أضرار رفع الطفل من يديه

لا ترفع الأطفال الصغار من أيديهم إلى أعلى: دراسة شاملة حول أضرار هذه الممارسة وأثرها على صحة الطفل

تُعد فترة الطفولة المبكرة من أهم المراحل التي يمر بها الإنسان، حيث تنمو فيها الأجهزة العضلية والعصبية بشكل سريع وحساس، ويتطلب ذلك رعاية دقيقة واهتمامًا خاصًا بكل حركة وسلوك يتم توجيهه إلى الطفل. من بين العادات الشائعة بين الأهل، خاصةً في تفاعلهم مع أطفالهم الصغار، رفع الطفل من يديه إلى أعلى عند محاولة حمله أو اللعب معه. على الرغم من أن هذا التصرف قد يبدو بسيطًا وممتعًا، فإنه في الواقع قد يسبب أضرارًا صحية جسيمة للطفل، سواء على المدى القصير أو الطويل.

في هذا المقال، نستعرض بشكل موسع ومفصل أضرار رفع الأطفال الصغار من أيديهم إلى الأعلى، مع التركيز على التأثيرات الفسيولوجية والعضلية، ونقدم شرحًا علميًا يوضح لماذا يجب تجنب هذه الممارسة حفاظًا على صحة الطفل وسلامته.

النمو العضلي والعظمي للأطفال الصغار

تبدأ أجسام الأطفال الصغار في النمو بسرعة كبيرة، خاصة في الأشهر والسنوات الأولى من الحياة. الهيكل العظمي عند الطفل لا يكون متمددًا أو متصلبًا كما في البالغين، بل يكون أكثر ليونة ومرونة، ويحتوي على الكثير من الغضاريف التي لم تتحول إلى عظام صلبة بعد. هذه المرونة ضرورية للنمو والتطور، لكنها أيضًا تعني أن العظام والمفاصل لا تتحمل الكثير من الضغط المفاجئ أو القوى التي قد تؤدي إلى إصابات.

الأربطة والأنسجة الرخوة التي تربط العظام مع بعضها البعض، مثل الأربطة في الكتف والمرفق، تكون أيضًا أكثر هشاشة وضعفًا، وهي عرضة للتمزق أو الالتواء إذا تعرضت لقوى مفاجئة أو مفرطة. لذلك، عند رفع الطفل من يديه إلى أعلى، يتعرض ذراعه إلى قوة جذب شديدة يمكن أن تسبب إصابات في المفاصل أو الأربطة.

أسباب وأضرار رفع الطفل من يديه إلى الأعلى

1. إصابة الكتف (خلع الكتف الجزئي أو الكامل)

عندما يتم رفع الطفل من يديه إلى الأعلى، يكون الكتف عرضة لخطر الخلع الجزئي أو الكامل، وهو ما يُعرف طبيًا بـ”خلع الكتف السفلي” أو “Nursemaid’s elbow”. هذه الحالة شائعة جدًا عند الأطفال تحت سن الخامسة، وتحدث بسبب قوة الجر المفاجئة التي تؤثر على رباط الكوع.

يؤدي رفع الطفل بهذه الطريقة إلى سحب المفصل والكبسولة المحيطة به، ما قد يؤدي إلى انزلاق رأس عظمة العضد من مكانها في الكتف أو الكوع، مسببة ألمًا شديدًا، وعدم قدرة الطفل على تحريك ذراعه، مما يستدعي تدخلًا طبيًا عاجلًا لتصحيح الوضع.

2. ضرر في الأنسجة الرخوة والأربطة

الأربطة التي تربط العظام مع بعضها تكون هشة في هذه المرحلة، وقوة الجر المفاجئة تؤدي إلى تمزق جزئي أو التهابات في هذه الأربطة، ما يسبب تورمًا وألمًا قد يستمر لفترات طويلة، كما يمكن أن يؤثر على نمو المفصل ويضعف وظيفة الذراع.

3. تأثير على نمو العظام والمفاصل

الضغط المتكرر على المفاصل من خلال رفع الطفل من يديه بشكل خاطئ قد يؤثر على نمو العظام والمفاصل في الذراعين. من الممكن أن يؤدي إلى تشوهات خفيفة في بنية العظام أو وضعية المفاصل، وهو ما قد يظهر في مراحل لاحقة من النمو على شكل ضعف في الحركة أو ألم مزمن.

