أسوأ 5 عادات صباحية

تُعدّ العادات الصباحية من أكثر العوامل تأثيراً على مسار اليوم وجودته. فهي تُشكّل الأساس الذي يبنى عليه الأداء الذهني والجسدي والنفسي للفرد. ويُجمع الخبراء في مجالات الصحة النفسية والتنمية الذاتية وعلوم الأعصاب على أن الطريقة التي يبدأ بها الإنسان يومه تحدد إلى حد كبير حالته العامة، سواء من حيث الطاقة أو التركيز أو المزاج. غير أن كثيراً من الأشخاص يبدؤون يومهم بعادات تبدو في ظاهرها غير ضارة، لكنها في حقيقتها تحمل آثاراً سلبية عميقة تمتد إلى باقي اليوم، وربما إلى نمط الحياة برمته. وفي هذا السياق، نستعرض خمساً من أسوأ العادات الصباحية التي يجب التوقف عنها فوراً، مدعومة بتفسير علمي وتحليل سلوكي يبرز أضرارها الحقيقية.

1. الضغط على زر “الغفوة” (Snooze)

من أكثر العادات انتشاراً بين الأفراد، وهي في الوقت نفسه من أكثرها تدميراً للصحة النفسية والجسدية دون أن يدرك الكثيرون ذلك. فعندما يُضغط زر الغفوة، يدخل الجسم في دورة نوم جديدة لا تكتمل، مما يؤدي إلى ما يعرف بـ”الجمود النوموي” أو Sleep Inertia، وهي حالة من الخمول الذهني والجسدي تصاحب الفرد لعدة ساعات بعد الاستيقاظ.

وقد أظهرت دراسات في علم النوم، مثل تلك التي أجراها “مركز بحوث النوم بجامعة هارفارد”، أن الضغط على زر الغفوة يربك إيقاع الساعة البيولوجية للجسم، ويعطل إفراز الهرمونات التي تنظم النشاط والتركيز. كما يرتبط تكرار هذه العادة بزيادة معدلات التوتر وانخفاض الأداء المعرفي على مدار اليوم.

إضافةً إلى ذلك، فإن التردد في النهوض من الفراش يرسخ لدى الدماغ عادة المماطلة، مما يُضعف من قدرة الشخص على اتخاذ القرارات الحاسمة ويفتح الباب أمام السلوكيات التسويفية في الحياة اليومية.

2. تصفح الهاتف مباشرةً بعد الاستيقاظ

أصبح الهاتف الذكي امتداداً لحياة الإنسان، لكنه أيضاً صار مصدراً رئيسياً للتشتت الذهني والضغط العصبي، خصوصاً عندما يُستخدم مباشرة بعد الاستيقاظ. فعندما يفتح الشخص عينيه ويبدأ يومه بتصفح وسائل التواصل الاجتماعي أو البريد الإلكتروني أو الأخبار، فإنه يعرض نفسه فوراً لموجة من المعلومات المتضاربة، غالباً ما تكون مثيرة للقلق أو تستثير المشاعر السلبية.

وقد بينت دراسات نُشرت في “مجلة علم الأعصاب الاجتماعي” أن الدماغ عند الاستيقاظ يكون في حالة نشاط دماغي منخفض (Theta)، وهي فترة حساسة يتم فيها استقبال المعلومات بسرعة وبدون فلترة من الفص الجبهي المسؤول عن اتخاذ القرارات. وبالتالي، فإن أي محتوى سلبي يتم تصفحه في هذه اللحظة يترك أثراً عميقاً ويحدد المزاج العام لبقية اليوم.

الأخطر من ذلك هو أن هذا السلوك يُحفز إفراز هرمون الكورتيزول المرتبط بالتوتر، ويؤدي إلى تثبيط الدوبامين، وهو الهرمون المرتبط بالتحفيز والسعادة. كما ثبت أن تصفح الهاتف في الصباح يقلل من مستويات التركيز ويؤخر بدء المهام المهمة، مما يعطل الإنتاجية ويعزز السلوكيات الإدمانية المتعلقة بالتكنولوجيا.

3. إهمال شرب الماء فور الاستيقاظ

بعد ساعات من النوم دون تناول أي سوائل، يكون الجسم في حالة من الجفاف الخفيف، وهو أمر لا يشعر به كثيرون لكنه يؤثر مباشرة على وظائف الدماغ، وتوازن الكهارل، وتنشيط عمليات التمثيل الغذائي. تجاهل شرب الماء فوراً بعد الاستيقاظ هو خطأ شائع يعيق انطلاق الجسم بشكل صحي ويؤدي إلى نتائج سلبية على الصعيدين العقلي والجسدي.

