أسرع الكواكب دوراناً حول الشمس
يُعد عطارد (Mercury) الكوكب الأسرع دوراناً حول الشمس في النظام الشمسي، إذ ينجز دورة كاملة حولها في مدة تُقدَّر بنحو 88 يوماً فقط. هذه السرعة المذهلة في دورانه تُعدّ نتيجة مباشرة لموقعه القريب جداً من الشمس، مما يجعل قوى الجذب المؤثرة عليه أكبر من تلك التي تؤثر على الكواكب الأخرى، فيجبره ذلك على التحرك بسرعة فائقة مقارنة بغيره من الكواكب. إن فهم هذا الجانب من حركته لا يقتصر على حسابات المدار والفيزياء الفلكية فحسب، بل يمتد إلى التأثيرات التي تخلقها هذه السرعة على طبيعة الكوكب، وغلافه الجوي، وظواهره الحرارية، وعلاقته بالمجال المغناطيسي الشمسي.
موقع عطارد في النظام الشمسي وأثره على سرعته المدارية
يقع عطارد على بعد متوسط يُقدّر بنحو 57.9 مليون كيلومتر من الشمس، وهو بذلك أقرب كوكب إليها. ويُفسَّر ارتفاع سرعته المدارية من خلال قانون كبلر الثالث لحركة الكواكب، والذي ينص على أن سرعة دوران الكواكب حول الشمس تزداد كلما اقتربت منها. وفعلياً، يتحرك عطارد بسرعة تُقدّر بـ 47.87 كيلومتراً في الثانية أثناء دورانه حول الشمس، مقارنة بكوكب الأرض الذي يدور بسرعة 29.78 كيلومتراً في الثانية.
وبهذا، لا يمكن فهم سرعته من دون الرجوع إلى قوانين نيوتن وكبلر التي توضح العلاقة بين الكتلة المركزية (الشمس)، والمسافة المدارية، وقوة الجذب المؤثرة، وما ينجم عنها من تغيرات في سرعة الحركة المدارية.
الخصائص المدارية لكوكب عطارد
عطارد لا يدور فقط بسرعة حول الشمس، بل يتميز بمدار شديد البيضاوية، حيث تصل نسبة التفلطح أو الإهليلجية المدارية إلى 0.206، وهي أعلى نسبة بين جميع الكواكب في النظام الشمسي. هذا الشكل البيضاوي يجعل المسافة بين عطارد والشمس غير ثابتة، حيث يقترب منها بشكل كبير في نقطة الحضيض الشمسي (Perihelion) إلى نحو 46 مليون كيلومتر، ويبتعد عنها في نقطة الأوج (Aphelion) إلى نحو 69.8 مليون كيلومتر.
هذا الاختلاف في المسافة يؤثر بدوره على سرعة الكوكب؛ إذ تزداد عندما يكون أقرب إلى الشمس وتقل عندما يبتعد عنها، حسب قانون الحفاظ على الزخم الزاوي.
اليوم والسنة على كوكب عطارد
من الظواهر المثيرة للدهشة في كوكب عطارد أن يومه أطول من سنته. فبينما يتم دورة كاملة حول الشمس في 88 يوماً أرضياً، فإنه يدور حول محوره دورة واحدة كل 58.6 يوماً أرضياً. لكن نتيجة للظاهرة الفلكية المعروفة بالرنين المداري (3:2)، فإن اليوم الشمسي على عطارد – أي المدة التي تفصل بين شروقين متتاليين – يبلغ حوالي 176 يوماً أرضياً. وهذا يعني أن الشمس تشرق وتغيب على عطارد مرة واحدة فقط كل عامين تقريباً وفقاً للقياس الأرضي.
العلاقة بين الكتلة والجاذبية والسرعة المدارية
كتلة الكوكب ليست لها تأثير مباشر على سرعته المدارية، وإنما يعتمد ذلك بالدرجة الأولى على بُعد الكوكب عن الشمس. فعلى سبيل المثال، كوكب المشتري، وهو أضخم كواكب المجموعة الشمسية، أبطأ بكثير من عطارد في دورانه حول الشمس، إذ تستغرق دورته المدارية ما يقارب 11.86 سنة أرضية.
بالتالي، فإن سرعة عطارد المدارية العالية ليست بسبب خصائصه الذاتية كالحجم أو الكتلة، بل بسبب قربه الشديد من مركز الجذب (الشمس)، ما يجعل تأثير قوة الجذب الشمسي عليه كبيراً، وبالتالي تزداد سرعته.
