أسباب مرض السكري وعوامل خطره

أسباب مرض السكري: فهم العوامل وراء المرض وأسبابه المتعددة

يعد مرض السكري من أكثر الأمراض المزمنة انتشارًا في العالم اليوم. وعلى الرغم من أنه يرتبط عادةً بالتغيرات في مستويات السكر في الدم، فإن أسبابه متنوعة ومعقدة، ولا تقتصر على سبب واحد فقط. يتطلب الأمر فهمًا عميقًا للعديد من العوامل الوراثية، البيئية، والفيزيولوجية التي تسهم في الإصابة بهذا المرض. يمكن تقسيم الأسباب الرئيسية لمرض السكري إلى عدة فئات رئيسية، مثل العوامل الوراثية، نمط الحياة، التغيرات الفسيولوجية، والعوامل البيئية.

أولاً: العوامل الوراثية

تلعب الجينات دورًا مهمًا في الإصابة بمرض السكري. فالتاريخ العائلي لأفراد مصابين بالسكري يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بالمرض. فقد أظهرت الأبحاث أن الأشخاص الذين لديهم أقارب من الدرجة الأولى (مثل الأباء أو الأشقاء) مصابين بمرض السكري النوع 1 أو النوع 2 هم أكثر عرضة للإصابة بالمرض مقارنةً بغيرهم.

فيما يخص مرض السكري من النوع 1، فإن الجينات تلعب دورًا في تحديد الاستجابة المناعية للجسم. هذا النوع من السكري يحدث عندما يهاجم الجهاز المناعي خلايا البنكرياس المنتجة للأنسولين، مما يؤدي إلى تدميرها وتوقفها عن العمل. بالرغم من أن السبب الرئيسى لهذا الهجوم المناعي غير معروف تمامًا، إلا أن العوامل الوراثية تعد أحد العوامل التي تزيد من احتمالية الإصابة.

أما مرض السكري من النوع 2، فيعتبر الارتباط الوراثي أقوى. ففي هذا النوع، لا ينتج الجسم كمية كافية من الأنسولين أو يصبح الجسم مقاومًا للأنسولين. العوامل الوراثية تتفاعل مع العوامل البيئية لتزيد من احتمالية الإصابة.

ثانياً: العوامل البيئية

يعتبر نمط الحياة والبيئة المحيطة من العوامل الرئيسية التي تسهم في الإصابة بمرض السكري، وخاصةً النوع 2. إذا كان الشخص يتبع نمط حياة غير صحي، فإن ذلك يزيد من احتمالية الإصابة بالسكري. من أبرز هذه العوامل:

• السمنة: تعتبر السمنة من أكبر العوامل المساهمة في تطور مرض السكري من النوع 2. السمنة تؤدي إلى زيادة مقاومة الجسم للأنسولين، حيث لا يستطيع الأنسولين العمل بشكل فعال في الخلايا بسبب تراكم الدهون. تؤثر الدهون بشكل خاص على خلايا الكبد والعضلات والأنسجة الأخرى التي تستخدم الأنسولين.

• نقص النشاط البدني: قلة النشاط البدني وعدم ممارسة الرياضة بشكل منتظم تعتبر من العوامل المهمة التي تؤدي إلى زيادة الوزن وبالتالي زيادة خطر الإصابة بالسكري. النشاط البدني يساعد في تحسين استجابة الجسم للأنسولين ويزيد من قدرة الخلايا على استخدام السكر في الدم بشكل فعال.

• النظام الغذائي السيء: النظام الغذائي الغني بالسكريات المكررة والدهون المشبعة، مثل تناول الأطعمة السريعة والمصنعة، يمكن أن يؤدي إلى زيادة الوزن وزيادة مستويات السكر في الدم. التناول المفرط للكربوهيدرات المكررة والسكريات قد يؤدي إلى تحفيز إفراز الأنسولين بشكل مفرط، مما يضعف استجابة الجسم له على المدى الطويل.

• التوتر النفسي: التوتر المزمن يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع مستويات هرمونات الإجهاد مثل الكورتيزول، مما يساهم في زيادة مستويات السكر في الدم وزيادة احتمالية الإصابة بالسكري. يمكن للتوتر المزمن أن يؤدي إلى زيادة تناول الطعام غير الصحي والإفراط في تناول الطعام، مما يزيد من خطر الإصابة بالسكري.

ثالثاً: التغيرات الفسيولوجية

مرض السكري يمكن أن يكون نتيجة لتغيرات فسيولوجية تحدث في جسم الإنسان. هذه التغيرات تشمل مشكلات في إنتاج الأنسولين أو قدرة الخلايا على الاستجابة له.

