أسباب نقص الوزن: نظرة شاملة على الأسباب الطبية والنفسية ونمط الحياة
يُعد نقص الوزن، والذي يُعرّف عادةً بمؤشر كتلة جسم (BMI) أقل من 18.5، مسألة صحية قد تُشير إلى حالات طبية أو نفسية أو نمط حياة غير متوازن. وعلى الرغم من أن التركيز الشائع في المجتمعات المعاصرة ينصبّ على مشاكل زيادة الوزن والسمنة، إلا أن نقص الوزن يحمل تحديات صحية لا تقل خطورة، ويجب التعامل معه بجدية. يتناول هذا المقال الشامل أبرز الأسباب التي تؤدي إلى نقص الوزن، مدعومة بمراجع طبية معترف بها، ويشرح الآليات البيولوجية والنفسية المرتبطة بذلك.
أولاً: الأسباب الطبية لنقص الوزن
1. فرط نشاط الغدة الدرقية (Hyperthyroidism)
يُعدّ اضطراب الغدة الدرقية من أبرز الأسباب الشائعة لنقص الوزن غير المبرر. حيث تفرز الغدة كميات زائدة من هرمون الثايروكسين، مما يزيد معدل الأيض في الجسم ويحرق السعرات الحرارية بمعدلات مرتفعة حتى أثناء الراحة. تشمل الأعراض المصاحبة: تسارع ضربات القلب، القلق، الرجفان، التعرق، واضطرابات النوم.
2. مرض السكري من النوع الأول
في مراحل مبكرة أو عند عدم التشخيص، قد يؤدي السكري من النوع الأول إلى فقدان الوزن بشكل ملحوظ بسبب فقدان الجسم القدرة على استخدام الجلوكوز كمصدر للطاقة، مما يدفعه لاستهلاك الدهون والعضلات لتعويض الطاقة المفقودة.
3. أمراض الجهاز الهضمي
تشمل الأمراض التي تُضعف امتصاص العناصر الغذائية وبالتالي تؤدي إلى فقدان الوزن، مثل:
-
الداء الزلاقي (Celiac Disease): وهو اضطراب مناعي ذاتي يجعل الجسم يهاجم بطانة الأمعاء عند تناول الجلوتين.
-
داء كرون والتهاب القولون التقرحي: يؤديان إلى التهابات مزمنة بالأمعاء تتسبب في سوء الامتصاص وفقدان الشهية.
-
القرحة الهضمية أو التهابات المعدة الحادة.
4. السرطان
العديد من أنواع السرطان تتسبب في فقدان الوزن، خصوصًا تلك التي تصيب الجهاز الهضمي أو الرئتين أو البنكرياس. ويعود السبب غالبًا إلى ازدياد حاجة الخلايا السرطانية للطاقة أو إلى إفرازها مركبات تضعف الشهية وتزيد من معدل الاستقلاب.
5. الأمراض المزمنة
تشمل الفشل الكلوي المزمن، وأمراض الكبد، وفيروس نقص المناعة المكتسبة (HIV)، والتي تؤثر جميعها على الشهية ومعدل الأيض.
6. العدوى المزمنة أو الطفيلية
مثل السل أو بعض أنواع العدوى الطفيلية (كالأميبيا أو الديدان المعوية) التي تستهلك العناصر الغذائية أو تؤثر على امتصاصها.
ثانياً: الأسباب النفسية والسلوكية
1. فقدان الشهية العصبي (Anorexia Nervosa)
يُعد من الاضطرابات النفسية الأكثر تأثيرًا في الوزن، حيث يخشى الشخص المصاب زيادة الوزن ويعاني من صورة مشوهة لجسده. يؤدي ذلك إلى تقليل تناول الطعام عمدًا إلى مستويات خطيرة.
2. الشره المرضي العصبي (Bulimia Nervosa)
رغم أن بعض المصابين به يحتفظون بوزن طبيعي، فإن تكرار القيء أو استخدام المسهلات بشكل مفرط يمكن أن يؤدي إلى فقدان الوزن مع مرور الوقت.
3. الاكتئاب
يرتبط الاكتئاب الشديد بفقدان الشهية، انخفاض الرغبة في الأكل، وتأثر مراكز المتعة في الدماغ، مما يؤدي إلى نقص السعرات الحرارية اليومية.
4. القلق والتوتر المزمن
الضغط النفسي المفرط يرفع من مستويات الكورتيزول في الدم، والذي قد يؤدي إما إلى فقدان أو اكتساب الوزن حسب استجابة الجسم. في بعض الأفراد، يُقلل التوتر الشهية أو يتسبب في تسريع عملية الأيض.
5. اضطرابات الأكل الناتجة عن الطفولة أو الصدمات النفسية
في بعض الحالات، تؤدي تجارب الطفولة المؤلمة إلى ارتباط سلبي مع الطعام، ما يؤدي إلى تقييد غير واعٍ في الأكل وتطور أنماط غذائية مضطربة.
