أسباب نزول سورة الحشر
سورة الحشر هي السورة التاسعة والخمسون في ترتيب المصحف الشريف، وهي من السور المدنية التي نزلت في المدينة المنورة بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إليها. تتناول السورة العديد من المواضيع المهمة التي تتعلق بالحياة الاجتماعية والسياسية والشرعية للمجتمع الإسلامي، بالإضافة إلى تبنيها بعض الأبعاد العميقة في مجال التوجيهات الإيمانية والأخلاقية. تدور السورة حول أحداث وقعت في فترة ما بعد الهجرة، وتعرض العديد من الحِكم والمواعظ التي تمس جوانب مختلفة من الحياة في ظل التوحيد الإلهي. ويأتي هذا المقال لتناول أسباب نزول هذه السورة التي تمثل نقطة محورية في فهم سياق العديد من آياتها.
لمحة عن سورة الحشر
تتكون سورة الحشر من 24 آية، وهي السورة الوحيدة التي وردت فيها كلمة “الحشر” في القرآن الكريم. تبدأ السورة بآية تذكر تمجيد الله سبحانه وتعالى وتُعَظِّمُه في ظل أحداث حدثت في حياة المسلمين في المدينة المنورة. يتضح من محتوى السورة أنها تهدف إلى تعزيز مفاهيم الوحدة والتعاون بين المسلمين، وفي الوقت نفسه تركز على دور المؤمنين في الالتزام بأوامر الله. كما تحوي السورة إشارات إلى بعض الوقائع الهامة مثل حادثة إخراج بني النضير من المدينة المنورة، وهو ما يمكن أن يعد من أهم أسباب نزول السورة.
أسباب نزول سورة الحشر
الحادثة الرئيسية: إخراج بني النضير من المدينة
أحد الأسباب المباشرة التي أدت إلى نزول سورة الحشر كان الحصار الذي فرضه المسلمون على يهود بني النضير، وهم إحدى القبائل اليهودية المقيمة في المدينة المنورة، والتي كانت قد نقضت عهدها مع النبي صلى الله عليه وسلم. كانت بنو النضير قد تآمرت مع مشركي قريش ضد المسلمين في غزوة أحد، وكانوا يسعون دائمًا لتقويض وحدة المجتمع الإسلامي في المدينة. بعد حادثة غزوة أحد، بدأ النبي صلى الله عليه وسلم في محاربة هذه المؤامرات، فوقع الخلاف بينهم وبين المسلمين، وهو ما أدى إلى قيام النبي صلى الله عليه وسلم بطردهم من المدينة.
وبعد هذه الحادثة، قرر النبي صلى الله عليه وسلم طرد بني النضير من المدينة بناءً على نقضهم العهد والتعاون مع أعداء الإسلام. وبناءً على هذا القرار، نزلت آيات من سورة الحشر، والتي تناولت جزاءهم على الخيانة ومصيرهم في الدنيا والآخرة.
الآيات التي نزلت في هذا السياق
الآية الأولى من السورة “سَبَّحَ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ” (الحشر: 1) جاءت لتؤكد على عظمة الله سبحانه وتعالى في محاسبة الظالمين والمعاندين، وتوضيح أن الله هو القوي القادر على تحقيق العدل بين الناس، وأن كل شيء في الكون ينقاد لسلطانه.
الحديث عن تدمير ممتلكات بني النضير
الآيات التي تتحدث عن تدمير ممتلكات بني النضير وإحراق أراضيهم كانت بمثابة تأكيد على عقوبة خيانتهم للعهود. وفي هذا السياق، أوردت السورة قول الله تعالى في الآية 2: “هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ” (الحشر: 2) أي أن الله سبحانه وتعالى هو الذي أخرج بني النضير من ديارهم بسبب خيانتهم. وكان هذا بمثابة عظة للمسلمين بأن المواقف التي تمس أمانة العهد لا يجوز التهاون فيها.
حكم المسلمين في التعامل مع الأعداء
بعد طرد بني النضير، وضعت السورة مبدأ مهمًا للمسلمين في تعاملهم مع الأعداء والخصوم في إطار الحرب والسياسة، وهو أن جميع الأراضي التي يسيطر عليها الأعداء نتيجة نقض العهود تكون ملكًا للمسلمين، ولا يجوز لأي فرد الاستيلاء عليها. وقال الله تعالى في الآية 6: “مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَجَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَكَمَا فَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ” (الحشر: 6).
التذكير بالمفاهيم الإيمانية بعد الحادثة
وفي الجزء الأخير من السورة، تم التذكير بالمفاهيم الإيمانية العميقة التي يجب أن تحكم تصرفات المسلمين بعد طرد بني النضير، حيث توجه السورة إلى المسلمين بضرورة استحضار قوة الله وقدرته على تحقيق العدل في الدنيا والآخرة. تقول الآية 10: “وَأَذَاقَهُمْ اللَّهُ الْحَزَنَ” (الحشر: 10)، وهي إشارة إلى أن الظالمين والمعتدين سيلاقون العقاب الإلهي الذي يلقنهم دروسًا عن عواقب الشرور والخيانة.
الآيات التي تأمر بالتعاون والتمسك بالعهد
بالإضافة إلى التأكيد على جزاء الخونة، تضمنت السورة أيضًا دعوة قوية للمؤمنين إلى التوحد والتعاون على البر والتقوى. حيث تم التركيز على ضرورة الثبات على العهد والوعد مع الله ومع الناس. وفي ذلك إشارة إلى أهمية الإيمان والتعاون في وجه الفتن والمشاكل الاجتماعية.
الدروس المستفادة من الحادثة
-
الوفاء بالعهد: يركز القرآن الكريم في السورة على الوفاء بالعهد والمواثيق التي تُعقد بين المسلمين وغيرهم، ويحذر من عواقب نقض هذه المواثيق.
-
التعامل مع الأعداء: السورة تعلم المسلمين كيف يكون التعامل مع الأعداء الذين ينقضون العهود، ويظهر أن التعامل معهم لا ينبغي أن يكون تحت أي ظرف من الظروف برفق أو تسامح إذا كانوا قد خانوا الأمانة.
-
الجزاء العادل: تظهر السورة بوضوح كيف أن الله يحقق العدل بين الناس، وأن العقوبات ليست مجرد أفعال من البشر، بل هي بموافقة إرادة الله وحكمته.
التأثيرات الإيمانية في السورة
تعد سورة الحشر من السور التي تحمل رسالة عظيمة في كيفية التعامل مع الأزمات السياسية والاجتماعية. في الوقت الذي تتناول فيه السورة حروبًا ومؤامرات، فإنها أيضًا تذكير للمسلمين بكيفية الاستقامة على الطريق الصحيح والتوكل على الله في جميع الأمور.
