أسباب عدم زيادة الوزن

تُعد مشكلة عدم زيادة الوزن من القضايا الصحية والنفسية التي يعاني منها عدد كبير من الأفراد، خصوصًا من يعانون من النحافة الشديدة أو الذين يسعون إلى اكتساب وزن صحي لأسباب متعددة. على الرغم من أن زيادة الوزن قد تبدو مسألة بسيطة للبعض، إلا أن هناك العديد من العوامل المعقدة التي تؤثر على قدرة الجسم على تخزين الدهون وبناء العضلات. يستعرض هذا المقال بشكل مفصل أسباب عدم زيادة الوزن من الناحية البيولوجية والنفسية والبيئية، مع التركيز على التأثيرات المختلفة لكل سبب وكيفية التعامل معها.

تعريف مشكلة عدم زيادة الوزن

عدم زيادة الوزن أو النحافة المرضية هي الحالة التي يعاني فيها الفرد من انخفاض مستمر في الوزن أو عدم القدرة على زيادة الوزن رغم تناول كمية كافية من الطعام. يختلف تعريف النحافة حسب المؤشرات الصحية العالمية، حيث يعتبر مؤشر كتلة الجسم (BMI) أقل من 18.5 علامة على نقص الوزن. هذه الحالة قد تكون عرضًا لمشاكل صحية أخرى أو تعبيرًا عن خلل في التوازن الغذائي أو الأيض.

الأسباب الرئيسية لعدم زيادة الوزن

تتنوع أسباب عدم زيادة الوزن بين عوامل داخلية مرتبطة بالجسم وعوامل خارجية مرتبطة بالبيئة ونمط الحياة. فيما يلي استعراض تفصيلي لهذه الأسباب.

1. عوامل وراثية وجينية

تؤثر العوامل الوراثية بشكل كبير على طبيعة الجسم ومدى قدرة الفرد على زيادة الوزن. يحدد الجينوم البشري خصائص مثل سرعة الأيض، توزيع الدهون، كمية العضلات، وكذلك الشهية. بعض الأشخاص يمتلكون جينات تحفز عملية الأيض لديهم بشكل سريع جدًا، ما يؤدي إلى حرق السعرات الحرارية قبل أن تتحول إلى دهون أو عضلات.

كما أن بعض العائلات تشتهر بأجسام نحيلة ورشيقة بفعل عوامل وراثية، الأمر الذي يصعب تغييره دون تدخل طبي أو تغييرات غذائية كبيرة.

2. ارتفاع معدل الأيض

معدل الأيض أو معدل الحرق هو كمية السعرات الحرارية التي يحتاجها الجسم يوميًا للقيام بالوظائف الحيوية، مثل التنفس، والهضم، وحركة العضلات. إذا كان معدل الأيض مرتفعًا، فهذا يعني أن الجسم يحرق سعرات حرارية كثيرة حتى في حالة الراحة، مما يصعب معه تخزين السعرات الزائدة وتحويلها إلى وزن.

أسباب ارتفاع معدل الأيض تشمل العوامل الوراثية، النشاط البدني المكثف، وبعض الاضطرابات الهرمونية مثل فرط نشاط الغدة الدرقية.

3. اضطرابات هرمونية

تلعب الهرمونات دورًا محوريًا في تنظيم الوزن، حيث تؤثر على الشهية، تخزين الدهون، وتوزيعها، وكذلك على الكتلة العضلية. من أشهر الاضطرابات الهرمونية التي تؤدي إلى عدم زيادة الوزن:

• فرط نشاط الغدة الدرقية (Hyperthyroidism): حيث تزيد الغدة الدرقية من معدل الأيض، مما يؤدي إلى حرق سريع للطاقة وفقدان الوزن.

• مشاكل الغدة الكظرية: اضطرابات مثل مرض أديسون تؤثر على إفراز هرمونات الكورتيزول، والتي تؤثر بدورها على التمثيل الغذائي.

