تاريخ مدينة نابلس وأصل تسميتها
تعتبر مدينة نابلس من أقدم المدن في فلسطين، حيث تتمتع بتاريخ طويل وحافل بالأحداث والتطورات. تقع نابلس في الضفة الغربية، وتعد واحدة من أبرز المدن الفلسطينية من حيث الأهمية التاريخية والثقافية. ولكن، تبقى تسميتها مصدرًا للعديد من الأسئلة والجدل، ما يجعل معرفة أصل اسمها جزءًا مهمًا من فهم تاريخ المدينة.
أصل اسم نابلس
تختلف الروايات حول أصل تسمية نابلس، ولكن الأكثر شهرة من بين هذه الروايات يشير إلى أن المدينة سميت بهذا الاسم بسبب التداخل بين العوامل الجغرافية والتاريخية. يُعتقد أن اسم “نابلس” هو اشتقاق من الكلمة اللاتينية “نوفا بترولي” (Nova Petra)، والتي تعني “الصخرة الجديدة”. هذه التسمية كانت تشير إلى المدينة الجديدة التي أسسها الرومان في الفترة التي تلت الفتح الروماني للمنطقة.
فترة الفتح الروماني
قبل أن تصبح نابلس معروفة بهذا الاسم، كانت المدينة تُسمى “شكيم” أو “سيخيم”، وهي مدينة قديمة في العصور الكنعانية. كانت “شكيم” إحدى أقدم المدن في المنطقة التي يعود تاريخها إلى حوالي 4000 عام. المدينة كانت مركزًا تجاريًا وثقافيًا هامًا في العصور القديمة، ومرت بعدة مراحل تاريخية مهمة بما في ذلك الاحتلال المصري، الفارسي، اليوناني، والروماني.
عندما استولى الرومان على المنطقة في القرن الأول قبل الميلاد، قاموا بتطوير مدينة “شكيم” وتحويلها إلى مدينة رومانية. وبسبب هذه التحديثات الكبيرة على بنية المدينة، بما في ذلك إنشاء العديد من المعالم والطرق الرومانية، قرر الرومان إعادة تسمية المدينة لتكون “نوفا بترولي” أو “الصخرة الجديدة”. وهذه التسمية كانت تعكس التغييرات التي طرأت على المدينة وعلى شكلها المعماري بعد التحسينات التي أجراها الرومان.
المدينة كرمز للحداثة
من هنا، نشأت فكرة التسمية الجديدة التي تشير إلى وجود مدينة رومانية جديدة مبنية على الطراز المعماري الروماني. وفقًا لهذه الرواية، فإن التسمية “نابلس” هي تحريف للكلمة اللاتينية “نوفا بترولي” أو “نابولس”، مما يوضح كيف كانت المنطقة تأخذ اسمًا يعكس علاقتها بالإمبراطورية الرومانية.
تطور المدينة عبر العصور
العهد البيزنطي
مع بداية العصر البيزنطي في القرن الرابع الميلادي، استمرت نابلس في ازدهارها، حيث كانت المدينة واحدة من أبرز المدن في منطقة فلسطين التاريخية. خلال هذا العهد، ازدهرت البنية المعمارية للمدينة بشكل كبير، بما في ذلك بناء الكنائس والمرافق العامة. كما شهدت المدينة نهضة اقتصادية كبيرة، وامتازت بتطور الزراعة والصناعة في تلك الفترة.
الفتح الإسلامي
في عام 636م، بعد الفتح الإسلامي للمنطقة على يد جيش الخليفة عمر بن الخطاب، دخلت نابلس تحت الحكم الإسلامي. وقد حافظت المدينة على مكانتها كأحد المراكز الهامة في بلاد الشام خلال العصور الإسلامية المختلفة. شهدت نابلس في هذه الفترة نموًا وتطورًا كبيرًا، حيث أصبحت مركزًا تجاريًا وثقافيًا مزدهرًا.
