أسباب فرط الحركة عند الأطفال

أسباب فرط الحركة عند الأطفال

فرط الحركة عند الأطفال هو اضطراب شائع يظهر غالبًا في مراحل الطفولة المبكرة ويُعرف طبياً باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD). يشمل هذا الاضطراب مجموعة من الأعراض التي تؤثر على قدرة الطفل على التركيز والتحكم في انفعالاته وحركاته. قد يُلاحظ على الطفل المصاب بفرط الحركة أنه يواجه صعوبة في البقاء في مكان واحد لفترة طويلة، كما يصعب عليه الالتزام بالقواعد، وهو ما يؤدي إلى مشكلات في المدرسة وفي التفاعلات الاجتماعية. في هذا المقال، سوف نستعرض أسباب فرط الحركة عند الأطفال مع التركيز على الأسباب الوراثية، البيئية، العصبية والهرمونية، بالإضافة إلى تأثيرات التغذية والضغوط النفسية.

1. الأسباب الوراثية

من أبرز الأسباب التي قد تؤدي إلى فرط الحركة عند الأطفال هي العوامل الوراثية. حيث تشير الدراسات إلى أن اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD) ينتقل بشكل وراثي في العديد من الحالات. قد يكون لدى الأطفال الذين يعانون من هذا الاضطراب تاريخ عائلي من اضطرابات مشابهة، سواء في الأقارب المباشرين مثل الوالدين أو الأشقاء. يعتقد العلماء أن بعض الجينات التي تؤثر في نمو الدماغ والناقلات العصبية يمكن أن تكون سببًا في حدوث هذا الاضطراب. على سبيل المثال، تشير الدراسات إلى وجود علاقة بين فرط الحركة والجينات المسؤولة عن الدوبامين، وهو أحد المواد الكيميائية المسؤولة عن تنظيم المزاج والانتباه في الدماغ.

2. العوامل العصبية

الأبحاث العلمية أظهرت أن هناك اختلالات عصبية في الدماغ قد تكون أحد الأسباب الرئيسة لفرط الحركة. يشير العلماء إلى أن الأطفال المصابين بهذا الاضطراب غالبًا ما يعانون من خلل في وظائف بعض مناطق الدماغ، خصوصًا تلك المسؤولة عن التحكم في الانتباه والسلوكيات الحركية. تشير الدراسات إلى أن الأطفال الذين يعانون من فرط الحركة قد يكون لديهم حجم أصغر لبعض أجزاء الدماغ مثل الفص الجبهي، وهو الجزء الذي يتعامل مع تنظيم السلوك واتخاذ القرارات. أيضًا، تظهر بعض الدراسات نقصًا في النشاط الكهربائي في الدماغ، مما يؤدي إلى ضعف قدرة الطفل على التركيز والتحكم في الحركات.

3. العوامل البيئية

تعد العوامل البيئية أحد الأسباب المهمة التي قد تساهم في ظهور اضطراب فرط الحركة عند الأطفال. ومن بين هذه العوامل:

• تعرض الطفل للسموم: مثل المواد الكيميائية السامة أو المعادن الثقيلة مثل الرصاص التي قد تؤثر سلبًا على نمو الدماغ. الأطفال الذين يتعرضون لتلوث الهواء أو مواد كيميائية ضارة في وقت مبكر من حياتهم قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بفرط الحركة.

• العوامل النفسية: وجود اضطرابات نفسية أو ضغوطات على الطفل أو في البيئة المحيطة به قد تؤدي إلى تفاقم أعراض فرط الحركة. على سبيل المثال، الطلاق بين الوالدين، أو فقدان أحد الوالدين، أو التنقل المستمر من مكان إلى آخر قد يكون له تأثير سلبي على سلوك الطفل. قد يعاني الطفل في مثل هذه الحالات من القلق أو التوتر الذي قد يسبب فرط الحركة أو تشتت الانتباه.

• سوء النظام الغذائي: هناك دراسات تشير إلى أن الأطفال الذين يعانون من نقص في التغذية السليمة أو الذين يتناولون أطعمة تحتوي على مواد حافظة أو ألوان صناعية قد يعانون من زيادة النشاط أو صعوبة في التركيز. كما أن انخفاض مستويات بعض الفيتامينات والمعادن مثل المغنيسيوم والزنك قد يرتبط أيضًا بزيادة الأعراض.

4. العوامل الهرمونية

تلعب الهرمونات دورًا كبيرًا في تطور ونمو الدماغ، ولذلك فإن الاختلالات الهرمونية قد تكون أحد الأسباب المساهمة في فرط الحركة. بعض الأبحاث تشير إلى أن الاختلالات في مستويات الهرمونات مثل الدوبامين والنورإبينفرين قد تكون أحد أسباب اضطراب فرط الحركة. يمكن أن يؤثر هذا النوع من الاختلالات في قدرة الطفل على التحكم في انفعالاته وحركاته.

علاوة على ذلك، فقد أظهرت بعض الدراسات أن الأطفال الذين يعانون من مشاكل هرمونية في مرحلة الطفولة المبكرة قد يكون لديهم قابلية أعلى للإصابة بفرط الحركة. في حالات معينة، قد يكون هناك تأثير غير مباشر للهرمونات على المناطق العصبية في الدماغ المسؤولة عن الانتباه والسلوكيات الحركية.

