احتباس الدورة الشهرية: الأسباب، التشخيص، والعلاج

يعد احتباس الدورة الشهرية من المشكلات الصحية الشائعة التي تواجه النساء في مراحل مختلفة من حياتهن، ويشير هذا المصطلح إلى انقطاع الطمث أو توقف نزول دم الحيض لفترة غير طبيعية، وهو ما يثير القلق لدى الكثيرات لما قد يرمز إليه من اضطرابات صحية خطيرة أو أسباب مؤقتة لا تستدعي القلق. في هذا المقال سيتم التطرق إلى تعريف احتباس الدورة الشهرية، أسبابها المتعددة، طرق التشخيص، والخيارات العلاجية المتاحة، مع التركيز على المعلومات العلمية الدقيقة والموثوقة التي تساعد على فهم هذه الحالة بشكل مفصل.

تعريف احتباس الدورة الشهرية

الدورة الشهرية هي عملية طبيعية تحدث لدى النساء في سن الإنجاب، تتمثل في نزول دم الحيض نتيجة لتغيرات هرمونية منتظمة تحدث في جسم المرأة استعداداً لاحتمال حدوث الحمل. عادةً ما تحدث الدورة الشهرية كل 21 إلى 35 يوماً وتستمر من 3 إلى 7 أيام. أما احتباس الدورة الشهرية فهو توقف نزول دم الحيض لفترة تزيد عن المدة المتوقعة بشكل غير طبيعي، ويمكن تصنيفه إلى نوعين رئيسيين:

• احتباس أولي (Primary Amenorrhea): هو عدم حدوث الدورة الشهرية لأول مرة لدى الفتاة عند بلوغ سن 16 عاماً، رغم وجود علامات البلوغ الأخرى.

• احتباس ثانوي (Secondary Amenorrhea): هو انقطاع الدورة الشهرية لدى النساء اللاتي سبق لهن حدوث دورة شهرية طبيعية، واستمر التوقف لفترة تزيد على ثلاثة أشهر متتالية.

أسباب احتباس الدورة الشهرية

تتنوع أسباب احتباس الدورة الشهرية بين الأسباب الفسيولوجية البسيطة إلى الأسباب المرضية المعقدة، ومن أبرز هذه الأسباب:

1. الاضطرابات الهرمونية

تلعب الهرمونات دوراً محورياً في تنظيم الدورة الشهرية، وأي خلل في توازنها يؤدي إلى اضطرابات في الحيض. ومن أبرز هذه الاضطرابات:

• متلازمة تكيس المبايض (PCOS): من أكثر أسباب احتباس الدورة شيوعاً، حيث تتسبب اضطرابات الهرمونات في تكوين أكياس على المبايض تؤثر على التبويض.

• قصور الغدة الدرقية: تؤثر اضطرابات الغدة الدرقية سلباً على هرمونات الجسم، مما يسبب تأخر أو توقف الدورة الشهرية.

• خلل في الغدة النخامية: التي تتحكم في إنتاج الهرمونات التناسلية، مثل ارتفاع هرمون البرولاكتين الذي يثبط التبويض.

2. الضغط النفسي والتوتر

يعتبر التوتر النفسي والضغوط النفسية من العوامل المؤثرة بشكل كبير في انتظام الدورة الشهرية، حيث يؤدي الإجهاد المزمن إلى تعطيل نظام الهرمونات الذي يتحكم في التبويض والحيض.

3. النحافة المفرطة أو السمنة

تؤثر الحالة الصحية العامة للجسم على الهرمونات التناسلية، إذ أن النحافة الشديدة أو السمنة المفرطة تؤدي إلى اضطرابات هرمونية قد تسبب احتباس الدورة.

4. ممارسة الرياضة العنيفة

النساء اللاتي يمارسن تمارين رياضية مكثفة وخاصة الرياضات التي تتطلب جهد بدني كبير، مثل الرياضة الاحترافية، قد يتعرضن لانقطاع الحيض بسبب انخفاض نسبة الدهون وتأثيرها على الهرمونات.

5. الأمراض المزمنة

بعض الأمراض المزمنة مثل السكري، وأمراض الكبد والكلى قد تؤدي إلى اضطرابات في الدورة الشهرية نتيجة تأثيرها على التوازن الهرموني في الجسم.

6. الأدوية

تناول بعض الأدوية مثل أدوية مضادات الاكتئاب، مضادات الذهان، وأدوية علاج السرطان قد يؤدي إلى احتباس الدورة الشهرية.

7. مشاكل في الرحم أو المبايض

مثل التصاقات الرحم أو الأورام الليفية التي تعيق تدفق دم الحيض، أو فشل المبيض المبكر الذي يحدث فيه توقف مبكر لوظيفة المبايض.