تحت الحكم الإسلامي، وخاصة في العصور الأموية والعباسية، كانت نابلس تعرف بأنها مركزًا تجاريًا هامًا، مما أكسبها شهرة واسعة في العالم الإسلامي. كما أسس فيها العديد من العلماء والمفكرين في مختلف المجالات. وكانت نابلس أيضًا محطةً هامة على الطريق التجاري الذي يربط بين الشام ومصر.
العهد العثماني
أما في العهد العثماني، فقد أصبحت نابلس مركزًا إداريًا هامًا في ولاية الشام. وقد شهدت المدينة في تلك الحقبة أيضًا تطورات كبيرة في مجال البنية التحتية، خاصةً في مجالات الري والزراعة. كما زادت المدينة من قوتها الاقتصادية بفعل صناعاتها المحلية مثل صناعة الصابون النابلسي الشهير.
الآثار الثقافية والتاريخية
لا تقتصر أهمية نابلس على تسميتها فحسب، بل تشمل أيضًا ما تحتويه من معالم تاريخية وثقافية. فمدينة نابلس تعد من المدن الغنية بالآثار الإسلامية والرومانية والبيزنطية، مما يجعلها وجهة سياحية هامة في فلسطين. من أبرز معالم المدينة:
-
قبر يوسف: وهو أحد الأماكن الدينية الهامة في المدينة ويعود تاريخه إلى العهد العثماني، حيث يعتقد البعض أنه قبر النبي يوسف عليه السلام.
-
البلدة القديمة: تعد البلدة القديمة في نابلس من أبرز المناطق التي حافظت على طابعها التاريخي. تتميز الشوارع الضيقة والمباني القديمة التي تعكس الحياة التقليدية الفلسطينية.
-
الصابون النابلسي: لا يمكن الحديث عن نابلس دون ذكر صابونها الشهير، الذي يعتبر من أقدم الصناعات التي عرفتها المدينة.
-
الكنيسة القديمة: تضم المدينة أيضًا العديد من الكنائس القديمة التي تعكس تاريخها المسيحي العميق.
-
الآثار الرومانية: من أبرز هذه الآثار هي الساحة الرومانية التي كانت تشكل مركزًا اجتماعيًا وتجاريًا في العهد الروماني.
التسمية التاريخية للمدينة: تطور مفهومي
رغم أن العديد من المصادر تشير إلى أن نابلس تم تسميتها بهذا الاسم نسبة إلى الجوانب الرومانية، إلا أن التاريخ الطويل للمدينة يكشف عن دورها الكبير في مختلف الحقب التاريخية، مما يجعل من اسمها جزءًا من موروث ثقافي وديني عميق. اسم نابلس، الذي يتكون من مقطعين، يمكن أن يعكس حالة المدينة في تلك الفترة: “ناب” التي قد تكون اشتقاقًا من “نوفا” أو “الجديدة”، و”لس” التي تعود إلى “بترولي” أو “الصخرة”. هذا الاسم يُظهر الانتقال من المدينة القديمة “شكيم” إلى المدينة التي تبنى في ظل الفتح الروماني وتحمل سمات الحضارة الجديدة آنذاك.
الختام
مدينة نابلس هي أكثر من مجرد مكان جغرافي، فهي تمثل ذاكرة تاريخية حية تعكس مختلف الأديان والثقافات التي تعاقبت عليها. تطور تسميتها “نابلس” من اسم “شكيم” إلى “نوفا بترولي” ثم تحريفه إلى “نابلس” هو تجسيد لتحولات المدينة عبر العصور. ومع كل تحول تاريخي، أضافت نابلس إلى رصيدها الثقافي والتاريخي العديد من المعالم الحضارية التي جعلتها مدينة تتميز بجمالها التاريخي والعمراني، والتي تظل حتى يومنا هذا شاهدة على مسيرة حضارية عميقة ضاربة في القدم.
