فقدان الشهية العصبي: 5 أسباب تقف وراء الإصابة به
فقدان الشهية العصبي، أو ما يُعرف بالأنوريكسيا، هو اضطراب نفسي يتسم بتقييد تناول الطعام بشكل مفرط، مما يؤدي إلى فقدان الوزن بشكل غير صحي وتأثيرات سلبية كبيرة على الصحة البدنية والعقلية. لا يتوقف هذا الاضطراب على الجسم فقط، بل يمتد تأثيره ليشمل جوانب عدة في حياة الشخص المصاب، بما في ذلك العلاقات الاجتماعية والمهنية والعائلية. هذه الحالة ليست مجرد رغبة في إنقاص الوزن، بل هي مشكلة نفسية معقدة تتمثل في مقاومة الشخص للطعام بسبب القلق أو الهوس بشكل الجسم. في هذا المقال، نستعرض خمسة أسباب رئيسية قد تؤدي إلى الإصابة بفقدان الشهية العصبي.
1. العوامل النفسية والضغوط النفسية
تعد العوامل النفسية أحد الأسباب الرئيسية لفقدان الشهية العصبي. في معظم الحالات، يعاني الأشخاص المصابون من قلق مفرط بشأن مظهرهم الجسدي، مما يؤدي إلى الشعور بعدم الرضا عن شكل الجسم. هذه المشاعر قد تنبع من تجارب سابقة كالتعرض للتنمر أو التعليقات السلبية حول الوزن أو شكل الجسم. هذا القلق المستمر يدفع الفرد إلى محاولة السيطرة على وزنه من خلال تقليل تناول الطعام، مما يتفاقم مع مرور الوقت ليصبح سلوكًا قهريًا.
التوتر النفسي والضغوط الاجتماعية يمكن أن تساهم أيضًا في ظهور فقدان الشهية العصبي. فالأشخاص الذين يواجهون مشاكل في حياتهم الشخصية أو المهنية قد يلجؤون إلى الطعام كوسيلة للسيطرة على حياتهم أو للهروب من المشاعر السلبية مثل الحزن أو الاكتئاب. قد يترسخ الاعتقاد في العقل الباطن بأن السيطرة على الطعام هو السبيل الوحيد للشعور بالقوة والقدرة على التحكم في الحياة.
2. الضغوط الاجتماعية والمعايير الجمالية
تلعب وسائل الإعلام والمجتمع دورًا حاسمًا في تعزيز معايير الجمال التي تروج للأجسام النحيفة والمثالية. يظهر في العديد من الإعلانات والأفلام والمجلات صور لأشخاص يمتلكون أجسامًا رشيقة، مما يخلق ضغطًا نفسيًا على الأفراد، خاصة المراهقين والشباب. من خلال هذه الوسائل، يتعلم الشخص أن النجاح الاجتماعي والشخصي مرتبط بمظهر الجسم، مما يدفع العديد من الأشخاص إلى محاولة تحقيق تلك المعايير بأي ثمن.
تساهم هذه الضغوط الاجتماعية في نمو فكرة أن الأشخاص النحيفين هم الأكثر جمالًا، والأكثر قبولًا في المجتمع، وأن الأشخاص الذين يمتلكون أجسامًا أكبر من النمط المثالي يجب عليهم تعديل أجسامهم كي يصبحوا مقبولين. هذا التأثير يجعل الفرد يبدأ في رؤية جسمه بشكل سلبي ويؤدي إلى تطوير سلوكيات قاسية تجاه الطعام، مثل التقليل من الكميات أو حتى تجنب الطعام تمامًا.
3. الوراثة والعوامل البيولوجية
تلعب العوامل الوراثية دورًا كبيرًا في الإصابة بفقدان الشهية العصبي. أظهرت الدراسات أن الأشخاص الذين لديهم أفراد في العائلة يعانون من اضطرابات الأكل قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بأنواع مختلفة من اضطرابات الأكل، بما في ذلك فقدان الشهية العصبي. هذا يشير إلى أن هناك استعدادًا وراثيًا قد يكون مرتبطًا بتفاعل معين في الدماغ أو الهورمونات التي تنظم الشهية والمزاج.
