فوائد شرب الماء لصحة الجسم

فوائد كثرة شرب الماء

تُعدّ المياه أساس الحياة، وعنصرًا جوهريًا لا غنى عنه لاستمرار وظائف الجسم الحيوية بكفاءة. فالجسم البشري يتكوّن بنسبة تتجاوز 60% من الماء، ويعتمد على هذا العنصر الحيوي في جميع العمليات الحيوية، من نقل المغذيات، إلى التخلص من الفضلات، وتنظيم درجة الحرارة، ودعم وظائف الأعضاء المختلفة. إنّ كثرة شرب الماء لا تعني فقط تلبية الحاجة الأساسية اليومية، بل ترتبط ارتباطًا وثيقًا بتحسين الصحة العامة والوقاية من العديد من المشكلات الصحية.

في هذا المقال الموسّع، سيتم استعراض الأبعاد الصحية والعلمية والوظيفية لكثرة شرب الماء، وفقاً لأحدث ما توصلت إليه الدراسات في مجالات الطب، والتغذية، وعلم وظائف الأعضاء.

التوازن المائي وأهميته في الجسم

يحتاج الجسم إلى توازن دقيق بين ما يدخل إليه من سوائل وما يخرج، ليحافظ على استقراره الحيوي. عند كثرة شرب الماء، يُعزّز هذا التوازن، مما يساعد الجسم على أداء عملياته الحيوية بسلاسة. وتُساهم الكلى في تنظيم هذا التوازن، من خلال ترشيح الدم وإخراج الفائض من السوائل والأملاح والفضلات على شكل بول.

نقص الماء يؤدي إلى خلل في هذا التوازن، ويُجبر الجسم على اتخاذ إجراءات تعويضية مثل تقليل التعرق، وزيادة تركيز البول، مما يضع ضغطًا إضافيًا على الكلى والجهاز الدوري.

دعم وظائف الكلى والوقاية من الحصى

تُعدّ الكلى من أهم الأعضاء التي تستفيد من كثرة شرب الماء، إذ تعمل على ترشيح الفضلات والنفايات النيتروجينية مثل اليوريا وحمض اليوريك، وإخراجها عبر البول. وعند شرب كميات كافية من الماء، يصبح البول أكثر سيولة وأقل تركيزًا، مما يمنع تراكم المواد البلورية التي تشكّل الحصى الكلوية.

تشير العديد من الدراسات إلى أن الأشخاص الذين يشربون كميات وفيرة من الماء يوميًا أقل عرضة بنسبة تتجاوز 50% لتكوّن حصى الكلى مقارنةً بغيرهم.

تحسين صحة الجهاز الهضمي ومنع الإمساك

يساعد شرب الماء بكميات كافية على ترطيب جدران الأمعاء وتحفيز حركة الأمعاء الطبيعية، مما يمنع الإمساك، خاصة عند تناول الألياف الغذائية. فالماء يعمل مع الألياف كعامل مزدوج: الألياف تمتص الماء، وتنتفخ داخل الأمعاء، مما يسهل حركة البراز ويقلل من الضغط داخل القولون.

كما أن الماء يعزز إفراز العصارات الهضمية، ويُسهم في امتصاص المغذيات من الطعام، ويمنع الشعور بالحموضة الناتجة عن زيادة تركيز الأحماض في المعدة.

تعزيز الأداء البدني والرياضي

الجفاف حتى وإن كان بسيطًا، يؤثر سلبًا على القوة البدنية، والتحمل، والتركيز أثناء النشاط البدني. عندما يفقد الجسم 1-2% فقط من وزنه على شكل سوائل، تبدأ أعراض التعب والضعف العضلي في الظهور. كثرة شرب الماء، خاصة قبل وأثناء وبعد التمرينات الرياضية، يعيد ترطيب الخلايا، ويمنع ارتفاع حرارة الجسم، ويقلل من احتمالية التشنجات العضلية أو الإجهاد الحراري.

وقد أثبتت الدراسات أن الرياضيين الذين يلتزمون بجدول منتظم من شرب الماء يحققون أداء أفضل بنسبة تتراوح بين 5% إلى 15% مقارنة بمن يعانون من جفاف معتدل.

تنظيم حرارة الجسم

يعمل الماء كوسيلة تبريد طبيعية للجسم عبر عملية التعرق. فعندما ترتفع درجة حرارة الجسم، تقوم الغدد العرقية بإفراز العرق الذي يتبخر لاحقًا، مما يساهم في خفض درجة حرارة الجسم. شرب كميات كافية من الماء يساعد في تعويض السوائل المفقودة بالتعرق، ويمنع اضطرابات الحرارة مثل ضربة الشمس أو الإجهاد الحراري.

تحسين صحة البشرة ومظهرها

الترطيب الداخلي هو أحد أهم العوامل لصحة البشرة. شرب كميات وفيرة من الماء يساعد في ترطيب خلايا الجلد، ويحسن من مرونته، ويقلل من مظهر التجاعيد والخطوط الدقيقة، كما يُقلل من احتمالية ظهور حب الشباب أو الجفاف أو الاحمرار.

