لماذا يلجأ بعض الأطفال إلى العض؟
يعد سلوك العض لدى الأطفال من الظواهر التي قد تثير القلق لدى الآباء والمربين، رغم أنها ظاهرة شائعة في مرحلة الطفولة المبكرة. تتراوح أسباب اللجوء إلى العض بين دافع نفسي وفسيولوجي واجتماعي، ويعتبر هذا السلوك أداة للتواصل لدى بعض الأطفال، بينما يكون لدى آخرين بمثابة رد فعل للتوتر أو الضغط. في هذا المقال، سنستعرض الأسباب المختلفة التي تدفع الأطفال إلى العض وكيفية التعامل مع هذه الظاهرة بشكل إيجابي.
1. التطور النفسي والعاطفي للأطفال
من الضروري أن نفهم أن سلوك العض هو جزء من تطور الطفل النفسي والعاطفي. في مراحل مبكرة من الحياة، لا يستطيع الطفل التعبير عن مشاعره بالكلمات كما يفعل البالغون. في هذه الفترة، تعتبر الحواس مثل اللمس والعض من الوسائل البدائية التي يستخدمها الطفل للتواصل مع من حوله. في الواقع، غالبًا ما يبدأ الأطفال في العض عندما لا يكون لديهم القدرة على التعبير عن أنفسهم لفظيًا.
في مرحلة الرضاعة، يبدأ الأطفال في استكشاف بيئتهم من خلال الفم، وهو أمر طبيعي يتماشى مع نموهم الجسدي. كما أن الأطفال في مرحلة الحبو والمشي لا يزالون غير قادرين على التحكم بشكل كامل في مشاعرهم، مثل الغضب أو الإحباط، ما يجعل العض أداة تعبير مناسبة لديهم.
2. التعبير عن المشاعر والاحتياجات
أحيانًا يلجأ الأطفال إلى العض كطريقة للتعبير عن مشاعرهم التي لا يستطيعون التحكم فيها أو التعبير عنها بالكلمات. يشعر بعض الأطفال بالإحباط أو الغضب عندما لا يحصلون على ما يريدون، أو عندما يشعرون بأنهم غير قادرين على التواصل مع الآخرين. في هذه الحالات، يكون العض بمثابة رد فعل مباشر للتوتر أو الخوف أو الإحباط.
كما أن الأطفال قد يعبرون عن رغبتهم في الانتباه من خلال العض. على سبيل المثال، يمكن أن يكون العض بمثابة وسيلة لجذب انتباه الشخص البالغ أو الطفل الآخر. يعكس هذا السلوك عدم قدرة الطفل على التواصل بلغة أكثر وضوحًا في تلك اللحظة.
3. التطور الاجتماعي والتفاعل مع الآخرين
عندما يبدأ الأطفال في التفاعل مع الآخرين، خاصة في أماكن مثل الحضانة أو عند اللعب مع أطفال آخرين، فإنهم يختبرون لأول مرة كيفية التواصل الاجتماعي. في بعض الأحيان، قد يلاحظ الطفل أن العض يعيد له الانتباه أو قد يراه طريقة للسيطرة على الوضع أو لحماية نفسه من طفل آخر. تزداد هذه الظاهرة في بيئات اللعب حيث تكثر التفاعلات الاجتماعية وقد يتعلم الطفل من هذه المواقف السلوكيات الاجتماعية المختلفة.
في هذا السياق، يمكن أن يكون العض أيضًا نتيجة للمنافسة على الألعاب أو الاهتمام بين الأطفال. كما أن بعض الأطفال قد يعضون عند شعورهم بالخوف أو عندما يحاولون فرض سلطتهم على الآخرين، خاصة إذا شعروا أن حدودهم الشخصية قد تم تجاوزها.
4. التأثيرات البيئية والعائلية
لا شك أن البيئة المحيطة بالطفل تلعب دورًا مهمًا في تشكيل سلوكياته. الأطفال الذين نشأوا في بيئات تشهد الكثير من التوتر أو العنف قد يظهرون سلوكيات عدوانية مثل العض، خاصة إذا كانوا يشهدون استخدام العنف أو العدوان من قبل الأشخاص الذين يحتكون بهم بشكل يومي. في بعض الأحيان، يمكن أن تكون العض نتيجة لتعلم سلوكيات غير صحية من أفراد الأسرة أو الأقران.
