أسباب عدم السمنة

عنوان المقال: أسباب عدم السمنة

مقدمة

تعد السمنة من أكثر المشكلات الصحية شيوعًا في العصر الحديث، وتُعتبر مؤشراً على اختلال في نمط الحياة أو النظام الغذائي. ومع ذلك، فإن بعض الأفراد يعانون من النقيض تمامًا، حيث يواجهون صعوبة في اكتساب الوزن أو الحفاظ عليه، ويعيشون حالة تُعرف طبيًا باسم “نقص الوزن” أو “عدم السمنة المزمن”. قد يبدو الأمر محطّ حسد في بعض الأوساط، إلا أن عدم السمنة قد يخفي وراءه مجموعة من الأسباب المعقدة، بعضها عضوي، وبعضها نفسي أو وراثي. هذا المقال يستعرض الأسباب الشائعة لعدم السمنة بطريقة مفصلة، علمية، وموسعة، مع التركيز على الجوانب الفسيولوجية، والغذائية، والنفسية، والوراثية والهرمونية، بالإضافة إلى العوامل البيئية التي قد تؤدي إلى هذه الحالة.

أولاً: الأسباب الوراثية والجينية

تلعب العوامل الوراثية دورًا جوهريًا في تحديد وزن الجسم. بعض الأفراد يولدون بتركيبة جينية تمنحهم معدل تمثيل غذائي (أيض) مرتفع بطبيعته، مما يؤدي إلى حرق السعرات الحرارية بسرعة كبيرة حتى في حالة الراحة. وقد أشارت عدة دراسات إلى أن بعض الطفرات الجينية في المستقبلات المسؤولة عن تنظيم الشهية (مثل جين MC4R) قد تؤدي إلى فقدان الشهية المزمن أو سرعة التمثيل الغذائي، مما يعيق زيادة الوزن.

وفي العائلات التي يظهر فيها هذا النمط بين أكثر من فرد، غالبًا ما يكون السبب جينيًا وليس سلوكيًا، ويظهر بوضوح منذ الطفولة، بحيث لا يستطيع الطفل زيادة وزنه رغم تناوله الطعام بشكل طبيعي.

ثانيًا: فرط النشاط الأيضي (Metabolic Overdrive)

يعاني بعض الأشخاص من تسارع شديد في العمليات الأيضية (التمثيل الغذائي)، مما يؤدي إلى حرق مستمر وسريع للطاقة والسعرات الحرارية. هذه الحالة يمكن أن تكون نتيجة لعوامل جينية أو أسباب فسيولوجية مثل فرط نشاط الغدة الدرقية.

ومن المؤشرات الدالة على ذلك:

• التعرق الزائد.

• تسارع نبضات القلب.

• الشعور الدائم بالجوع دون زيادة في الوزن.

• فقدان الوزن رغم تناول كميات كبيرة من الطعام.

في حالات كهذه، لا يستطيع الجسم تخزين الدهون أو البروتينات في الأنسجة بالشكل الكافي، مما يؤدي إلى البقاء ضمن نطاق الوزن المنخفض أو عدم السمنة.

ثالثًا: فرط نشاط الغدة الدرقية (Hyperthyroidism)

من أبرز الأسباب الطبية التي تؤدي إلى نقص الوزن أو صعوبة اكتسابه. تنتج الغدة الدرقية هرمونات تنظم عملية الأيض، وعندما تزيد نسبة هذه الهرمونات، يحدث تسارع كبير في استهلاك الطاقة مما يعرقل تراكم الدهون.

تشمل أعراض فرط نشاط الغدة الدرقية:

• فقدان الوزن رغم تناول الطعام.

• رعشة في اليدين.

• العصبية والقلق المفرط.

• اضطرابات النوم.

• تسارع نبضات القلب.

وغالبًا ما يتم علاج هذه الحالة عن طريق أدوية تُبطئ من نشاط الغدة أو من خلال الجراحة أو اليود المشع.

رابعًا: مشاكل في الجهاز الهضمي وسوء الامتصاص

تشمل هذه الفئة من الأسباب اضطرابات الجهاز الهضمي التي تُعيق امتصاص الجسم للعناصر الغذائية من الطعام، حتى لو كان تناوله بكمية كافية.

أبرز هذه الاضطرابات:

• الداء الزلاقي (Celiac Disease): يؤدي إلى تحسس من مادة الغلوتين الموجودة في القمح، مما يسبب التهاباً في الأمعاء الدقيقة وسوء امتصاص.

• متلازمة القولون العصبي (IBS): ترافقها أعراض مثل الإسهال المزمن والتقلصات، ما يعوق امتصاص المغذيات.

• مرض كرون والتهاب القولون التقرحي: من أمراض الأمعاء الالتهابية التي تؤثر على البطانة المعوية وتُسبب نقصًا في الوزن.

• الطفيليات المعوية: تسبب في بعض الحالات استهلاك العناصر الغذائية قبل أن يتم امتصاصها بشكل سليم.

