7 أشياء يمكن تعلُّمها من الأشخاص الناجحين

في عالم تسوده التحديات والمنافسة الشديدة، يبرز الناجحون كرموز للتميز والقدرة على تجاوز العقبات وبناء مستقبل مشرق. لا يأتي النجاح بمحض الصدفة أو الحظ، بل هو نتيجة طبيعية لسلوكيات معينة، ومهارات مكتسبة، ونمط تفكير متميز. هؤلاء الأفراد لا يملكون وصفة سحرية، بل يتبنون مجموعة من المبادئ والتصرفات التي يمكن لأي شخص آخر تعلُّمها وتطبيقها. في هذا المقال، سيتم استعراض سبعة من أبرز الأمور التي يمكن تعلُّمها من الأشخاص الناجحين، مع شرح معمّق لكل عنصر مدعوم بأمثلة حقيقية وتحليل سلوكي ونفسي، مما يجعل من هذا المحتوى مرجعًا متكاملاً لكل من يسعى للتطوّر الشخصي والمهني.

1. الانضباط الذاتي: البوابة الحقيقية للنجاح

الانضباط الذاتي هو القدرة على تنظيم الوقت، والتحكم في السلوكيات، وتأجيل الإشباع الفوري لتحقيق أهداف بعيدة المدى. يحرص الأشخاص الناجحون على بناء روتين يومي صارم يتضمن وقتاً للعمل، وآخر للراحة، وثالثاً للتطوير الذاتي. فهم يدركون أن الاستمرارية في الأداء تفوق نوبات الحماس العابرة.

في دراسة أُجريت في جامعة ستانفورد، وُجد أن الأطفال الذين كانوا قادرين على تأجيل الحصول على مكافأة فورية (كما في تجربة مارشميلو) كانوا أكثر نجاحاً أكاديمياً ومهنياً لاحقًا. هذا يشير إلى أن الانضباط الذاتي هو مؤشر تنبؤي قوي بالنجاح.

ولعل من أبرز الأمثلة على هذا السلوك هو الملياردير “وارن بافيت”، الذي يخصص وقتًا يوميًا للقراءة والتفكير ويبتعد عن اللهاث وراء الضجيج الإعلامي أو الاستجابات العاطفية الفورية.

2. التركيز والقدرة على تجاهل المشتتات

الناجحون لا يسمحون للمشتتات أن تتحكم في مجريات حياتهم. يتمتعون بقدرة مميزة على التركيز على أهدافهم رغم الضغوط الخارجية. في عالم مليء بالإشعارات والرسائل والمغريات الرقمية، فإن هذه المهارة أصبحت أكثر أهمية من أي وقت مضى.

التكنولوجيا أوجدت بيئة خصبة لتشتت الانتباه، لكن الأشخاص الناجحين غالبًا ما يعتمدون على تقنيات مثل “قاعدة بومودورو”، أو “العمل العميق” (Deep Work) التي شرحها الباحث كال نيوبورت، والتي تقوم على تخصيص فترات طويلة من التركيز المكثف على مهمة واحدة دون انقطاع.

يتّضح ذلك في مسيرة الرياضيين المحترفين مثل “كريستيانو رونالدو”، الذي لا يكتفي بالموهبة الفطرية، بل يعتمد على جدول صارم للتدريب والنوم والتغذية، وهو ما مكّنه من الحفاظ على قمة الأداء لعقود.

3. الاستفادة من الفشل كمنصة للنمو

الفشل بالنسبة للأشخاص الناجحين ليس نهاية المطاف، بل هو معلم ضروري لاكتساب الخبرة وتصحيح المسار. ينظرون إلى الإخفاقات كفرص لإعادة التقييم والتعلُّم، وليس كدليل على العجز.

عندما طُرد “ستيف جوبز” من شركة آبل في منتصف الثمانينات، لم يستسلم لليأس، بل أسس شركة “NeXT”، ثم عاد لاحقاً ليقود شركة آبل إلى أعلى مستويات الابتكار والربحية. هذا النموذج يُظهر كيف أن التعامل الصحي مع الفشل يمكن أن يكون قوة دافعة غير عادية نحو النجاح.

كما تشير دراسات علم النفس الإيجابي إلى أن الأشخاص الذين يمتلكون ما يُعرف بـ”عقلية النمو” (Growth Mindset)، وهي الإيمان بإمكانية التحسن من خلال الجهد، يحققون نتائج أفضل على المدى الطويل.

