ما سبب نزول الدم من الأنف؟ الأسباب، الأنواع، التشخيص، والعلاج

يُعد نزيف الأنف، أو ما يُعرف طبيًا باسم الرعاف، ظاهرة شائعة تحدث نتيجة تمزق الأوعية الدموية الدقيقة داخل التجويف الأنفي، وهو من المشكلات التي تُثير القلق لدى كثير من الأشخاص، خصوصًا عندما يتكرر دون سبب واضح أو يأتي بشكل مفاجئ وغزير. وعلى الرغم من أن نزيف الأنف غالبًا ما يكون غير خطير، إلا أنه قد يُشير في بعض الأحيان إلى حالة صحية كامنة تستدعي تدخلًا طبيًا. من هنا، تأتي أهمية التطرق إلى الأسباب المتنوعة لهذه الحالة، أنواعها، طرق تشخيصها، والعلاجات الممكنة.

ينقسم الرعاف إلى نوعين رئيسيين هما: الرعاف الأمامي والرعاف الخلفي، ولكل منهما أسباب وآليات مختلفة. يتطلب فهم الحالة بشكل علمي التطرق إلى التركيب التشريحي للأنف، والعوامل البيئية والصحية المؤثرة، إلى جانب التدابير الوقائية والعلاجية.

التركيب التشريحي للأنف ودوره في الرعاف

يتكون الأنف من تجويفَين يفصل بينهما حاجز غضروفي وعظمي يُعرف بالحاجز الأنفي. يحتوي هذا التجويف على شبكة غنية من الشعيرات الدموية، وتحديدًا في الجزء الأمامي من الحاجز الأنفي فيما يُعرف بـ منطقة كيسلباخ (Kiesselbach’s plexus)، وهي منطقة شديدة الحساسية وسريعة الاستجابة للعوامل البيئية والمناخية، وتُعد أكثر الأماكن تعرضًا للنزيف.

أما في الجزء الخلفي من الأنف، فتوجد أوعية دموية أكبر وأكثر عمقًا، مثل فروع الشريان الوتدي الحنكي والشريان الوجهي، وهي المسؤولة عن الرعاف الخلفي، الذي غالبًا ما يكون أكثر خطورة وأصعب في السيطرة عليه مقارنةً بالرعاف الأمامي.

أنواع نزيف الأنف

1. الرعاف الأمامي

يحدث في الجزء الأمامي من الأنف، وهو الأكثر شيوعًا، ويُصيب الأطفال والمراهقين في الغالب. يتسم هذا النوع بأنه خفيف إلى متوسط الشدة، وغالبًا ما يمكن إيقافه في المنزل دون الحاجة إلى تدخل طبي.

2. الرعاف الخلفي

يصدر من الأوعية الدموية العميقة في الجزء الخلفي من الأنف، ويحدث عادةً لدى كبار السن أو المصابين بأمراض مزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم. يتميز بأنه غزير وأحيانًا يتدفق إلى الحلق، مما يزيد من صعوبة السيطرة عليه، وقد يتطلب علاجًا داخل المستشفى.

الأسباب الشائعة لنزيف الأنف

أولًا: الأسباب الموضعية

1. جفاف الأغشية المخاطية

يُعد جفاف الأنف بسبب الطقس الجاف أو استخدام أجهزة التدفئة أو التكييف من أكثر أسباب نزيف الأنف شيوعًا، حيث يؤدي إلى هشاشة الأوعية الدموية في بطانة الأنف وبالتالي تمزقها بسهولة.

2. العبث بالأنف

إدخال الأصابع أو الأجسام الغريبة إلى داخل الأنف قد يجرح الأوعية الدموية، وخاصة في منطقة كيسلباخ، ويؤدي إلى نزيف.

3. الإصابات أو الحوادث

ضربات الوجه أو الأنف، مثل تلك الناتجة عن الحوادث أو الألعاب الرياضية، قد تُحدث كسرًا أو تمزقًا في الأوعية الدموية.

4. التهابات الأنف والجيوب الأنفية

العدوى الفيروسية أو البكتيرية تؤدي إلى التهاب الأغشية المخاطية، مما يزيد من هشاشة الأوعية الدموية واحتمالية نزفها.

5. الجراحة الأنفية أو استخدام البخاخات الأنفية لفترات طويلة

بعض العمليات مثل جراحة الحاجز الأنفي، وكذلك الاستعمال المفرط لبخاخات الأنف التي تحتوي على مزيلات الاحتقان، قد تتسبب في تهيج الأغشية المخاطية.

