد يؤثر سلباً على إفراز هذه الهرمونات، مما ينعكس في صورة مزاج سيء أو اكتئاب صباحي.

الجانب النفسي وتأثير الأفكار اللاواعية

المزاج الصباحي لا يرتبط فقط بالجانب الفيزيولوجي، بل هو انعكاس أيضًا للواقع النفسي الذي يعيشه الإنسان. فعندما تكون الأفكار السائدة قبل النوم محمّلة بالقلق أو التوتر، يُحتمل أن تستمر هذه الحالة في العقل الباطن حتى لحظة الاستيقاظ. وقد يستيقظ الإنسان وهو يشعر بالثقل النفسي دون أن يدرك السبب، لأنه ربما نام وهو يعاني من ضغوط مالية أو علاقات متوترة أو مخاوف مهنية.

العقل اللاواعي يواصل معالجة هذه القضايا خلال النوم، ما قد يؤدي إلى كوابيس أو نوم مضطرب، وكل ذلك يساهم في خلق بيئة داخلية مشوشة تؤثر سلباً على المزاج فور الاستيقاظ.

تأثير جودة النوم على الحالة المزاجية

قلة النوم أو تقطعه تترك بصمتها الواضحة على الحالة النفسية عند الاستيقاظ. النوم العميق والمتواصل يسمح للجسم والعقل بالاستشفاء، ويمنح الإنسان فرصة للتوازن الهرموني وتنظيم المشاعر. أما الحرمان المزمن من النوم، فإنه يؤدي إلى إفراز زائد للكورتيزول، ويضعف نشاط الفص الجبهي في الدماغ، المسؤول عن التحكم في السلوك واتخاذ القرارات والانفعالات.

في حالات معينة، قد تؤدي اضطرابات النوم مثل الأرق، أو انقطاع النفس النومي، أو متلازمة تململ الساقين، إلى استيقاظ متكرر خلال الليل، وبالتالي استيقاظ متعب مزاجياً وجسدياً في الصباح.

العادات اليومية وأثرها على المزاج الصباحي

السلوكيات اليومية التي يمارسها الفرد قبل النوم وفي بداية اليوم تترك أثراً عميقاً في تحديد نوعية المشاعر التي تسيطر عليه عند الاستيقاظ. فعلى سبيل المثال:

• استخدام الهاتف الذكي قبل النوم يعيق إفراز الميلاتونين، مما يؤدي إلى نوم متقطع ومزاج صباحي مضطرب.

• تناول وجبات دسمة ليلاً قد يسبب اضطرابات هضمية تقلق النوم وتؤثر على الحالة الذهنية عند الصباح.

• النوم في أجواء غير مناسبة مثل الإضاءة الزائدة أو الضوضاء، يحرم الجسم من الدخول في مراحل النوم العميق، ما ينعكس في شعور بالتعب والتوتر فور الاستيقاظ.

كذلك، تؤثر العادات الإيجابية مثل ممارسة التأمل، القراءة الهادئة قبل النوم، أو ممارسة التمارين الرياضية في الصباح، بشكل كبير على الحالة المزاجية وتحفّز الإحساس بالسلام الداخلي والطاقة الإيجابية.

الاضطرابات النفسية والمزاج الصباحي

في بعض الحالات، يكون المزاج المتعكر في الصباح أحد أعراض الاضطرابات النفسية. على سبيل المثال، يعاني الكثير من مرضى الاكتئاب من ما يُعرف بـ”الاكتئاب الصباحي”، حيث يشعرون بأقصى درجات الحزن أو الخمول عند بداية اليوم، وغالبًا ما تتحسن حالتهم تدريجياً مع مرور الوقت خلال النهار.

كما أن مرضى القلق العام أو اضطراب ما بعد الصدمة قد يعانون من صحوات مفاجئة مصحوبة بضيق صدر أو نوبات هلع دون إنذار مسبق، مما يجعل بداية اليوم مرهقة نفسياً.

استراتيجيات فعالة لتحسين المزاج الصباحي

للتغلب على المزاج المتعكر عند الاستيقاظ، يمكن اعتماد مجموعة من الخطوات العملية التي أثبتت فعاليتها في إعادة التوازن النفسي والعاطفي:

1. الالتزام بروتين نوم منتظم: النوم والاستيقاظ في نفس الوقت يوميًا يساعد على ضبط الساعة البيولوجية.

2. تهيئة بيئة نوم هادئة: التهوية الجيدة، الإضاءة المنخفضة، والابتعاد عن الإلكترونيات قبل النوم.

3. ممارسة الامتنان عند الاستيقاظ: تدوين 3 أشياء إيجابية في بداية اليوم يعيد برمجة الذهن على النظرة المتفائلة.

4. تنشيط الجسم بالحركة: المشي الصباحي أو بعض تمارين التمدد تساعد في تنشيط الدورة الدموية وتحفيز إفراز الإندورفين.

5. التنفس العميق أو التأمل: يساعد على تهدئة الجهاز العصبي وتخفيف التوتر الداخلي.

6. شرب الماء بعد الاستيقاظ: إعادة ترطيب الجسم تحفّز النشاط العقلي وتقلل من الشعور بالكسل أو الصداع.

الفرق بين المزاج الصباحي المؤقت والمزمن

من المهم التفرقة بين المزاج المتقلب العابر، والذي قد يحدث نتيجة عوامل عارضة مثل الإرهاق أو ضغوط العمل، وبين الحالة المزاجية المتكررة التي تستمر لفترة طويلة وتشير إلى خلل أعمق. في حال استمرار المزاج السيء كل صباح على مدى أسابيع أو شهور، يُنصح بمراجعة طبيب نفسي أو أخصائي سلوكيات، لأن هذا قد يكون مؤشراً على اضطراب نفسي يحتاج إلى تدخل مبكر.

الجدول: مقارنة بين أسباب المزاج السيء في الصباح وأثرها على النفس

خاتمة

تُعد لحظة الاستيقاظ انعكاساً صادقاً للحالة النفسية والجسدية للإنسان، وهي مؤشر دقيق على ما يدور داخله من مشاعر مضغوطة أو توازن نفسي. التعرف على أسباب المزاج المتعكر عند بداية اليوم هو الخطوة الأولى نحو تحسين جودة الحياة. إن إدارة هذه المشاعر لا تكون فقط بعلاج الأعراض، بل بفهم أعمق للجذور التي تغذيها من نمط حياة، إلى أفكار لاواعية، إلى توازن بيولوجي دقيق. لا يمكن للفرد التحكم الكامل في الظروف الخارجية، لكنّه قادر على بناء بيئة نفسية وجسدية صحية تهيّئ له صباحات أكثر سلاماً وصفاء.

المراجع:

1. Walker, M. (2017). Why We Sleep: Unlocking the Power of Sleep and Dreams. Scribner.

2. Sapolsky, R. M. (2004). Why Zebras Don’t Get Ulcers. Holt Paperbacks.