مهارات الاتصال والتعامل مع الشخص العنيد
يُعد التعامل مع الشخص العنيد من أكثر التحديات التي تواجه الأفراد في العلاقات الإنسانية، سواء كانت على مستوى الحياة الشخصية أو المهنية. فالعناد سلوك مركب قد ينبع من عدة دوافع داخلية، مثل الخوف، أو التمسك بالهوية، أو الرغبة في السيطرة، أو حتى نقص الثقة بالنفس. ويشكل هذا السلوك حاجزًا أمام التفاهم والتواصل الفعال، ما يفرض ضرورة تطوير مهارات اتصال خاصة تهدف إلى كسر الجمود والتفاعل البنّاء مع هذا النمط من الشخصيات. في هذا السياق، تبرز أهمية دراسة السمات النفسية للشخص العنيد، وتوظيف تقنيات اتصال مرنة ومبنية على الذكاء العاطفي.
أولاً: فهم السمات النفسية للشخص العنيد
لفهم طريقة التعامل مع الشخص العنيد، يجب أولًا تفكيك بنيته النفسية والتعمق في العوامل التي تدفعه إلى التشبث بآرائه ومواقفه. ومن أهم هذه السمات:
-
التمسك بالمواقف وعدم التراجع: يفضل الشخص العنيد الالتزام بقراراته حتى لو ثبت أنها غير صائبة، خوفًا من فقدان الهيبة أو الاعتراف بالخطأ.
-
الميل إلى الجدال والمواجهة: غالبًا ما يخوض الشخص العنيد نقاشات طويلة ويحاول إثبات صحة رأيه، حتى لو كانت الأدلة ضده.
-
حساسية مفرطة تجاه التوجيه أو الانتقاد: يتعامل مع النصائح وكأنها تهديد لكرامته أو انتقاص من قيمته.
-
رغبة دفينة في الشعور بالسيطرة: يستمد شعوره بالأمان من السيطرة على المواقف وعدم الانصياع للغير بسهولة.
هذا الفهم المبدئي ضروري، لأنه يرشدنا نحو وضع استراتيجيات اتصال أكثر فاعلية لا تعتمد على المواجهة المباشرة، بل على الحيلة النفسية والمرونة والاحتواء.
ثانيًا: المهارات الأساسية في التعامل مع الشخص العنيد
1. الإصغاء الفعّال وتقديم مساحة للتعبير
الاستماع ليس فقط عملية سمعية، بل هو نشاط معرفي وعاطفي يتطلب التركيز الكامل على المتحدث دون مقاطعة أو حكم مسبق. وعند التعامل مع الشخص العنيد، فإن الإصغاء يعطيه الإحساس بأنه مسموع ومحترم، مما يخفف من تمسكه بموقفه.
2. تفادي أسلوب الهجوم أو النقد المباشر
من الخطأ الفادح مهاجمة الشخص العنيد أو نقده علنًا. فكلما شعر بالهجوم، ازداد عنادًا وتشبثًا برأيه. لذلك، من الأفضل استبدال النقد بالتوجيه غير المباشر واستخدام ضمير الجمع (نحن) بدلًا من ضمير المفرد (أنت)، كأن نقول: “ربما يمكننا تجربة طريقة أخرى” بدلاً من “طريقتك خاطئة”.
3. الذكاء العاطفي وضبط النفس
التحكم في الانفعالات أثناء التعامل مع الشخص العنيد يقي من تصاعد التوتر. يتطلب ذلك القدرة على التفاعل بهدوء وتفهم خلفيات عناده دون الدخول في صدام. فكلما كنت أكثر اتزانًا، زادت فرصك في تهدئة الموقف.
4. تقديم الخيارات بدلاً من الأوامر
الشخص العنيد يقاوم التوجيه المباشر بشدة، لذا فإن إعطاءه حرية الاختيار يشعره بالتحكم الذاتي. بدلاً من قول “يجب أن تفعل كذا”، يمكن استخدام “هل تفضل أن نفعل كذا أم كذا؟”، الأمر الذي يشجعه على التعاون دون شعور بالإجبار.
5. استخدام الحوار القائم على الأسئلة المفتوحة
الأسئلة التي تبدأ بـ “ماذا تعتقد؟” أو “كيف ترى هذا الأمر؟” تدفع الشخص العنيد للتفكير ومراجعة موقفه دون أن يشعر بالإهانة. فهي تفتح له المجال ليصل إلى استنتاجات من تلقاء نفسه، مما يسهل عليه التراجع بشكل غير مباشر.
