أضرار الشاي على المريء

أضرار الإفراط في تناول الشاي على المريء

يُعد الشاي من أكثر المشروبات استهلاكاً في العالم، ويحتل مكانة كبيرة في ثقافات متعددة، حيث يُستهلك بشكل يومي لأغراض اجتماعية، وصحية، وترفيهية. إلا أن الإفراط في تناول الشاي، خاصةً بأنواعه المحتوية على الكافيين، يمكن أن يحمل آثارًا سلبية عميقة على الجهاز الهضمي، وتحديدًا على المريء. تشير الدراسات الحديثة إلى أن العلاقة بين الشاي الساخن والمريء ليست بالهينة، إذ يرتبط الاستهلاك الزائد والمفرط لهذا المشروب بزيادة مخاطر التهيج، الالتهاب، بل وحتى أمراض أكثر خطورة في المريء.

أولاً: تعريف المريء ووظيفته الحيوية

المريء هو أنبوب عضلي يمتد من الحلق إلى المعدة، ويبلغ طوله حوالي 25 سنتيمترًا، ويلعب دورًا رئيسيًا في نقل الطعام والشراب من الفم إلى الجهاز الهضمي السفلي. يغلفه غشاء مخاطي يحميه من التهيج، وتُنسق حركاته من خلال تقلصات عضلية تُعرف بالتمعج، والتي تدفع المحتوى نحو المعدة.

هذه البنية الدقيقة والوظيفة الحساسة تجعله عرضة للتلف عند التعرض المتكرر لمحفزات حرارية وكيميائية مثل المشروبات الساخنة، أو المواد القابضة والمهيجة الموجودة في الشاي بأنواعه، لا سيما الأسود والأخضر.

ثانياً: تأثير درجات الحرارة المرتفعة

أحد الجوانب الخطيرة في تناول الشاي هو درجة حرارته. في العديد من الثقافات، يُفضل الشاي شديد السخونة. وقد أثبتت الأبحاث، بما في ذلك الدراسات المنشورة في المجلة الطبية The Lancet Oncology، أن استهلاك المشروبات الساخنة جدًا (فوق 65 درجة مئوية) يزيد بشكل ملحوظ من خطر الإصابة بسرطان المريء، وذلك بسبب التأثير المدمر للحرارة المرتفعة على الخلايا المبطنة لجدار المريء.

عند تكرار تعريض المريء للحرارة العالية، يحدث تآكل في الطبقة المخاطية، يليها التهاب مزمن، وتغيّرات في التركيب الخلوي، وهو ما يُعد عامل خطر لنشوء الخلايا السرطانية.

ثالثاً: مركبات الشاي وتأثيرها الكيميائي

الشاي يحتوي على مجموعة من المركبات الكيميائية التي قد تؤثر سلبًا على صحة المريء عند استهلاكها بكميات مفرطة. من أبرز هذه المركبات:

• الكافيين: وهو مادة منبهة تؤدي إلى استرخاء العضلة العاصرة السفلية للمريء، ما يسهم في ارتجاع حمض المعدة إلى المريء، مسببًا حرقة في الصدر، وتهيّج مستمر في الغشاء المخاطي.

• التانينات (Tannins): وهي مركبات قابضة توجد بكثرة في الشاي، تؤثر على امتصاص بعض المعادن وقد تُسبب تهيجًا للجهاز الهضمي العلوي خاصة عند تناوله على معدة فارغة.

• الفلوريد: يمكن أن تتراكم كميات من الفلوريد في الجسم نتيجة الإفراط في شرب الشاي، ما يؤدي إلى تأثيرات سامة على أنسجة الفم والحلق والمريء.

رابعاً: الارتجاع المعدي المريئي وتفاقمه بالشاي

يعد مرض الارتجاع المعدي المريئي (GERD) من أكثر الأمراض التي تتفاقم بتناول الشاي، خصوصًا الشاي الأسود أو الأخضر المحتوي على كافيين. يؤدي هذا المرض إلى رجوع حمض المعدة إلى المريء، مما يسبب تآكلاً في بطانة المريء، وحرقة دائمة في منطقة الصدر، وسعال مزمن، وقد يتطور الأمر إلى تغيّرات ما قبل سرطانية في الغشاء المريئي (حالة تعرف باسم مريء باريت Barrett’s Esophagus).