ثالثاً: العوامل المرتبطة بنمط الحياة
1. النشاط البدني المكثف دون تعويض غذائي كافٍ
يمارس بعض الأفراد أنشطة رياضية عالية الشدة، مثل العدائين أو راقصي الباليه أو لاعبي الجمباز، دون زيادة متناسبة في السعرات الحرارية، ما يؤدي إلى نقص الوزن تدريجياً نتيجة العجز الطاقي.
2. نمط حياة سريع مع إهمال الوجبات
الإجهاد الناتج عن العمل، الضغوط الدراسية، أو الانشغال المفرط قد يجعل بعض الأفراد ينسون تناول وجباتهم أو يأكلون كميات غير كافية، مما يساهم في خسارة الوزن.
3. اتباع أنظمة غذائية غير متوازنة
الأنظمة الغذائية القاسية، خاصة تلك المنتشرة على الإنترنت دون إشراف طبي، قد تُسبب نقصًا كبيرًا في السعرات والعناصر الغذائية الأساسية، مما يؤدي إلى فقدان الوزن وسوء التغذية.
4. تناول أدوية تؤثر على الشهية أو الامتصاص
بعض الأدوية مثل مضادات الاكتئاب، أو أدوية السرطان (العلاج الكيماوي)، أو أدوية الغدة الدرقية، أو حتى بعض المضادات الحيوية، قد تؤدي إلى فقدان الشهية أو الإسهال أو الغثيان، مما يسبب فقدان الوزن.
رابعاً: العوامل الوراثية والجينية
توجد بعض الحالات التي يكون فيها النحافة موروثة جينيًا، حيث يتمتع بعض الأشخاص بمعدل استقلاب مرتفع منذ الولادة، يجعلهم يحرقون السعرات بمعدل أعلى من الطبيعي. في هذه الحالات، لا ترتبط النحافة بأمراض، بل تكون جزءًا من التكوين البيولوجي للفرد، ويُلاحظ وجود أفراد آخرين في العائلة يعانون من الحالة ذاتها.
خامساً: نقص الوزن عند الأطفال وكبار السن
عند الأطفال
قد يكون نقص الوزن ناتجًا عن:
-
مشاكل غذائية مثل الفطام المبكر أو تقديم أغذية غير غنية بالسعرات.
-
اضطرابات النمو أو التمثيل الغذائي.
-
أمراض خلقية تؤثر على امتصاص الغذاء.
عند كبار السن
يُعد نقص الوزن من المشاكل الشائعة بين كبار السن، ويعود ذلك لأسباب مثل:
-
فقدان الشهية المرتبط بالعمر أو الأمراض.
-
مشاكل في الأسنان أو المضغ.
-
اضطرابات البلع.
-
العزلة الاجتماعية أو الاكتئاب.
-
قلة النشاط الحركي وضعف الكتلة العضلية.
جدول توضيحي لأهم الأسباب حسب الفئة:
| الفئة | الأسباب الشائعة |
|---|---|
| طبية | فرط نشاط الغدة الدرقية، السكري، أمراض الجهاز الهضمي، السرطان |
| نفسية | فقدان الشهية العصبي، الاكتئاب، القلق، اضطرابات الأكل |
| نمط الحياة | الرياضة المكثفة، قلة تناول الطعام، حميات قاسية، أدوية |
| وراثية | معدل استقلاب مرتفع، تاريخ عائلي للنحافة |
| الأطفال | نقص غذائي، أمراض خلقية، تأخر النمو |
| كبار السن | فقدان شهية، مشاكل المضغ، اكتئاب، قلة الحركة |
مضاعفات نقص الوزن على الصحة
لا يُمكن تجاهل التأثيرات السلبية المستمرة لنقص الوزن، حيث تشمل:
-
ضعف الجهاز المناعي وزيادة خطر العدوى.
-
فقر الدم الناتج عن نقص الحديد أو فيتامين B12.
-
هشاشة العظام بسبب نقص الكالسيوم وفيتامين D.
-
تساقط الشعر وضعف الأظافر.
-
اضطرابات في الدورة الشهرية لدى النساء.
-
ضعف العضلات والشعور المستمر بالإرهاق.
-
مشاكل في التركيز والذاكرة نتيجة نقص الطاقة.
-
انخفاض حرارة الجسم المزمن نتيجة قلة الدهون تحت الجلد.
الاستنتاجات الأساسية
يمثل نقص الوزن مؤشرًا معقدًا تتداخل فيه العوامل الطبية والنفسية والسلوكية. وقد يكون العرض الظاهري لنقص الوزن البسيط مقدمة لحالة صحية كامنة أكثر خطورة. من الضروري عدم إهمال فقدان الوزن غير المبرر، خاصةً إذا ترافق مع أعراض إضافية مثل التعب المستمر، فقدان الشهية، أو تغيرات في العادات الغذائية. يشكل التشخيص المبكر والتدخل الغذائي والطبي المناسب حجر الأساس في منع المضاعفات وتحقيق التوازن الصحي.
المراجع:
-
Mayo Clinic – Underweight Causes and Risks.
-
National Institute of Mental Health – Eating Disorders.