ثالثًا: استراتيجيات متقدمة لتفكيك العناد
أ. الانعكاس المرآتي (Mirror Technique)
هي تقنية تعتمد على تكرار كلمات أو تعبيرات الشخص العنيد بطريقة تعكس اهتمامك وفهمك له. مثلًا، إذا قال: “لا أعتقد أن هذا الحل مفيد”، يمكن الرد بـ: “أفهم أنك ترى أن هذا الحل قد لا يكون كافيًا، هل يمكن أن توضح ما الذي تراه مناسبًا؟”. هذه التقنية تهدئ نبرة المواجهة وتحفز التفاهم.
ب. المقارنة الإيجابية (Positive Framing)
إعادة صياغة الحديث بصيغة إيجابية تجعل الشخص العنيد أكثر تقبلًا للآراء الجديدة. فبدلاً من قول “هذه الطريقة غير ناجحة”، يمكن قول “ربما هناك طريقة أخرى أكثر فاعلية تساعدنا على الوصول إلى نتائج أفضل”.
ج. تقنية “نعم… ولكن”
وهي أسلوب حواري لتقليل حدة المعارضة عبر الموافقة الجزئية ثم طرح وجهة نظر مغايرة. مثلًا: “نعم، كلامك منطقي في بعض الجوانب، ولكن لو جربنا هذه الطريقة فقد نحصل على نتائج أكثر دقة”. هذا الأسلوب يقلل من الحساسية الدفاعية لدى الشخص العنيد.
رابعًا: بيئة التواصل كعامل مساعد
العناد لا ينشأ فقط من الخصائص الشخصية، بل يمكن أن تتأثر حدته بالبيئة المحيطة. من هنا تأتي أهمية تهيئة بيئة تواصل مرنة ومحفزة:
-
اختيار الوقت المناسب للنقاش: يُفضل تأجيل الحوارات الهامة مع الشخص العنيد إلى لحظات الهدوء بدلًا من المبادرة بها أثناء التوتر أو الانفعال.
-
تقليل الضغوط الخارجية: وجود أشخاص آخرين أثناء النقاش قد يجعل الشخص العنيد أكثر تمسكًا بموقفه بسبب الرغبة في الحفاظ على صورته.
-
الابتعاد عن السخرية أو الإحراج: من المهم تجنب النكات أو التعليقات التي قد تُفهم كنوع من التهكم أو الاستهزاء.
خامسًا: نماذج تطبيقية لحالات التعامل مع الشخص العنيد
| الحالة | السلوك العنيد | المهارة المناسبة للتعامل |
|---|---|---|
| مدير يرفض اقتراحات فريقه | رفض تلقائي للأفكار | تقديم البيانات والأمثلة لدعم الاقتراح دون تحدي مباشر |
| شريك حياة يتمسك بوجهة نظره | العناد بدافع الكبرياء | استخدام الحوار الهادئ والأسئلة المفتوحة |
| زميل يرفض التعاون في مشروع | مقاومة لأوامر مباشرة | تقديم خيارات متعددة بدلًا من التعليمات |
| أحد الوالدين يرفض التغيير | تمسك بالعادات القديمة | المقارنة الإيجابية والتجارب الواقعية كنماذج |
سادسًا: متى يجب التوقف عن الإقناع؟
في بعض الأحيان، يكون من الحكمة التوقف عن محاولة إقناع الشخص العنيد، خصوصًا إذا تكررت نفس أنماط الرفض دون أي تقدم يُذكر. فالإصرار الزائد قد يؤدي إلى نتائج عكسية ويؤثر سلبًا على العلاقة. في مثل هذه الحالات، يصبح من الأفضل القبول بحدود التواصل أو اللجوء إلى طرف ثالث (كوسيط أو مستشار).
سابعًا: تطوير الذات في مواجهة العناد
من المهم أن يكون التعامل مع الشخص العنيد فرصة لتطوير الذات أيضًا، لا مجرد تحدٍّ خارجي. فالمواقف الصعبة تُنمي فينا:
-
المرونة الذهنية: من خلال تعديل أساليب التواصل حسب المواقف.
-
الصبر والانضباط العاطفي: عبر ضبط الانفعالات المتكررة.
-
التفكير الاستراتيجي: بتعلم التفاوض والتأثير غير المباشر.
كلما تطورت هذه القدرات، أصبح الفرد أكثر قدرة على التأثير الإيجابي حتى في أشد المواقف تعقيدًا.
المراجع:
-
Carnegie, D. (1998). How to Win Friends and Influence People. Simon & Schuster.
-
Goleman, D. (1995). Emotional Intelligence: Why It Can Matter More Than IQ. Bantam Books.