4. التعلم المستمر والتطور المعرفي

يمتاز الناجحون بشغفهم للتعلُّم وعدم اكتفائهم بما حققوه. هم قرّاء نَهِمون، مشاركون نشطون في الندوات والدورات، ويحرصون على البقاء مطلعين على المستجدات في مجالاتهم. لا يرون في الشهادة الجامعية نهاية لمسيرتهم التعليمية، بل يعتبرونها مجرد بداية.

مثال على ذلك “إيلون ماسك”، الذي قرأ موسوعات كاملة في الفيزياء والهندسة والبرمجة، مما مكنه من اقتحام مجالات متعددة مثل الطيران الفضائي والطاقة النظيفة والنقل الذكي.

التعلم المستمر لا يقتصر فقط على المعرفة التقنية، بل يشمل المهارات الشخصية والقيادية مثل الذكاء العاطفي، إدارة الوقت، فن التفاوض، والقدرة على اتخاذ القرارات تحت الضغط.

5. بناء شبكة علاقات فعّالة

الناجحون يدركون أن النجاح لا يتم بمعزل عن الآخرين، بل من خلال شبكة متينة من العلاقات الإيجابية والداعمة. يتقنون فن التواصل، ويمنحون الثقة ويكسبونها، ويعرفون كيف يخلقون بيئة من الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة.

تُظهر الدراسات أن العلاقات القوية يمكن أن تزيد من فرص النجاح بنسبة تصل إلى 70% في بعض القطاعات المهنية، كما أن الدعم الاجتماعي يقلل من مستويات التوتر ويزيد من فرص النجاح في الأزمات.

تجسِّد سيرة “أوبرا وينفري” هذا المبدأ بوضوح، حيث استطاعت بفضل شبكتها الإعلامية والإنسانية أن تبني علامة تجارية شخصية نافذة وعابرة للثقافات، مستفيدة من كل علاقة بنتها على مر السنوات.

6. وضوح الرؤية والأهداف

الناجحون لا يتحركون بعشوائية، بل ينطلقون من أهداف محددة وواضحة، يترجمونها إلى خطط عمل قابلة للتنفيذ. لديهم قدرة على صياغة رؤية طويلة الأمد، تقودهم وتمنحهم الإلهام في الأوقات العصيبة.

عند دراسة السير الذاتية لأشهر القادة مثل “نيلسون مانديلا” أو “جيف بيزوس”، نجد أن وضوح الرؤية كان دائمًا حاضرًا. بيزوس، على سبيل المثال، حدَّد منذ البداية هدفه في جعل أمازون أكبر متجر إلكتروني في العالم، وعمل لسنوات وفق خطة توسّع محكمة.

وضوح الأهداف لا يعزز الإنتاجية فحسب، بل يساعد أيضاً في ترتيب الأولويات وتجنب التشتت، ويمنح صاحبه دافعاً ذاتياً يدفعه للاستمرار حتى في مواجهة العقبات.

7. المرونة النفسية والتكيف مع التغيير

في بيئة سريعة التغير، تعد القدرة على التكيف مع المستجدات أحد أهم مفاتيح النجاح. الأشخاص الناجحون يتمتعون بمرونة عقلية ونفسية تجعلهم قادرين على تعديل خططهم بسرعة دون فقدان الاتجاه الأساسي.

أظهرت جائحة كوفيد-19، على سبيل المثال، أن أكثر المؤسسات والقيادات نجاحًا لم تكن تلك التي تتمسك بالنماذج التقليدية، بل التي أعادت صياغة أعمالها رقمياً وتبنَّت حلولاً مبتكرة.

تُعتبر هذه المهارة تجلياً لما يسمى “الذكاء التكيفي” (Adaptive Intelligence)، وهو مؤشر رئيسي للنجاح في القرن الحادي والعشرين، حيث يتطلب سوق العمل الحديث استعداداً دائمًا لاكتساب مهارات جديدة وتغيير الاتجاهات حسب الحاجة.

جدول: مقارنة بين السلوكيات السائدة لدى الأشخاص الناجحين وغير الناجحين

يتبيَّن مما سبق أن النجاح لا يعتمد على الذكاء الفطري وحده، ولا على الموارد المالية فحسب، بل على منظومة سلوكيات وخصال عقلية وعاطفية يمكن تنميتها عبر الممارسة اليومية. تعلُّم هذه المبادئ من الناجحين لا يعني نسخ تجاربهم حرفياً، بل استلهام جوهر سلوكياتهم وتكييفها بما يناسب الواقع الشخصي للفرد.

المراجع:

1. Dweck, Carol. Mindset: The New Psychology of Success. Random House, 2006.

2. Newport, Cal. Deep Work: Rules for Focused Success in a Distracted World. Grand Central Publishing, 2016.