• اختلالات في هرمونات النمو: نقص هرمون النمو أو الهرمونات الجنسية يمكن أن يؤثر على بناء العضلات وزيادة الوزن.

4. مشاكل الجهاز الهضمي وامتصاص الطعام

يؤثر الجهاز الهضمي بشكل مباشر على مدى استفادة الجسم من الطعام، فإذا كان هناك خلل في هضم أو امتصاص العناصر الغذائية، يصبح من الصعب على الجسم الاستفادة الكاملة من السعرات التي يتناولها الفرد. من الأسباب المتعلقة بالجهاز الهضمي:

• أمراض التهاب الأمعاء: مثل مرض كرون أو التهاب القولون التقرحي، والتي تؤدي إلى سوء امتصاص المغذيات.

• حساسية الطعام أو عدم تحمل اللاكتوز: تسبب اضطرابات هضمية مزمنة، تؤثر على امتصاص العناصر الغذائية.

• الطفيليات المعوية: تسبب خسارة مستمرة في العناصر الغذائية.

• عدم انتظام حركة الأمعاء: قد يؤثر سلبًا على فعالية الهضم.

5. سوء التغذية وعدم توازن النظام الغذائي

رغم تناول كميات من الطعام، إلا أن سوء اختيار نوعية الطعام وعدم التوازن بين البروتينات، الدهون، والكربوهيدرات قد يؤدي إلى عدم اكتساب الوزن. تناول أطعمة فقيرة بالسعرات أو ذات قيمة غذائية منخفضة، يؤدي إلى استهلاك السعرات فقط دون فائدة لبناء العضلات أو تخزين الدهون الصحية.

• نقص البروتينات الضرورية لبناء الأنسجة العضلية.

• قلة الدهون الصحية مثل أحماض الأوميغا 3 و6 التي تلعب دورًا في زيادة الوزن.

• تناول كميات كبيرة من السكريات البسيطة بدون عناصر مغذية.

6. النشاط البدني المكثف

الأشخاص الذين يمارسون تمارين رياضية مكثفة أو يعملون في مهن تتطلب مجهودًا بدنيًا مستمرًا قد يحرقون سعرات حرارية أكثر مما يتناولون، وهذا يمنع زيادة الوزن. التمارين الرياضية مفيدة لصحة الجسم، لكنها إذا لم تترافق مع تغذية مناسبة فإنها تؤدي إلى نقص الوزن.

7. عوامل نفسية وذهنية

تلعب الحالة النفسية دورًا بارزًا في تنظيم الشهية، وقد تؤدي اضطرابات مثل القلق، الاكتئاب، أو اضطرابات الأكل إلى فقدان الشهية وعدم الرغبة في تناول الطعام. بالإضافة إلى ذلك، قد تؤثر ضغوط الحياة والتوترات اليومية على كيمياء الدماغ، ما ينعكس على نظام التمثيل الغذائي والوزن.

• اضطرابات الأكل: مثل فقدان الشهية العصبي أو البوليميا تؤدي إلى فقدان الوزن الشديد.

• الاكتئاب: يصاحبه غالبًا فقدان شهية وانخفاض في الوزن.

• الضغط النفسي المزمن: يزيد من إفراز هرمونات الكورتيزول، التي قد تؤدي إلى تراجع الوزن أحيانًا.

8. العادات الحياتية السيئة

تشمل العادات الغذائية السيئة مثل تناول وجبات غير منتظمة، تخطي وجبات الطعام، تناول كميات كبيرة من الكافيين أو المشروبات الغازية، إضافة إلى قلة النوم والتدخين. جميع هذه العوامل تؤثر على التمثيل الغذائي والقدرة على زيادة الوزن.

• التدخين: يؤدي إلى تقليل الشهية وتسريع معدل الأيض.

• قلة النوم: تؤثر على إفراز هرمونات تنظيم الشهية.

• تناول الكحول: قد يؤدي إلى سوء امتصاص الفيتامينات والمعادن الضرورية.

