أسباب نزول سورة البقرة
تعدّ سورة البقرة من أطول سور القرآن الكريم، فهي تحتوي على 286 آية، وهي السورة الثانية في ترتيب السور بعد سورة الفاتحة. لها مكانة عظيمة في الإسلام، حيث وردت العديد من الأحاديث التي تبين فضل قراءتها، بما في ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان يفرّ من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة”. ولأهمية هذه السورة المباركة، فقد تناول العلماء أسباب نزول بعض آياتها، وكذلك السياقات التاريخية التي نزلت فيها هذه الآيات. في هذا المقال، سنستعرض بعض الأسباب التي نزلت بسببها آيات من سورة البقرة.
التاريخ الزمني للسورة:
سورة البقرة نزلت في المدينة المنورة بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة. ولهذا فهي تعدّ من السور المدنية، التي نزلت بعد هجرة النبي. وتغطي السورة العديد من الموضوعات التي كانت تهم المسلمين في تلك الفترة، بما في ذلك التشريعات الدينية، الأحكام الشرعية، وأخبار الأمم السابقة.
أسباب نزول بعض آيات السورة:
1. آية “يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمُحِيضِ” (البقرة: 222):
تتعلق هذه الآية بسؤال طرحه الصحابة على النبي صلى الله عليه وسلم بشأن حكم المعاشرة الزوجية في فترة الحيض. فقد كان الجاهليون في فترة ما قبل الإسلام يعتقدون أن الجماع في الحيض محرم بشكل مطلق. لذلك، سأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الموضوع، فأنزل الله هذه الآية ليبيّن لهم الحكم الشرعي في هذه المسألة. وقد ورد في بعض الروايات أن الصحابي عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كان قد سأل النبي عن حكم الجماع أثناء الحيض، فأجاب النبي بما كان فيه الرد الشافي الذي نزلت به الآية.
2. آية “فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ” (البقرة: 54):
هذه الآية نزلت في سياق حادثة عبادة بني إسرائيل الذي وقعوا فيها بعد أن عبدوا العجل في غيبة نبيهم موسى عليه السلام. كانت قد حدثت جريمة عظيمة في بني إسرائيل، إذ خالفوا أمر الله سبحانه وتعالى وعبدوا العجل الذي صنعوه. فعندما عاد موسى عليهم، طلب منهم التوبة عن هذا الذنب العظيم. وقد أمرهم الله تعالى في هذه الآية بالقتل كردّ فعل على هذا الجرم، وكمحاولة لتطهير الأمة من هذه الجريمة الكبرى. وقد كان هذا الأمر من قبل الله سبحانه وتعالى كعقوبة لمن تجاوز الحدود الإلهية.
3. آية “وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ” (البقرة: 61):
هذه الآية تروي قصة بني إسرائيل مع موسى عليه السلام عندما طلبوا من الله أن ينزل عليهم طعاماً من السماء. فبعد أن عانوا من الجوع في رحلتهم في الصحراء، طلبوا من موسى أن يطلب من الله أن يرسل لهم من السماء طعاماً. وقد نزلت هذه الآية لتوضيح استجابة الله لهم، ولكن في نفس الوقت كانت إشارة إلى كيف أن بعض بني إسرائيل كانوا يتعاملون مع النعم الإلهية بالنكران، مما أدى إلى توجيه اللوم إليهم.
4. آية “وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِمَلَائِكَتِهِ” (البقرة: 30):
تتحدث هذه الآية عن حادثة خلق الإنسان. في هذه الآية، يخبر الله سبحانه وتعالى ملائكته عن قراره في خلق الإنسان ليكون خليفة على الأرض. وفي هذا السياق، قام إبليس برفض السجود لآدم عليه السلام، مما أدى إلى طرده من الجنة. هذا الحدث كان له دلالات عظيمة في القرآن الكريم، حيث أنه لم يكن مجرد حادثة خلق، بل هو بداية لمجموعة من الدروس حول التمرد على أوامر الله، وجعل الإنسان في موقف الامتحان.
5. آية “إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ” (البقرة: 80):
تتعلق هذه الآية باليهود الذين كانوا يفتون بكذب على الله تعالى ويحرّفون النصوص الدينية وفقًا لأهوائهم. فقد كان بعض اليهود يقولون إن النار لن تمسهم إلا أيامًا معدودة، وكانوا يعتقدون أن الله لن يعاقبهم على ذنوبهم. نزلت هذه الآية للرد عليهم وبيان كذبهم وافتراهم على الله تعالى.
6. آية “يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ” (البقرة: 3):
تتحدث هذه الآية عن المؤمنين الذين يؤمنون بالغيب، وهو أمر جوهري في دين الإسلام. وقد نزلت هذه الآية لتوضيح صفة المؤمنين التي تميزهم عن غيرهم. كان السائلون في المدينة يطلبون معرفة صفات المؤمنين الحقّ، فكانت هذه الآية إجابة لهم.
7. آية “وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا” (البقرة: 213):
هذه الآية نزلت بسبب الفتنة التي وقع فيها بعض المسلمين الذين بدأوا يختلفون حول مسائل الدين بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم. وكانت الآية تبيّن أن الفُرقة بين المسلمين أمر مرفوض من الله، وأن الوحدة هي السبيل الأمثل للمضي قدماً.
تفسير أسباب النزول بشكل عام:
أسباب النزول هي الأحداث أو المواقف التي تزامنت مع نزول الآيات الكريمة، وهذه الأسباب لا تقتصر فقط على الأسباب التي وردت في كتب التفسير، بل تشمل السياقات التي كانت تطرأ على المسلمين في تلك الفترة الزمنية. معرفة أسباب نزول الآيات تساعد على فهم مقاصد النصوص القرآنية بشكل أعمق، كما تسهم في تفسير المعاني بطريقة أكثر وضوحاً. وقد بذل العلماء جهداً كبيراً في جمع وتوثيق هذه الأسباب التي تعدّ جزءاً أساسياً من علم التفسير.
الخاتمة:
تعدّ سورة البقرة من السور الغنية بالمواضيع المتنوعة والتي تشمل الأحكام التشريعية، القصص التاريخية، والإرشادات العامة التي تسهم في بناء الأمة الإسلامية. كل آية نزلت في سورة البقرة كانت لها أسباب خاصة تفسّر سياقها ومعانيها. هذه الأسباب تقدم لنا إشارات عظيمة حول كيفية تعامل المسلمين الأوائل مع التحديات التي واجهوها، وكيفية تفاعلهم مع أوامر الله ورسوله.
