أسباب متلازمة ستوكهولم النفسية

أسباب متلازمة ستوكهولم

متلازمة ستوكهولم هي حالة نفسية معقدة تصيب الأفراد الذين يتعرضون للابتزاز أو الاحتجاز على يد المعتدين، حيث يبدأ الضحايا في تكوين ارتباط عاطفي قوي مع الجناة، في بعض الحالات حتى الشعور بالتعاطف معهم. هذا الارتباط غير المنطقي والمفاجئ يمكن أن يُنظر إليه على أنه تمرد للعقل البشري ضد وضعه القسري، مما يجعله من المواضيع المثيرة للبحث والاهتمام في العلوم النفسية والاجتماعية. تعود تسمية “متلازمة ستوكهولم” إلى حادثة وقعت في العاصمة السويدية ستوكهولم عام 1973، عندما تعرض أربعة أفراد للاحتجاز في بنك من قبل لصوص مسلحين لمدة ستة أيام، وأصبحوا في النهاية يدافعون عن هؤلاء اللصوص.

العوامل النفسية المساهمة في تطور متلازمة ستوكهولم

1. الحاجة للبقاء على قيد الحياة

تعد الحاجة الأساسية للبقاء من أبرز العوامل التي تفسر تطور متلازمة ستوكهولم. عندما يجد الإنسان نفسه في حالة تهديد مباشر للحياة، يبدأ عقله في البحث عن استراتيجيات للبقاء. إحدى هذه الاستراتيجيات هي تكوين علاقة مع المعتدي، الأمر الذي قد يُفسر على أنه وسيلة لتقليل التهديد. مع مرور الوقت، قد يبدأ الضحية في تصديق أن التعاطف مع الجاني قد يسهم في بقائه على قيد الحياة، سواء على المستوى النفسي أو الجسدي.

2. التأثير العاطفي والضغط النفسي

الضغط النفسي الناتج عن الإبقاء على علاقة متوترة مع الجاني يمكن أن يؤدي إلى حالة من العجز أو الارتباك العاطفي، ما يجعل الضحية غير قادرة على التفكير بوضوح. في هذه الحالة، يمكن أن يُعد خلق ارتباط عاطفي مع الجاني بمثابة محاولة لتخفيف التوتر النفسي. هذا التأثير العاطفي يمكن أن يكون شديدًا جدًا، ما يجعل الضحية تشعر بشيء من الولاء أو التعاطف مع الشخص الذي يُفترض أن يكون مصدر تهديدها.

3. العزلة والإحساس بالضعف

غالبًا ما تترافق متلازمة ستوكهولم مع الشعور بالعزلة أو العزلة الاجتماعية من قبل الضحية. في حالات الاحتجاز أو الحبس، تكون الضحية مفصولة عن شبكة دعم اجتماعية وأسرية، ما يجعلها تعتمد على الجاني بشكل أكبر. مع مرور الوقت، قد تبدأ الضحية في رؤية الجاني كشخص قادر على توفير الأمان لها، وهو ما يعزز الرابط العاطفي بينهما.

4. تلاشي الحدود بين المعتدي والمعتدى عليه

في بعض الحالات، قد يُحدث الابتزاز النفسي أو العاطفي تأثيرًا عميقًا على الضحية، حيث يبدأ في تبرير أفعال المعتدي أو حتى الإعجاب به. هذا النوع من التفكير يساهم في إضعاف الفواصل بين الضحية والمعتدي، ما يسهل تكوين علاقة غير منطقية بينهما. وهذا يمكن أن يظهر في شعور الضحية بأنها لا تستحق الاهتمام أو الحب سوى من المعتدي، مما يعزز الرابط المشوه بينهما.

5. دور الصدمة المؤلمة

الصدمة الناتجة عن الاحتجاز أو المعاملة العنيفة يمكن أن تؤدي إلى استجابة فسيولوجية ونفسية فورية. في بعض الحالات، يقوم الدماغ البشري بتكييف ردود فعل الضحية على الوضع المهدد، مما يؤدي إلى حالة من التعاطف مع المعتدي كآلية لتقليل الألم النفسي. هذه الاستجابة قد تساهم في تكوين علاقة غير صحية لكنها مستمرة مع الجاني.