التأثيرات الحرارية الناتجة عن قرب عطارد من الشمس
القرب الشديد لعطارد من الشمس لا يؤثر فقط في سرعته المدارية، بل أيضاً في توزيع الحرارة على سطحه. فعطارد يعاني من تفاوت حراري كبير بين الجهة المواجهة للشمس والجهة المعاكسة. فيمكن أن تصل درجة حرارة سطحه المواجه للشمس إلى نحو 430 درجة مئوية، بينما تنخفض في الجهة الأخرى لتصل إلى -180 درجة مئوية، نتيجة لافتقاره إلى غلاف جوي فعّال يقوم بتوزيع الحرارة.
هذه التقلبات الشديدة في درجات الحرارة، رغم أن الكوكب يتحرك بسرعة هائلة في مداره، تُعد من أبرز خصائصه الفيزيائية والمناخية، وتعكس مدى هشاشة التوازن الحراري في غياب الغلاف الجوي.
المجال المغناطيسي وتأثير سرعة الدوران عليه
على الرغم من صغر حجمه وبنيته الصخرية، يتمتع عطارد بمجال مغناطيسي، وإن كان أضعف بكثير من المجال المغناطيسي للأرض. ويُعتقد أن هذا المجال ناتج عن لبه السائل المكوَّن من الحديد، والذي يتحرك بشكل ديناميكي. إلا أن بطء دورانه حول محوره نسبياً يجعل شدة المجال المغناطيسي ضعيفة نسبياً.
لكن السرعة المدارية العالية تعني أيضاً أن عطارد يتعرض بشكل مستمر ومباشر إلى الرياح الشمسية، ما يجعل تفاعله مع الحقل المغناطيسي الشمسي عنيفاً. وقد كشفت بيانات بعثات مثل “مارينر 10″ و”ميسنجر” عن تشوهات ملحوظة في مجاله المغناطيسي نتيجة لهذا التأثير المستمر.
جدول مقارنة بين سرعة دوران الكواكب حول الشمس
| الكوكب | المسافة عن الشمس (مليون كم) | السرعة المدارية (كم/ثانية) | مدة الدورة حول الشمس (أيام أرضية) |
|---|---|---|---|
| عطارد | 57.9 | 47.87 | 88 |
| الزهرة | 108.2 | 35.02 | 225 |
| الأرض | 149.6 | 29.78 | 365.25 |
| المريخ | 227.9 | 24.07 | 687 |
| المشتري | 778.5 | 13.07 | 4331 |
| زحل | 1,433.5 | 9.69 | 10747 |
| أورانوس | 2,872.5 | 6.81 | 30589 |
| نبتون | 4,495.1 | 5.43 | 59800 |
من خلال هذا الجدول، يمكن ملاحظة التناسب العكسي الواضح بين المسافة عن الشمس والسرعة المدارية، وهو ما يبرر بوضوح تفوق عطارد من حيث السرعة.
بعثات استكشاف عطارد ودورها في توثيق سرعته ومداره
أولى الرحلات التي وصلت إلى عطارد كانت “مارينر 10” التابعة لوكالة ناسا عام 1974، والتي التقطت صوراً لسطحه وأكدت العديد من خصائصه المدارية. ثم جاءت بعثة “ميسنجر” في عام 2004، والتي وصلت عطارد عام 2011، وقامت بدراسة دقيقة لمجاله المغناطيسي وتركيبه الداخلي ومداره.
وقد تم تأكيد القياسات المدارية لعطارد من خلال هذه البعثات بدقة عالية، وتوثيق انحراف مداره الذي ساعد على دعم نظرية النسبية العامة لأينشتاين، وذلك من خلال تفسير الانحراف الضئيل في موقع الحضيض المداري لعطارد، والذي لم تتمكن ميكانيكا نيوتن من تفسيره بدقة.
الخاتمة العلمية والتفسير الفيزيائي لتميز عطارد
تعود سرعة عطارد المدارية إلى تكامل مجموعة من العوامل الفيزيائية، أهمها قربه من الشمس، وشكل مداره الإهليلجي، وطبيعة تفاعله مع قوى الجذب الشمسية. ولا يمكن عزله عن النظام الديناميكي الكامل الذي تتوزع فيه الكواكب وفقاً لقوانين مدروسة ومحكمة، تنبع من الأسس التي وضعها كبلر ونيوتن، والتي تم تأكيدها لاحقاً بنظرية النسبية العامة.
عطارد، الكوكب الذي يُسابق الزمن في دورانه حول الشمس، يقدم نموذجاً فريداً لفهم العلاقة بين الجاذبية والحركة، ويُمثل مختبراً حياً لدراسة تطور الكواكب وظروفها المدارية في أقصى الظروف الشمسية.
المصادر:
-
NASA Solar System Exploration – Mercury Overview
https://solarsystem.nasa.gov/planets/mercury/overview/ -
European Space Agency – BepiColombo Mission to Mercury
https://www.esa.int/Science_Exploration/Space_Science/BepiColombo