4. إجهاد العضلات

رفع الطفل من يديه إلى أعلى يسبب إجهادًا مفاجئًا للعضلات وخاصة عضلات الذراعين والكتفين. مع تكرار هذا التصرف، قد تحدث تشنجات عضلية مؤلمة تؤثر على قدرة الطفل في تحريك ذراعه بشكل طبيعي.

دراسات وأبحاث طبية حول تأثير رفع الأطفال من اليدين

أجريت عدة دراسات طبية توضح بجلاء خطورة رفع الأطفال الصغار من أيديهم إلى الأعلى. منها دراسة نشرت في مجلة “Pediatrics” الأمريكية والتي بينت أن حالات خلع الكتف الجزئي عند الأطفال عادةً ما تكون مرتبطة برفع الطفل من يديه بشكل خاطئ، حيث أن نسبة الإصابات بين الأطفال الذين يتعرضون لهذه الممارسة تصل إلى 20% من الحالات الطارئة المتعلقة بالإصابات العظمية والعضلية للأطفال تحت سن الخامسة.

كما أظهرت دراسة أخرى أن الأطفال الذين يتم رفعهم من يديهم بشكل متكرر معرضون بشكل أكبر لمشاكل في المفاصل مثل التهاب المفاصل المبكر أو ضعف في القوة العضلية مقارنة بأقرانهم الذين لم يتعرضوا لهذه الممارسة.

الأعراض التي قد تظهر على الطفل بعد رفعه من يديه إلى أعلى

يجب على الأهل مراقبة الطفل جيدًا بعد أي حالة رفع من هذا النوع، إذ تظهر علامات تدل على إصابة محتملة تشمل:

• صعوبة في تحريك الذراع المصابة أو رفض استخدام اليد.

• بكاء الطفل الشديد عند لمس الذراع أو عند محاولة تحريكها.

• تورم أو احمرار في مفصل الكتف أو الكوع.

• ملامح ألم واضحة مثل تعبيرات الوجه المتجمدة أو تشنجات عضلية.

• ميل الذراع إلى وضع غير طبيعي أو معكوس.

عند ظهور أي من هذه الأعراض يجب مراجعة الطبيب فورًا لتجنب تطور المشكلة أو حدوث مضاعفات.

كيف يمكن للأهل التعامل مع الأطفال بطريقة آمنة تحميهم من الإصابات؟

ينبغي أن يحرص الأهل على استخدام طرق أكثر أمانًا عند حمل الطفل أو اللعب معه، ومن هذه الطرق:

• دعم الطفل من تحت الإبطين أو تحت الظهر عند رفعه.

• تجنب جذب الطفل أو رفعه من يديه مباشرة.

• حمل الطفل بالقرب من الجسم لتوفير دعم أكبر لعمود الطفل الفقري والمفاصل.

• تعليم الأطفال اللعب بطرق آمنة لا تتضمن حركات مفاجئة أو عنيفة.

• توعية أفراد الأسرة ومقدمي الرعاية بأضرار رفع الطفل من اليدين.

دور التوعية والبرامج الصحية في منع هذه الممارسة

تعمل المؤسسات الصحية والطبية على نشر التوعية بين الأهل ومقدمي الرعاية بشأن كيفية التعامل مع الأطفال الرضع والصغار بطريقة تحافظ على سلامتهم الجسدية. تشمل هذه الجهود نشر مواد تعليمية في العيادات والمستشفيات، وتنظيم ورش عمل للأمهات والآباء لتعليمهم طرق حمل الطفل الصحيحة وأهمية تجنب رفع الطفل من يديه إلى أعلى.

مقارنة بين طرق حمل الطفل المختلفة وتأثيرها على المفاصل

الخلاصة

إن رفع الأطفال الصغار من أيديهم إلى أعلى يعد ممارسة خاطئة قد تؤدي إلى أضرار صحية كبيرة تتراوح بين إصابات مفصلية، تمزقات أربطة، إجهاد عضلي، وحتى تأثيرات على نمو العظام. يجب على الأهل ومقدمي الرعاية تجنب هذه الممارسة والاعتماد على طرق أكثر أمانًا لحمل الأطفال، كما ينبغي تعزيز التوعية المستمرة حول مخاطر هذه العادة وأفضل الطرق للحفاظ على صحة وسلامة الأطفال خلال مراحل نموهم الأولى.

من خلال اتباع التوجيهات الطبية والعلمية الصحيحة، يمكن حماية الأطفال من الإصابات التي قد تؤثر سلبًا على نموهم الطبيعي، وتوفير بيئة آمنة تساعدهم على التطور الصحي والسليم.