أسباب قيام الحرب العالمية الثانية

أسباب قيام الحرب العالمية الثانية

تُعتبر الحرب العالمية الثانية واحدة من أكثر الأحداث التاريخية تدميرًا في القرن العشرين، حيث أسفرت عن مقتل عشرات الملايين من الأشخاص، وأثرت بشكل عميق على السياسات الدولية والاقتصادات حول العالم. في هذا المقال، سنتناول الأسباب التي أدت إلى قيام هذه الحرب العالمية، مع التركيز على العوامل السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، والعسكرية التي ساهمت في إشعال فتيل النزاع. الحرب العالمية الثانية لم تكن حدثًا مفاجئًا، بل كانت نتاجًا لمجموعة من التوترات التي تراكمت على مدى عقود.

1. معاهدة فرساي وتأثيرها على ألمانيا

عقب الحرب العالمية الأولى، تم توقيع معاهدة فرساي في عام 1919 بين القوى المنتصرة وألمانيا، حيث فرضت شروطًا قاسية على الأخيرة. كانت أبرز بنود المعاهدة:

• التعويضات المالية الثقيلة التي فرضت على ألمانيا، والتي كانت بمثابة عبء ثقيل على الاقتصاد الألماني.

• الحد من الجيش الألماني إلى مائة ألف جندي فقط.

• الاستيلاء على أراضٍ واسعة من الأراضي الألمانية لصالح دول أخرى مثل بولندا وبلجيكا وفرنسا.

• إدانة ألمانيا في مسؤوليتها عن الحرب.

كانت هذه المعاهدة سببًا رئيسيًا في خلق جو من الاستياء في ألمانيا، حيث شعر المواطنون والقادة الألمان بالإهانة بسبب الشروط القاسية التي فرضت عليهم، مما ساعد على نمو مشاعر القومية والتطرف في البلاد. في هذا السياق، قام أدولف هتلر وحزب النازي باستغلال مشاعر الغضب هذه لتوسيع نفوذهم داخل ألمانيا، مع تقديم وعود بإعادة بناء قوة ألمانيا وإعادة الأراضي المفقودة.

2. صعود الأنظمة الاستبدادية

في السنوات التي تلت الحرب العالمية الأولى، شهدت العديد من الدول صعود الأنظمة الاستبدادية التي اعتمدت على القومية المتطرفة والعنف كوسيلة لتحقيق أهدافها. كان أبرز هذه الأنظمة:

• النازية في ألمانيا تحت قيادة أدولف هتلر.

• الفاشية في إيطاليا بقيادة بينيتو موسوليني.

• الطغيان العسكري في اليابان حيث بدأ القادة العسكريون في اليابان في توسيع طموحاتهم العسكرية في آسيا.

كل هذه الأنظمة سعت لتوسيع نفوذها إقليميًا ودوليًا، مما ساهم في تصاعد التوترات العالمية. كان هتلر يهدف إلى إعادة بناء الإمبراطورية الألمانية من خلال غزو أراضٍ أوروبية أخرى، بينما كانت إيطاليا تحت موسوليني تسعى إلى إقامة “إمبراطورية رومانية جديدة”. وفي اليابان، كانت الحكومة العسكرية تسعى إلى بناء “الإمبراطورية اليابانية الكبرى”، عبر التوسع في الصين وشرق آسيا.

3. التوسع العسكري لألمانيا

منذ صعود هتلر إلى السلطة في عام 1933، بدأ يتبنى سياسة توسعية تهدف إلى إعادة بناء قوة ألمانيا. بدأت هذه السياسة بعدة خطوات تصعيدية:

• في عام 1936، قام هتلر بإعادة احتلال منطقة الراين (التي كانت محظورة بموجب معاهدة فرساي) دون مقاومة من دول التحالف.

• في عام 1938، قام هتلر بضم النمسا إلى ألمانيا في ما يسمى “الأنشلوس” (Anschluss) بشكل غير قانوني.

• في نفس العام، بدأ يضغط على تشيكوسلوفاكيا للقبول بتنازلات تتعلق بمنطقة سوديتنلاند التي كانت مأهولة بالألمان. في اتفاق ميونيخ، وافقت بريطانيا وفرنسا على هذه التنازلات من أجل تجنب الحرب، وهو ما زاد من طموحات هتلر.