ثانيًا: الأسباب الجهازية (الداخلية)

1. ارتفاع ضغط الدم

يؤدي إلى زيادة الضغط على جدران الأوعية الدموية في الأنف، خصوصًا في الأوعية الخلفية، ما يزيد من خطر النزيف.

2. اضطرابات تخثر الدم

أمراض مثل الهيموفيليا أو نقص الصفائح الدموية، أو استخدام أدوية سيولة الدم (مثل الوارفارين أو الأسبرين)، تضعف قدرة الجسم على إيقاف النزيف.

3. أمراض الكبد المزمنة

تؤثر على إنتاج عوامل التخثر وبالتالي تزيد من احتمالية النزيف.

4. الأورام الأنفية

وجود أورام حميدة أو خبيثة داخل التجويف الأنفي أو الجيوب المجاورة قد يؤدي إلى تمزق الأوعية الدموية وحدوث نزيف متكرر.

5. أمراض وراثية

بعض الأمراض الوراثية مثل متلازمة أوسلر-ويبر-روندو (Osler-Weber-Rendu) تؤدي إلى تشكل أوعية دموية غير طبيعية وهشة.

العوامل البيئية ونمط الحياة

• التدخين: يؤثر سلبًا على الأغشية المخاطية ويزيد من جفاف الأنف.

• تناول الكحول: يؤدي إلى تمدد الأوعية الدموية ويزيد من احتمالية النزف.

• العيش في أماكن مرتفعة أو مناخات جافة: يؤدي إلى تقليل الرطوبة الطبيعية داخل الأنف.

التشخيص الطبي لنزيف الأنف

عند تكرار نزيف الأنف أو حدوثه بشكل غزير، يصبح من الضروري إجراء فحص طبي دقيق لتحديد السبب الأساسي. يشمل التشخيص:

• التاريخ الطبي: مراجعة استخدام الأدوية، الأمراض المزمنة، ونمط الحياة.

• الفحص الأنفي: باستخدام منظار أنفي لتحديد مكان النزف.

• فحوصات الدم: لتقييم عوامل التخثر، نسبة الصفائح الدموية، ووظائف الكبد والكلى.

• تصوير بالأشعة المقطعية أو بالرنين المغناطيسي: في حال الشك بوجود أورام أو إصابات عميقة.

التدابير العلاجية لنزيف الأنف

الإسعافات الأولية في المنزل

• الجلوس مع إمالة الرأس قليلًا إلى الأمام (وليس الخلف).

• الضغط على الجزء اللين من الأنف لمدة 10–15 دقيقة.

• وضع كمادات باردة على الأنف أو الرقبة لخفض تدفق الدم.

العلاجات الطبية

1. الكيّ الكيميائي أو الكهربائي

يُستخدم في حالات الرعاف الأمامي المتكرر حيث يتم كي الأوعية الدموية الضعيفة باستخدام مادة كيميائية مثل نترات الفضة.

2. الحشوات الأنفية

عبارة عن مواد إسفنجية أو شرائط يتم إدخالها داخل الأنف للضغط على مصدر النزيف.

3. ربط الأوعية الدموية

في حالات الرعاف الخلفي المستعصية قد يلجأ الأطباء إلى الجراحة لربط الشريان المتسبب في النزف.

4. استخدام الأدوية

• مضادات حيوية عند وجود عدوى.

• أدوية لخفض ضغط الدم في حالة ارتفاعه.

• استبدال أو تعديل أدوية السيولة تحت إشراف الطبيب.

الوقاية من نزيف الأنف

• الحفاظ على رطوبة الأنف باستخدام مرطبات أو بخاخات ملحية.

• تجنب العبث بالأنف أو إدخال أجسام صلبة.

• استخدام أجهزة ترطيب الجو في البيئات الجافة.

• تجنب التدخين والكحول.

• السيطرة على الأمراض المزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم.

• الحذر عند استخدام الأدوية المميعة للدم، وعدم تناولها دون إشراف طبي.

الحالات التي تستدعي تدخلًا طبيًا عاجلًا

• نزيف غزير لا يتوقف بعد 20 دقيقة من الضغط المستمر.

• تكرار نزيف الأنف أكثر من مرتين في الأسبوع.

• وجود دم في الفم أو البلعوم مع شعور بالاختناق.

• مرافقة النزيف لأعراض أخرى مثل الدوخة أو انخفاض الضغط أو صعوبة التنفس.

• حدوث النزيف بعد ضربة قوية في الرأس أو الأنف.

جدول مقارنة بين الرعاف الأمامي والرعاف الخلفي

المصادر

1. American Academy of Otolaryngology – Head and Neck Surgery. (www.entnet.org)

2. Mayo Clinic. Epistaxis (Nosebleeds) – Causes and Treatments. (www.mayoclinic.org)