عند كثرة شرب الماء، يصبح تدفق الدم إلى الجلد أكثر كفاءة، مما يعزز من وصول المغذيات والأوكسجين إلى خلاياه، ويُساهم في طرد السموم والملوثات التي قد تتراكم في الأنسجة الجلدية.

دعم وظائف الدماغ والتركيز

الدماغ البشري يتكوّن من أكثر من 70% من الماء، وأي نقص طفيف في الترطيب يؤدي إلى تراجع في القدرات الإدراكية والمعرفية. وتشير الدراسات إلى أن الجفاف يُضعف التركيز، والذاكرة قصيرة المدى، وسرعة رد الفعل. كثرة شرب الماء تساعد في تحسين التروية الدموية للدماغ، وتزيد من مستويات الأوكسجين والطاقة المتوفرة له.

تقوية المناعة وتسريع التعافي

يساهم الماء في تعزيز الاستجابة المناعية للجسم، من خلال دوره في دعم إنتاج الخلايا المناعية، وطرد الفضلات والفيروسات والبكتيريا. كما أنّه يُسرّع من عملية الشفاء عند الإصابة بالأمراض أو الالتهابات، عبر دعم الدورة الدموية وتنشيط الأنسجة.

المساهمة في فقدان الوزن

شرب الماء قبل الوجبات يقلل الشهية، ويمنح الشعور بالامتلاء، مما يؤدي إلى تقليل كمية الطعام المُتناولة. بالإضافة إلى أن الجسم يحتاج إلى طاقة (سعرات حرارية) لتسخين الماء البارد، وهي عملية تُعرف باسم “التوليد الحراري”. كما يساعد الماء على تعزيز معدل الأيض (التمثيل الغذائي) مما يُسرّع من حرق الدهون.

الوقاية من التهابات المسالك البولية

شرب الماء بكثرة يُسهم في طرد البكتيريا من المسالك البولية عن طريق التبول المتكرر، ويُقلل من فرصة التصاق الجراثيم بجدران المثانة أو الإحليل. وتُعدّ هذه الممارسة خصوصًا مهمة عند النساء، حيث أن التهابات الجهاز البولي شائعة لديهن.

تحسين صحة القلب والأوعية الدموية

كثرة شرب الماء تقلل من لزوجة الدم، وتحسّن من سيولته، مما يُخفف العبء عن القلب عند ضخ الدم. كما أنّها تُقلّل من احتمالية تشكّل الجلطات، وتساعد في تنظيم ضغط الدم، من خلال تحسين توازن الشوارد مثل الصوديوم والبوتاسيوم.

ترطيب الفم والحلق وتقليل رائحة الفم الكريهة

يُساعد الماء على تحفيز إنتاج اللعاب الذي يحتوي على إنزيمات مضادة للبكتيريا. وعند نقص شرب الماء، ينخفض إفراز اللعاب، مما يسمح للبكتيريا بالتكاثر في الفم، وتكون النتيجة رائحة فم كريهة. كما أن شرب الماء يقلل من جفاف الحلق ويمنع تهيّج الأنسجة المخاطية.

جدول يوضّح تأثير كثرة شرب الماء على الأجهزة الحيوية:

الكمية المثلى لشرب الماء يومياً

تختلف احتياجات الماء اليومية حسب الوزن، النشاط البدني، والمناخ، لكن التوصيات العامة تشير إلى:

• الرجال: حوالي 3.7 لتر يوميًا (ما يعادل حوالي 15 كوب).

• النساء: حوالي 2.7 لتر يوميًا (ما يعادل حوالي 11 كوب).

وقد تزداد الحاجة في حالات ممارسة الرياضة، أو أثناء فترات الحر الشديد، أو في حالات الإسهال، القيء، أو الحمل والرضاعة.

محاذير الإفراط في شرب الماء

رغم الفوائد الكبيرة، إلا أن الإفراط في شرب الماء قد يؤدي في حالات نادرة إلى حالة تسمى “تسمم الماء” أو نقص الصوديوم في الدم، وهي حالة تؤدي إلى انخفاض تركيز الصوديوم بشكل خطر. تحدث غالبًا عند شرب كميات كبيرة جدًا خلال وقت قصير دون حاجة الجسم لها، خاصة لدى الرياضيين.

خاتمة علمية

كثرة شرب الماء هي إحدى أبسط العادات الصحية التي تُحدث فارقًا كبيرًا في وظائف الجسم، وصحة الأعضاء، والأداء العقلي والبدني. فالماء ليس فقط وسيلة لإرواء العطش، بل هو العمود الفقري لكل تفاعل كيميائي داخل الجسم. إدراك أهمية الترطيب المنتظم يعزز من الوعي الصحي، ويُساهم في بناء نمط حياة متوازن خالٍ من المضاعفات المرتبطة بالجفاف أو ضعف وظائف الأعضاء.

المراجع:

1. Popkin, B. M., D’Anci, K. E., & Rosenberg, I. H. (2010). Water, hydration, and health. Nutrition Reviews, 68(8), 439-458.

2. EFSA Panel on Dietetic Products, Nutrition and Allergies (NDA). (2010). Scientific Opinion on Dietary Reference Values for water. EFSA Journal, 8(3), 1459.