العوامل البيولوجية الأخرى تشمل توازن المواد الكيميائية في الدماغ، مثل السيروتونين والدوبامين. الأشخاص الذين يعانون من انخفاض مستويات السيروتونين، وهي مادة كيميائية مرتبطة بالتحكم في المزاج والشعور بالراحة، قد يكونون أكثر عرضة لتطوير الاضطرابات النفسية، بما في ذلك فقدان الشهية العصبي. بالإضافة إلى ذلك، قد تلعب الهرمونات دورًا في تطور الاضطراب، حيث أظهرت بعض الدراسات أن التغيرات في مستويات الهرمونات قد تساهم في ظهور أعراض فقدان الشهية العصبي، خاصة في فترات مثل مرحلة المراهقة.
4. التاريخ الشخصي والتجارب السابقة
غالبًا ما ترتبط الإصابة بفقدان الشهية العصبي بتجارب سابقة من التوتر أو الصدمات النفسية. قد يتعرض الشخص إلى تجارب مؤلمة مثل التنمر، أو فترات من الإهمال العاطفي أو الجسدي، مما يؤدي إلى تدهور الصورة الذاتية والشعور بالعجز. في هذه الحالات، قد يبدأ الشخص في محاولة السيطرة على مشاعره أو حوادث حياته من خلال التحكم في وزنه والطعام، حيث يُنظر إلى الطعام في هذه اللحظات كأداة للسيطرة على شيء في الحياة يشعر بأنه خارج عن السيطرة.
إضافة إلى ذلك، فإن بعض الأشخاص الذين مروا بتجارب عائلية مع مشاكل الصحة العقلية قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بهذا الاضطراب. في بعض الحالات، قد يكون الوالدان أو الأسرة قد ساهموا في ترسيخ قيم معينة حول مظهر الجسم و”المثالية” التي تروج لفقدان الوزن بشكل غير صحي، مما يؤدي إلى تحفيز هذه السلوكيات في الشخص المصاب.
5. البيئة المحيطة والتأثيرات الثقافية
تؤثر البيئة الاجتماعية والثقافية بشكل كبير على تطور فقدان الشهية العصبي. في العديد من المجتمعات، يوجد تركيز كبير على الجمال والنحافة باعتبارها من صفات الجمال المثالي. الأشخاص الذين يعيشون في بيئات تشجع على النحافة أو الذين يتعرضون للمقارنات المستمرة مع نماذج الجمال، سواء في محيطهم الاجتماعي أو على وسائل التواصل الاجتماعي، قد يكونون أكثر عرضة لتطوير هذا الاضطراب.
العوامل الثقافية تلعب دورًا مهمًا في تحديد كيفية رؤية الجسم. ففي بعض الثقافات، يعتبر أن الحصول على جسم نحيف يعني الصحة، الجمال، والنجاح الاجتماعي. من جهة أخرى، في ثقافات أخرى، قد يُنظر إلى الجسم الممتلئ على أنه سمة سلبية قد تؤدي إلى التهميش الاجتماعي أو الشعور بعدم القيمة. هذا التفاوت الثقافي في تصورات الجسم قد يتسبب في تأثيرات نفسية قد تفضي إلى فقدان الشهية العصبي.
الخاتمة
فقدان الشهية العصبي هو اضطراب معقد يتطلب معالجة شاملة تأخذ في الاعتبار الأسباب النفسية، البيولوجية، الاجتماعية والثقافية التي تؤدي إلى تطوره. رغم أن هذه الأسباب قد تكون متعددة ومعقدة، فإن الفهم العميق لهذه العوامل هو خطوة أساسية نحو تطوير استراتيجيات علاجية فعّالة للحد من تأثير هذا الاضطراب على الأفراد والمجتمع بشكل عام.