• في عام 1939، قام هتلر بغزو تشيكوسلوفاكيا بالكامل، مما زاد من قلق الدول الأوروبية.

4. السياسة البريطانية والفرنسية تجاه التوسع النازي

في البداية، اتبعت كل من بريطانيا وفرنسا سياسة الاسترضاء (Appeasement) تجاه هتلر، آملا في تجنب الحرب من خلال تقديم تنازلات. لكن هذه السياسة كانت خاطئة حيث أدت إلى تعزيز قوة النازيين وزيادة طموحاتهم. عندما قام هتلر بغزو بولندا في 1 سبتمبر 1939، كان قد تجاوز كافة الحدود المسموح بها، وكان هذا هو النقطة الفاصلة التي أدت إلى إعلان بريطانيا و فرنسا الحرب على ألمانيا.

5. الحرب في المحيط الهادئ وابتداء اليابان في التوسع

في الشرق الأقصى، بدأت اليابان في تنفيذ سياسة التوسع العسكري في الصين منذ أوائل الثلاثينات. في عام 1937، اجتاحت القوات اليابانية الصين وبدأت بتوسيع إمبراطوريتها في آسيا. وبالرغم من أن العالم كان يراقب هذه الأحداث، إلا أن معظم القوى الغربية كانت مشغولة بمشاكلها الداخلية أو بالأزمة الاقتصادية العالمية. إلا أن اليابان لم تتوقف عند ذلك، وفي عام 1941، هاجمت بيرل هاربر الأمريكية في هاواي، مما أدى إلى دخول الولايات المتحدة في الحرب.

6. الأزمة الاقتصادية العالمية

اندلعت الأزمة الاقتصادية الكبرى في عام 1929 وكان لها تأثير كبير على استقرار الدول الكبرى. خلقت هذه الأزمة ظروفًا اقتصادية صعبة في العديد من الدول، بما في ذلك ألمانيا، التي كانت في مرحلة إعادة بناء بعد الحرب العالمية الأولى. مع تزايد البطالة والفقر في الدول الأوروبية، بدأ المواطنون في البحث عن حلول بديلة، ووجدوا ذلك في الأحزاب القومية المتطرفة التي تعد بالاستقرار والنمو الاقتصادي.

ألمانيا، تحت قيادة هتلر، كانت تسعى لاستعادة قوتها الاقتصادية من خلال التوسع العسكري والسيطرة على الموارد الطبيعية في البلدان المجاورة. كما أن اليابان، بسبب حاجتها إلى مصادر طبيعية ومؤن، بدأ في توسيع نفوذها العسكري في الصين وجنوب شرق آسيا.

7. الفشل في إنشاء نظام دولي فعال

بعد الحرب العالمية الأولى، حاولت عصبة الأمم أن تضع أسسًا للسلام الدائم، ولكنها فشلت في التعامل مع التصعيدات السياسية في أوروبا وآسيا. لم تتمكن عصبة الأمم من اتخاذ إجراءات فعالة ضد ألمانيا النازية أو إيطاليا الفاشية أو اليابان، مما أدى إلى تزايد الأطماع التوسعية لهذه القوى.

كما أن ظهور الحرب الأهلية الإسبانية في 1936 كان بمثابة نقطة تحوّل، حيث دعمت ألمانيا النازية و إيطاليا الفاشية الجنرال فرانسيسكو فرانكو في حربه ضد الحكومة الجمهورية الإسبانية. هذا الصراع أضاف المزيد من التوترات في العلاقات بين القوى الكبرى في أوروبا.

الخلاصة

إن أسباب قيام الحرب العالمية الثانية كانت معقدة ومتعددة الأبعاد، حيث تراكمت عوامل اقتصادية، سياسية، اجتماعية، وعسكرية على مدار عقود قبل اندلاع الحرب. كانت معاهدة فرساي بداية سلسلة من الأحداث التي أدت إلى تصاعد القومية والتطرف في ألمانيا. كما ساهمت السياسات الاسترضائية لبريطانيا وفرنسا في تمكين هتلر من توسيع نفوذه دون مقاومة، بينما أضاف التوسع الياباني في آسيا المزيد من التوترات العالمية. إن الحرب العالمية الثانية كانت نتيجة لهذه الديناميكيات المعقدة التي تداخلت لتشعل فتيل أكبر صراع عسكري عرفه العالم في تاريخه الحديث.