9. الأمراض المزمنة

الأمراض المزمنة التي تصاحبها فقدان في الوزن من أعراضها، مثل السرطان، أمراض القلب، مرض السل، والالتهابات المزمنة. في هذه الحالات، يعاني الجسم من استهلاك زائد للطاقة أو من صعوبة في امتصاص المغذيات.

تأثيرات عدم زيادة الوزن على الصحة العامة

يؤدي نقص الوزن أو عدم زيادة الوزن إلى تأثيرات صحية عدة، منها:

• ضعف المناعة، مما يجعل الجسم أكثر عرضة للأمراض والالتهابات.

• ضعف العضلات والهزال، ما يؤدي إلى انخفاض في القدرة على القيام بالأنشطة اليومية.

• اضطرابات في الدورة الشهرية عند النساء.

• مشاكل في العظام مثل هشاشة العظام بسبب نقص الفيتامينات والمعادن.

• اضطرابات في الجهاز التنفسي والقلب.

علاج مشكلة عدم زيادة الوزن

يتطلب علاج عدم زيادة الوزن فهم السبب الجذري للمشكلة، ثم تطبيق خطة متكاملة تشمل التغذية، تعديل نمط الحياة، والعلاج الطبي إن لزم الأمر.

1. التقييم الطبي الشامل

الفحص الطبي ضروري لاستبعاد وجود أمراض أو اضطرابات هرمونية أو هضمية. يشمل ذلك:

• فحص الغدة الدرقية.

• تحاليل دم شاملة.

• تقييم الجهاز الهضمي.

• تقييم الحالة النفسية.

2. تحسين النظام الغذائي

يجب أن يكون النظام الغذائي غنيًا بالسعرات الحرارية مع التركيز على جودة الطعام وليس فقط كميته. يفضل اتباع الآتي:

• تناول وجبات صغيرة متعددة في اليوم.

• زيادة تناول البروتينات لبناء العضلات.

• إدخال الدهون الصحية مثل زيت الزيتون، الأفوكادو، والمكسرات.

• تناول الكربوهيدرات المعقدة مثل الحبوب الكاملة.

• تجنب السكريات البسيطة والأطعمة المصنعة.

3. التمارين الرياضية المناسبة

ممارسة التمارين المقاومة مثل رفع الأثقال تساعد على بناء العضلات وزيادة الوزن الصحي. يجب أن تكون التمارين متوازنة مع تغذية مناسبة لدعم النمو العضلي.

4. تعديل العادات الحياتية

• الالتزام بجدول نوم منتظم وكافٍ.

• تقليل التوتر والضغط النفسي من خلال تقنيات الاسترخاء.

• الإقلاع عن التدخين والكحول.

5. الدعم النفسي والعلاج السلوكي

في حالات اضطرابات الأكل أو الاكتئاب، يحتاج الشخص إلى دعم نفسي متخصص وعلاج سلوكي للتغلب على المشكلات النفسية المرتبطة بالنحافة.

جدول يوضح مقارنة بين الأسباب المختلفة لعدم زيادة الوزن وتأثيراتها

خلاصة

عدم زيادة الوزن هو حالة معقدة ترتبط بتفاعل عوامل متعددة من الجينات، الهرمونات، النظام الغذائي، والحالة النفسية. يتطلب التعامل معها فهمًا دقيقًا لكل سبب وتطبيق خطة شاملة تجمع بين التغذية السليمة، التمارين الرياضية، العناية النفسية، والعلاج الطبي في بعض الحالات. الإهمال في علاج هذه المشكلة قد يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة تؤثر على جودة الحياة. لذلك، يجب توجيه الاهتمام الكامل لهذه المشكلة للتمكن من تحقيق وزن صحي ومتوازن يحسن من أداء الجسم وحالته العامة.

المصادر والمراجع

• Mayo Clinic. (2023). “Underweight: Causes and treatment.”

• Harvard Health Publishing. (2022). “Why can’t I gain weight?”

المصدران أعلاه يعدان من المراجع الطبية الموثوقة التي تستند إلى أحدث الدراسات العلمية في مجال السمنة والنحافة.