النتيجة في كل هذه الحالات هي عدم استفادة الجسم من الطعام بشكل كافٍ، ما يؤدي إلى بقاء الشخص في حالة نقص وزن أو عدم سمنة دائمة.

خامسًا: العوامل النفسية والعاطفية

تلعب الصحة النفسية دورًا مهمًا في شهية الإنسان وسلوكياته الغذائية. وتشمل الحالات التي تؤثر على الوزن بشكل مباشر ما يلي:

1. الاكتئاب:

قد يؤدي إلى فقدان الشهية والنفور من الطعام، وبالتالي إلى انخفاض الوزن.

2. القلق المزمن:

يرافقه في الغالب اضطرابات في الجهاز الهضمي وشهية مضطربة، وقد يدفع البعض نحو الإفراط في الحركة أو النشاط، مما يرفع معدل الحرق.

3. اضطرابات الأكل:

مثل فقدان الشهية العصبي (Anorexia Nervosa) والنهام العصبي (Bulimia)، وتؤدي إلى فقدان الوزن الحاد والمزمن، وتحتاج إلى تدخل علاجي نفسي متخصص.

سادسًا: العوامل السلوكية ونمط الحياة

لا يمكن تجاهل سلوكيات الحياة اليومية والعادات الغذائية والنشاط البدني في تفسير عدم السمنة:

• الإفراط في النشاط البدني: مثل التمارين الرياضية المكثفة أو العمل البدني المتواصل.

• عدم الانتظام في مواعيد الأكل.

• اتباع أنظمة غذائية فقيرة بالسعرات دون وعي.

• الاعتماد على الأطعمة منخفضة الكثافة الحرارية مثل الخضروات والفواكه فقط.

• نمط الحياة السريع: كثيرًا ما يؤدي إلى تخطي الوجبات أو عدم تناول كمية كافية من الطعام.

هذه العوامل، مجتمعة أو منفردة، تخلق فجوة بين السعرات الحرارية المستهلكة والمستخدمة، وتُبقي الجسم في حالة عدم السمنة.

سابعًا: استخدام بعض الأدوية والعلاجات

تُسبب بعض الأدوية انخفاضاً في الشهية أو زيادة في معدلات الحرق، مما يؤدي إلى صعوبة في اكتساب الوزن. تشمل هذه الأدوية:

• أدوية فرط الحركة وتشتت الانتباه (مثل الأمفيتامينات).

• بعض أدوية الاكتئاب.

• أدوية السرطان والعلاج الكيميائي.

• أدوية الغدة الدرقية.

• أدوية السكري مثل “الميتفورمين”.

كما أن العلاجات الإشعاعية والكيميائية المرتبطة بالسرطان تسبب غالبًا فقدان الشهية والغثيان المستمر، ما يؤدي إلى انخفاض الوزن.

ثامنًا: الأمراض المزمنة والمستعصية

تُعد الأمراض المزمنة أحد العوامل الجوهرية المسببة لعدم السمنة:

• السكري النوع الأول: قد يُسبب فقدان الوزن رغم كثرة الطعام.

• السرطان: يرافقه في أغلب الأحيان انخفاض في الشهية وفقدان للوزن نتيجة لاستهلاك الورم لاحتياطات الطاقة.

• أمراض القلب والرئة المتقدمة: تؤثر على معدل الطاقة والشهية.

• الفشل الكلوي أو الكبدي: يؤثر على عملية الأيض والتخلص من الفضلات مما ينعكس سلبًا على الوزن.

تاسعًا: التقدم في السن أو النمو

في بعض مراحل الحياة، لا يكون الجسم مهيأ لتخزين الدهون بسهولة، مثل مرحلة المراهقة أو الشيخوخة:

• في سن المراهقة، يرتفع مستوى النمو والاحتياج للطاقة، مما يجعل معدل الحرق مرتفعًا جدًا.

• في سن الشيخوخة، تنخفض الشهية نتيجة لتغيرات في الجهاز العصبي والهرمونات.

عاشرًا: جدول ملخص للعوامل المؤثرة في عدم السمنة

الخاتمة

عدم السمنة أو النحافة المفرطة ليست دائمًا نعمة كما قد يتصور البعض، بل يمكن أن تكون عرضًا لحالة صحية كامنة تتطلب تشخيصًا دقيقًا وتدخلاً علاجياً متعدد الأبعاد. التشخيص المبكر والعناية المتخصصة يمكن أن يغيرا بشكل جذري من الحالة الصحية والنفسية للفرد. لذلك، فإن الفهم الشامل لأسباب عدم السمنة، سواء كانت جسدية أو نفسية أو بيئية، هو الخطوة الأولى نحو الوصول إلى توازن صحي حقيقي.

المراجع:

1. Mayo Clinic – https://www.mayoclinic.org

2. National Institutes of Health (NIH) – https://www.nih.gov