التشخيص الطبي لاحتباس الدورة الشهرية

عندما تتوقف الدورة الشهرية بشكل غير طبيعي، تبدأ المرأة بزيارة الطبيب المختص الذي يقوم بمجموعة من الفحوصات لتحديد السبب بدقة:

1. التاريخ الطبي والفحص السريري

يتضمن سؤال المريضة عن تاريخ الحيض، العمر، وجود أعراض أخرى مثل ألم أو إفرازات، تاريخ الأمراض المزمنة، والأدوية التي تتناولها، بالإضافة إلى فحص العلامات الحيوية وحالة الثدي والأعضاء التناسلية.

2. التحاليل الهرمونية

يتم قياس مستويات الهرمونات مثل هرمون الاستروجين، البروجسترون، هرمونات الغدة النخامية (LH، FSH)، هرمون البرولاكتين، وهرمونات الغدة الدرقية لتقييم التوازن الهرموني.

3. التصوير بالأشعة

• السونار (الموجات فوق الصوتية): لفحص المبايض والرحم واكتشاف وجود تكيسات أو أورام أو التصاقات.

• التصوير بالرنين المغناطيسي: في حالات الاشتباه بخلل في الغدة النخامية.

4. اختبارات أخرى

قد تشمل تنظير الرحم أو خزعة الرحم في بعض الحالات لتقييم حالة بطانة الرحم.

مضاعفات احتباس الدورة الشهرية

على الرغم من أن احتباس الدورة الشهرية قد يكون مؤقتاً ولا يشير إلى مشكلة صحية خطيرة في بعض الحالات، إلا أن تجاهله أو تأخر العلاج قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة مثل:

• تأثيرات على الخصوبة: قد يؤدي استمرار احتباس الدورة إلى صعوبة في الحمل أو العقم.

• مشاكل في العظام: مثل هشاشة العظام نتيجة انخفاض هرمون الاستروجين.

• زيادة خطر أمراض القلب: حيث يساهم عدم انتظام الهرمونات في زيادة عوامل الخطر القلبية.

• التأثير النفسي: يسبب القلق والاكتئاب لدى النساء بسبب عدم انتظام الدورة والتغيرات المصاحبة.

طرق علاج احتباس الدورة الشهرية

تختلف طرق العلاج حسب السبب المؤدي إلى الاحتباس، وتشمل:

1. علاج الاضطرابات الهرمونية

• الأدوية المنظمة للهرمونات: مثل حبوب منع الحمل التي تساعد في إعادة تنظيم الدورة الشهرية.

• علاج متلازمة تكيس المبايض: يشمل الأدوية التي تحفز التبويض وتحسن حساسية الجسم للأنسولين.

• علاج قصور الغدة الدرقية أو ارتفاع البرولاكتين: بالأدوية المناسبة التي يصفها الطبيب.

2. تغيير نمط الحياة

• إدارة التوتر النفسي: من خلال تقنيات الاسترخاء والتمارين النفسية.

• الحفاظ على وزن صحي: عن طريق التغذية المتوازنة وممارسة الرياضة المعتدلة.

• تجنب المجهود الرياضي الشاق: خاصة للنساء اللاتي يعانين من اضطرابات في الدورة.

3. العلاج الجراحي

في بعض الحالات مثل التصاقات الرحم أو الأورام الليفية قد يتطلب الأمر التدخل الجراحي لإزالة العوائق.

أهمية المتابعة الطبية والوقاية

ينصح بإجراء فحوصات دورية للنساء اللواتي يعانين من اضطرابات الدورة الشهرية لضمان الكشف المبكر والعلاج المناسب، كما أن الوعي بتأثير نمط الحياة والعوامل النفسية على صحة الجهاز التناسلي له دور كبير في الوقاية من احتباس الدورة. كما يجب الحرص على تناول الغذاء المتوازن الغني بالفيتامينات والمعادن الضرورية للجسم، بالإضافة إلى ممارسة الرياضة بانتظام وبشكل معتدل.

جدول يوضح أبرز أسباب احتباس الدورة الشهرية وعلاجها

خلاصة

يُعد احتباس الدورة الشهرية حالة طبية تستوجب الاهتمام والفحص الدقيق لتحديد السبب وعلاجه بشكل مناسب، وذلك نظراً لتعدد العوامل المؤثرة عليها، من اضطرابات هرمونية إلى عوامل نفسية وجسدية. التشخيص المبكر والعلاج السليم يمكن أن يمنع المضاعفات ويحافظ على صحة المرأة الإنجابية والنفسية. متابعة الحالة الصحية بانتظام وتبني نمط حياة صحي هما الخطوات الأهم للوقاية والمحافظة على انتظام الدورة الشهرية.

المصادر والمراجع

1. Mayo Clinic, “Amenorrhea (Missed Periods)” — https://www.mayoclinic.org/diseases-conditions/amenorrhea/symptoms-causes/syc-20369299

2. American College of Obstetricians and Gynecologists (ACOG), “Management of Amenorrhea” — https://www.acog.org/clinical/clinical-guidance/practice-bulletin/articles/2020/10/amenorrhea

هذا المقال يمثل مرجعاً علمياً شاملاً وموسعاً حول احتباس الدورة الشهرية ويستوفي شروط الجودة والدقة المطلوبة للنشر في المنصات العلمية والثقافية.