تشير الأبحاث التي نشرتها “جمعية التغذية السريرية الأمريكية” إلى أن شرب كوبين من الماء عند الاستيقاظ يساعد على تحفيز الجهاز الهضمي وتنشيط الكبد وإزالة السموم المتراكمة خلال فترة النوم. كما أن الماء يساهم في تحسين تدفق الدم إلى الدماغ، مما يرفع من مستويات الانتباه والتركيز.

في المقابل، فإن بدء اليوم دون ترطيب كافٍ قد يؤدي إلى الصداع، الدوخة، الخمول، وصعوبة في التركيز. ويؤثر ذلك بشكل خاص على الطلاب والعاملين الذين يحتاجون إلى نشاط ذهني مبكر، مما يؤدي إلى تراجع الأداء والإحساس بالتعب رغم عدم وجود مجهود حقيقي.

4. تناول وجبة فطور غنية بالسكريات والكربوهيدرات البسيطة

الفطور هو الوجبة التي تحدد التوازن الهرموني والسكر الدموي في الساعات الأولى من اليوم. إلا أن الكثيرين يبدأون يومهم بتناول أطعمة غنية بالسكريات المكررة مثل الكعك، الكورن فليكس، المعجنات أو العصائر الصناعية، مما يؤدي إلى ارتفاع مفاجئ في مستوى الجلوكوز في الدم، يتبعه انخفاض حاد بعد ساعات قليلة، في ظاهرة تعرف بـ Crash Sugar.

هذا الاضطراب في سكر الدم يؤثر سلباً على الحالة المزاجية ويؤدي إلى القلق والعصبية والشعور المفاجئ بالجوع والإرهاق، مما يُجبر الشخص على استهلاك المزيد من السكريات والوجبات السريعة خلال اليوم، وهو ما يساهم في زيادة الوزن وتدهور الصحة العامة.

الفطور غير المتوازن أيضاً يُعطل إنتاج هرمون السيروتونين، ويؤثر على قدرة الدماغ على معالجة المعلومات، ويُقلل من الاستقرار العاطفي. لذلك، ينصح خبراء التغذية بتناول وجبة فطور تحتوي على بروتينات عالية الجودة، دهون صحية، وألياف غذائية، للحفاظ على التوازن الداخلي وتوفير طاقة مستدامة للجسم.

5. البدء بالمهام مباشرة دون لحظة تنظيم أو تأمل

من بين أكثر العادات تدميراً على المدى البعيد هو الانخراط في دوامة المهام اليومية دون لحظة وعي أو تنظيم. حيث يبدأ بعض الأفراد يومهم فوراً بالرد على الرسائل، المهام العاجلة، أو حتى المهام العشوائية دون تحديد الأولويات أو تنظيم الذهن.

هذا السلوك يُفقد الشخص الشعور بالسيطرة، ويعزز مشاعر القلق وضغط الوقت، ويؤدي إلى استنزاف الموارد الذهنية بشكل مبكر جداً في اليوم، مما يجعل الفترة المسائية شبه خالية من التركيز أو الطاقة. إضافة إلى ذلك، فإن غياب لحظة تأمل أو تخطيط يومي يجعل الفرد أكثر عرضة للتشتت والانخراط في نشاطات غير منتجة.

بحسب الدراسات الصادرة عن “مركز دراسات الإنتاجية والتنمية الذاتية”، فإن قضاء 10 دقائق فقط صباحاً في كتابة قائمة بالمهام ذات الأولوية، أو ممارسة التأمل الواعي (Mindfulness)، أو حتى التنفس العميق، يساعد في إعادة ضبط الجهاز العصبي ويعزز من التوازن النفسي، مما يزيد من إنتاجية الفرد واستقراره العقلي.

جدول مقارنة لتأثيرات العادات الصباحية السيئة

تُظهر هذه العادات الخمس كيف يمكن لسلوكيات بسيطة أن تُحدث تأثيراً عميقاً في الحياة اليومية. فهي ليست مجرد تفاصيل روتينية، بل تمثل أسساً بيولوجية ونفسية تؤثر على الأداء والصحة والسلوك. إن التحرر من هذه العادات يبدأ بالوعي الحقيقي بأثرها، ويُستكمل بتبني أنماط أكثر توازناً واستدامة، تبدأ من لحظة الاستيقاظ الأولى. التحولات الكبرى في الحياة لا تأتي دائماً من تغييرات جذرية، بل كثيراً ما تبدأ من التفاصيل الصباحية الصغيرة التي تحدد مسار اليوم، وأحياناً مسار الحياة كلها.

المراجع:

1. Harvard Medical School – Division of Sleep Medicine.

2. Journal of Behavioral Neuroscience – Springer Publishing.