• مقاومة الأنسولين: يحدث ذلك عندما تصبح خلايا الجسم أقل استجابة للأنسولين. في هذه الحالة، لا يمكن للأنسولين أن يساعد في نقل السكر إلى داخل الخلايا كما ينبغي، مما يؤدي إلى تراكم السكر في الدم. مقاومة الأنسولين هي المسبب الرئيسي لمرض السكري من النوع 2. في البداية، يقوم البنكرياس بإفراز المزيد من الأنسولين لتعويض هذه المقاومة، ولكن مع مرور الوقت، يصبح البنكرياس عاجزًا عن إنتاج كميات كافية من الأنسولين.

• فشل البنكرياس: في مرض السكري من النوع 1، يتعرض البنكرياس لهجوم من الجهاز المناعي، مما يؤدي إلى تدمير خلايا بيتا في البنكرياس المسؤولة عن إنتاج الأنسولين. نتيجة لذلك، يعجز البنكرياس عن إفراز الأنسولين، مما يؤدي إلى زيادة مستويات السكر في الدم بشكل غير طبيعي.

رابعاً: العوامل الهرمونية

تلعب الهرمونات دورًا حاسمًا في تنظيم مستويات السكر في الدم. بالإضافة إلى الأنسولين، هناك العديد من الهرمونات الأخرى التي تؤثر على مستويات السكر في الدم، مثل هرمونات التوتر (الكورتيزول)، وهرمونات النمو (GH)، وهرمونات الغدة الدرقية. اضطرابات في هذه الهرمونات يمكن أن تسهم في الإصابة بالسكري.

• متلازمة تكيس المبايض: تعتبر متلازمة تكيس المبايض (PCOS) من الاضطرابات الهرمونية التي تؤدي إلى مقاومة الأنسولين، مما يزيد من خطر الإصابة بالسكري. النساء المصابات بهذا الاضطراب يعانين من اختلال في مستويات الهرمونات، مما يعوق وظيفة الأنسولين بشكل فعال.

• اضطرابات الغدة الدرقية: قد تؤدي مشاكل الغدة الدرقية، مثل قصور الغدة الدرقية أو فرط نشاطها، إلى تغيرات في مستويات السكر في الدم. الغدة الدرقية تؤثر بشكل غير مباشر على حساسية الأنسولين، وبالتالي يمكن أن تسهم في زيادة مستويات السكر.

خامساً: التقدم في العمر

التقدم في العمر يعد من العوامل الأخرى التي تزيد من خطر الإصابة بمرض السكري، وخاصةً النوع 2. مع تقدم الإنسان في العمر، يقل نشاطه البدني ويزداد وزن الجسم. كما أن الخلايا تصبح أقل استجابة للأنسولين، مما يؤدي إلى زيادة مستويات السكر في الدم. ومن الجدير بالذكر أن مرض السكري من النوع 2 يصبح أكثر شيوعًا بعد سن الخمسين.

سادساً: الحمل

الحمل قد يؤدي إلى تطور نوع من السكري يعرف بـ “سكري الحمل”. يحدث سكري الحمل عندما يصبح جسم المرأة غير قادر على إنتاج ما يكفي من الأنسولين أثناء الحمل، مما يؤدي إلى ارتفاع مستويات السكر في الدم. النساء اللاتي يعانين من سكري الحمل أكثر عرضة للإصابة بمرض السكري من النوع 2 بعد الحمل.

سابعاً: الأمراض المزمنة الأخرى

بعض الأمراض المزمنة قد تؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بمرض السكري. على سبيل المثال، الأشخاص الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم أو ارتفاع مستويات الكولسترول في الدم قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بمرض السكري. هذه الأمراض ترتبط في الغالب مع مقاومة الأنسولين وتدهور صحة الأوعية الدموية، مما يسهم في تفاقم السكري.

ثامناً: التسمم بالمعادن الثقيلة

أظهرت بعض الدراسات أن التسمم ببعض المعادن الثقيلة مثل الزئبق والرصاص قد يؤثر على وظيفة البنكرياس ويسهم في تطور مرض السكري. يتسبب التسمم بهذه المواد في التهاب الأنسجة وتدمير الخلايا المنتجة للأنسولين في البنكرياس.

تاسعاً: الإصابة ببعض الفيروسات

قد تلعب بعض الفيروسات دورًا في تحفيز الإصابة بمرض السكري من النوع 1. هناك فرضية علمية تفترض أن بعض الفيروسات قد تؤدي إلى مهاجمة الخلايا المنتجة للأنسولين في البنكرياس. تم ربط فيروسات معينة مثل فيروس كوكساكي بزيادة خطر الإصابة بمرض السكري من النوع 1.

خلاصة

إن أسباب مرض السكري تتنوع وتشمل مزيجًا من العوامل الوراثية، البيئية، الفسيولوجية، والهرمونية. مرض السكري ليس مجرد نتيجة لسوء التغذية أو قلة النشاط البدني، بل هو نتيجة تفاعل معقد بين العوامل الوراثية والمحيطية. إن فهم هذه الأسباب يساعد في تعزيز الوعي حول طرق الوقاية من المرض، وأهمية مراقبة مستويات السكر في الدم واتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من المخاطر المترتبة عليه.