الشاي، بسبب تأثيره المباشر على العضلة العاصرة السفلية للمريء، يُعتبر عاملاً مساهماً في ضعف انغلاق هذه العضلة، ما يُسهم في تفاقم أعراض الارتجاع.

خامساً: مقارنة بين أنواع الشاي وتأثيرها على المريء

سادساً: العادات المرتبطة بتناول الشاي وسلوكيات خاطئة

من العوامل التي تزيد من أضرار الشاي على المريء:

1. شرب الشاي على معدة فارغة: يُسبب زيادة في إفراز الحمض المعدي، ما قد يرفع من خطر الارتجاع الحمضي وتأثيراته السلبية على المريء.

2. تناول الشاي مع الوجبات أو بعدها مباشرة: يُعيق امتصاص بعض المعادن الضرورية مثل الحديد والكالسيوم، مما قد يؤدي إلى اضطرابات هضمية وسوء تغذية، تؤثر بدورها على بنية الأنسجة المبطنة للمريء.

3. إضافة النعناع أو الزنجبيل بكثرة: رغم فوائدهما، إلا أن بعض هذه الإضافات تزيد من استرخاء العضلة العاصرة السفلية للمريء، ما يزيد من خطر ارتجاع الحمض.

سابعاً: الشاي وسرطان المريء

تم تصنيف شرب الشاي الساخن جدًا كعامل محتمل في الإصابة بسرطان المريء من قبل الوكالة الدولية لأبحاث السرطان (IARC)، خاصة النوع المعروف بسرطان الخلايا الحرشفية. وتشير الأدلة إلى أن الضرر الناتج عن الحرارة المتكررة، بجانب العوامل الكيميائية الموجودة في الشاي، قد يسهم في إحداث طفرات جينية داخل الخلايا المبطنة لجدار المريء، مفضيًا إلى نمو غير طبيعي وتحول سرطاني.

ثامناً: أعراض تلف المريء الناتج عن الإفراط في الشاي

تشمل الأعراض التي قد تدل على تأثر المريء بتناول الشاي المفرط ما يلي:

• إحساس حارق أو ألم في الصدر بعد شرب الشاي

• صعوبة في البلع

• سعال مزمن بدون سبب واضح

• بحة في الصوت خاصة في الصباح

• الإحساس بطعم مر أو حمضي في الحلق بعد شرب الشاي

يُنصح الأشخاص الذين يعانون من هذه الأعراض بإعادة النظر في نمط استهلاكهم للشاي، وخفض الكمية ودرجة الحرارة إلى مستويات آمنة.

تاسعاً: الحد الآمن لاستهلاك الشاي

يشير معظم الخبراء إلى أن استهلاك ما لا يزيد عن 2-3 أكواب يوميًا من الشاي معتدل الحرارة يُعد آمنًا لمعظم الأشخاص الأصحاء. وينصح بما يلي لتقليل الأضرار المحتملة:

• الانتظار حتى تنخفض حرارة الشاي إلى أقل من 60 درجة مئوية قبل تناوله

• اختيار أنواع الشاي منخفضة الكافيين مثل الشاي الأبيض أو بعض أنواع الشاي العشبي

• تجنب إضافة السكر أو المحليات الصناعية بكميات كبيرة

• شرب الشاي بعد مرور ساعة على الأقل من تناول الطعام

عاشراً: بدائل صحية للشاي لحماية المريء

في حال كان من الضروري تقليل استهلاك الشاي بسبب مشاكل المريء، يمكن اللجوء إلى بدائل أكثر لطفًا على الجهاز الهضمي:

• شاي البابونج: مهدئ طبيعي لا يحتوي على كافيين ولا يُهيج المريء

• شاي الليمون مع العسل (الفاتر): يقلل من الالتهاب ويُهدئ الحلق

• ماء دافئ مع القليل من الزنجبيل الطبيعي: يساعد على الهضم دون التسبب في ارتجاع

المصادر العلمية:

1. Islami F, Boffetta P, Ren JS, Pedoeim L, Khatib D, et al. (2009). “High-temperature beverages and risk of esophageal cancer—A systematic review.” International Journal of Cancer.

2. IARC Working Group. (2016). “Carcinogenicity of drinking very hot beverages.” The Lancet Oncology, Volume 17, Issue 7.