الديناميكيات الاجتماعية والثقافية لمتلازمة ستوكهولم

1. الهيمنة والسلطة

في العديد من الحالات التي تتطور فيها متلازمة ستوكهولم، يكون المعتدي في موضع القوة والسلطة المطلقة على الضحية. في مثل هذه البيئة، قد يضطر الضحية إلى التأقلم مع الواقع القاسي في محاولة للاحتفاظ ببعض الإحساس بالقوة أو الاستقلالية. هذا يمكن أن يؤدي إلى تبني المواقف التي تتماشى مع مطالب المعتدي.

2. تأثيرات الهوية الاجتماعية

قد يكون للهوية الاجتماعية دور كبير في هذه المتلازمة. فالأفراد الذين يمرون بتجارب عنيفة أو مهددة قد يشعرون بأنهم “مختلفون” عن الآخرين، مما يؤدي إلى تأصيل هذه العلاقة مع الجاني باعتبارها استجابة مناسبة للظروف الاجتماعية الجديدة التي يمرون بها.

3. الأنماط الثقافية للتسامح مع العنف

بعض المجتمعات أو الثقافات قد تُظهر تسامحًا أو قبولًا أعلى للظروف القاسية أو العنف. في مثل هذه الحالات، قد يكون الضحية قد نشأ في بيئة ترى في العلاقات المشوهة أو السامة شيئًا طبيعيًا. هذا يمكن أن يُعزز من تطور متلازمة ستوكهولم ويجعل الضحية غير قادرة على الهروب من الوضع أو رؤية الجاني كتهديد حقيقي.

دور التفسير المعرفي في تفسير متلازمة ستوكهولم

يعتبر التفسير المعرفي أحد أهم العوامل التي تساهم في تشكيل ردود فعل الضحية تجاه المعتدي. عندما يتعرض الشخص لصدمات متكررة أو تهديدات للحياة، يقوم الدماغ بتحليل المواقف بناءً على أساليب التفكير المتاحة له. إذا كان الشخص يعاني من صعوبة في فهم مشاعر العدوان، أو إذا كانت تجاربه السابقة قد شكلت لديه رؤية مشوهة للعالم، فإن هذا قد يؤدي إلى تفسير غير دقيق للمواقف.

1. الاستدلال العاطفي

غالبًا ما يواجه ضحايا متلازمة ستوكهولم صعوبة في التفريق بين مشاعرهم الخاصة ومشاعر المعتدي. في حالات العنف أو الاختطاف، قد تتداخل هذه المشاعر إلى درجة أن الضحية تبدأ في تبرير سلوك الجاني والتأكيد على سلوكه اللطيف أو الداعم، حتى لو كان هذا السلوك غير مستمر أو متقطع.

2. التخطيط العصبي العصبي

في بعض الحالات، قد تؤدي الضغوط النفسية إلى إعادة ترتيب الدماغ العصبي للضحية، مما يعزز من مشاعر الارتباط تجاه المعتدي. قد يفسر البعض هذه الاستجابة بأنها محاكاة للأمان، حتى لو كانت غير منطقية في الواقع.

خلاصة

تعد متلازمة ستوكهولم حالة معقدة تتداخل فيها العوامل النفسية، الاجتماعية، والبيولوجية. في حين أن العلاقة بين الضحية والمعتدي قد تبدو غير منطقية بالنسبة للآخرين، إلا أن الضحية قد تكون في وضع نفسي حيث تعتبر هذه العلاقة الوسيلة الوحيدة للتأقلم مع الظروف القاسية. ومن الجدير بالذكر أن فهم هذه الظاهرة بشكل عميق قد يساعد في تطوير طرق علاجية لمساعدة الأفراد المتأثرين بها، كما يساهم في تسليط الضوء على أهمية دعم الضحايا ومساعدتهم على التعافي من صدماتهم النفسية والاجتماعية.