5. التأثيرات الاجتماعية والعائلية

تأثير البيئة العائلية والاجتماعية يعد من العوامل المهمة التي تلعب دورًا في تطور اضطراب فرط الحركة. تشير بعض الدراسات إلى أن الأطفال الذين ينشأون في أسر تشهد اضطرابات اجتماعية مثل العنف الأسري أو الإهمال العاطفي أو البدني قد يكون لديهم احتمالية أكبر للإصابة بهذا الاضطراب. العلاقات الأسرية المضطربة يمكن أن تؤثر على تطور مهارات الطفل الاجتماعية والعاطفية، مما يؤدي إلى صعوبة في التحكم في السلوكيات.

من المهم أن نذكر هنا أن عدم استقرار البيئة العائلية قد يتسبب في زيادة مشاعر القلق لدى الطفل، مما يساهم في تعزيز أعراض فرط الحركة. كما أن الحرمان العاطفي وعدم تلقي الاهتمام الكافي من الوالدين قد يسهم في اضطراب السلوك لدى الطفل.

6. التأثيرات المبكرة

تُعتبر مرحلة الطفولة المبكرة من أهم مراحل الحياة، حيث يتطور الدماغ بشكل كبير في هذه الفترة. قد يؤدي تعرض الطفل إلى عوامل ضارة في هذه المرحلة، مثل الولادة المبكرة أو نقص الأوكسجين أثناء الولادة، إلى مشاكل في النمو العصبي للدماغ. كما أن المشاكل الصحية أثناء الحمل مثل تناول الأدوية الممنوعة أو التدخين من قبل الأم قد تؤثر على نمو دماغ الطفل، وبالتالي تساهم في ظهور اضطرابات مثل فرط الحركة.

7. التغذية وتأثيرها على فرط الحركة

النظام الغذائي هو أحد العوامل المؤثرة بشكل مباشر في السلوك والحالة العقلية للأطفال. تبين أن هناك علاقة بين فرط الحركة وعوامل تغذوية مثل نقص البروتينات الأساسية، بالإضافة إلى نقص الأحماض الدهنية الأساسية مثل أوميغا-3. كما أن بعض الأطفال يعانون من زيادة النشاط نتيجة لوجود حساسية تجاه بعض المواد الغذائية أو المكونات الاصطناعية مثل الألوان الصناعية والمضافات الغذائية.

في حالات أخرى، أظهرت الدراسات أن الأطفال الذين يتناولون طعامًا يحتوي على مستويات مرتفعة من السكر أو الكربوهيدرات المكررة قد يظهرون سلوكيات مفرطة في الحركة أو تشتت في الانتباه. وهذا يمكن أن يكون بسبب التأثير السريع للسكر على مستويات الطاقة في الجسم، ما يؤدي إلى زيادة النشاط الحركي بشكل مفاجئ.

8. الأساليب التربوية

تؤثر أساليب التربية أيضًا على سلوك الطفل وقدرته على التحكم في تصرفاته. الأساليب التربوية القاسية أو التوقعات العالية بشكل غير مناسب للطفل قد تساهم في زيادة مستويات التوتر لدى الطفل، وبالتالي يؤدي ذلك إلى تفاقم أعراض فرط الحركة. بالإضافة إلى ذلك، فإن استخدام أساليب تحكم سلبية مثل العقاب البدني أو المعاملة القاسية قد يزيد من الاضطرابات السلوكية لدى الطفل. بالمقابل، توفير بيئة تعليمية وداعمة يمكن أن يساعد في تقليل هذه الأعراض وتحسين سلوك الطفل.

9. التأثيرات النفسية والعاطفية

قد يعاني الأطفال الذين يعانون من فرط الحركة من مشاعر متزايدة من القلق أو الإحباط نتيجة لعدم قدرتهم على التحكم في سلوكهم. هذا قد يؤدي إلى تأثيرات نفسية مثل انخفاض تقدير الذات، وزيادة الميل إلى التوتر والضغط النفسي. كما يمكن أن يؤثر ذلك على العلاقة بين الطفل والآخرين، سواء في الأسرة أو في المدرسة، مما يزيد من تعقيد الحالة ويجعل العلاج أكثر تحديًا.

10. العوامل الثقافية

تلعب العوامل الثقافية دورًا في كيفية فهم وتفسير سلوك الأطفال. في بعض المجتمعات، قد يُنظر إلى الأطفال الذين يعانون من فرط الحركة على أنهم غير مهذبين أو يفتقرون إلى الانضباط، مما يؤدي إلى المزيد من الضغوط النفسية عليهم. في بعض الثقافات، قد تؤثر التوقعات الاجتماعية المرتبطة بالتحصيل العلمي والسلوك الاجتماعي السليم على فهم المجتمع للاضطراب، مما يؤثر على التدخلات والعلاج.

الخاتمة

فرط الحركة عند الأطفال هو اضطراب معقد له العديد من الأسباب المحتملة والمتشابكة. سواء كانت هذه الأسباب وراثية، بيئية، عصبية أو نفسية، فإن فهم هذه العوامل يمكن أن يساعد في توفير العلاج المناسب والدعم اللازم للأطفال المصابين. يجب أن تكون التدخلات العلاجية شاملة وتراعي جميع الجوانب التي قد تؤثر في سلوك الطفل.