من جهة أخرى، إذا لم يحصل الطفل على الاهتمام الكافي من الوالدين أو الأشخاص القريبين منه، قد يحاول جذب انتباههم من خلال سلوكيات مفرطة مثل العض. هذا السلوك يمكن أن يكون بمثابة وسيلة لتحقيق تفاعل سريع حتى ولو كان من خلال أسلوب عدواني.
5. نقص المهارات اللغوية
يميل الأطفال الذين لا يمتلكون مهارات لغوية قوية إلى استخدام البدائل غير اللفظية للتعبير عن مشاعرهم أو تلبية احتياجاتهم. إذا كان الطفل في مرحلة لا يستطيع فيها التعبير بالكلمات عن رغباته أو مشاعره، فقد يلجأ إلى العض كبديل. الأطفال الذين يبدأون في استخدام الكلمات والجمل عادة ما يتوقفون عن سلوك العض مع تطور مهاراتهم اللغوية.
إلى جانب ذلك، الأطفال الذين يعانون من تأخر في النطق أو الذين يجدون صعوبة في التواصل مع من حولهم، قد يلجؤون إلى العض كطريقة بديلة للتعبير عن أنفسهم. من المهم أن يكون الآباء والمربون مدركين لهذا الأمر وأن يساعدوا الأطفال على تطوير مهاراتهم اللغوية بطريقة إيجابية.
6. المراحل المبكرة من التسنين
مرحلة التسنين هي مرحلة حساسة للغاية في حياة الطفل وقد تؤدي إلى ظهور سلوكيات جديدة، مثل العض. خلال هذه الفترة، يعاني الطفل من ألم في اللثة بسبب بزوغ الأسنان، وبالتالي قد يلجأ إلى العض كطريقة للتخفيف من هذا الألم. في هذا السياق، قد يعض الطفل الأشياء أو الأشخاص كوسيلة للضغط على اللثة وتهدئة الشعور بعدم الراحة.
إذا كان الطفل في مرحلة التسنين، فقد يكون العض غير متعمد، ويجب على الوالدين أن يتحلوا بالصبر ويفهموا أن هذا السلوك جزء طبيعي من النمو.
7. كيفية التعامل مع سلوك العض
معرفة أسباب العض تساعد الآباء والمربين على التعامل مع هذه الظاهرة بشكل مناسب. هناك العديد من الطرق التي يمكن من خلالها التعامل مع سلوك العض وتعليمه طرقًا أكثر ملائمة للتواصل:
أ. توفير وسائل بديلة للتعبير
يجب تعليم الطفل وسائل أخرى للتعبير عن مشاعره. عندما يشعر بالغضب أو الإحباط، يمكن تدريب الطفل على استخدام الكلمات أو الإيماءات أو حتى التقنيات البسيطة مثل التنفس العميق. كلما تمكن الطفل من التعبير عن نفسه بشكل أفضل، قل احتمال اللجوء إلى العض.
ب. تعزيز السلوك الإيجابي
يجب تشجيع السلوكيات الإيجابية لدى الطفل من خلال مكافأته عندما يعبر عن نفسه بشكل مناسب أو يتفاعل بطريقة سلمية مع الآخرين. كلما شعر الطفل بأنه يتم تقديره بشكل إيجابي، قل احتمال اللجوء إلى السلوكيات العدوانية مثل العض.
ج. تحديد العواقب بوضوح
عندما يظهر الطفل سلوك العض، من المهم أن يتم تحديد العواقب بوضوح. لا ينبغي استخدام العنف أو العقاب القاسي، بل يجب شرح له أن العض غير مقبول وأنه يسبب ألمًا للآخرين. يعزز هذا الفهم الوعي لدى الطفل بمشاعر الآخرين ويشجعه على تعديل سلوكه.
د. استشارة أخصائي إذا لزم الأمر
في بعض الحالات، قد يكون العض علامة على مشكلات أعمق مثل القلق أو الاضطرابات العاطفية. في مثل هذه الحالات، من الأفضل استشارة مختص في التربية أو أخصائي نفسي لمساعدتهم في فهم الأسباب العميقة لسلوك العض وتقديم استراتيجيات تربوية مناسبة.
خاتمة
يعد سلوك العض جزءًا من عملية النمو الطبيعية للأطفال، حيث قد يكون ناتجًا عن العديد من العوامل النفسية والعاطفية والاجتماعية. من خلال الفهم العميق لهذه الأسباب، يمكن للآباء والمربين اتخاذ الخطوات المناسبة للتعامل مع هذا السلوك بشكل إيجابي ومفيد. يحتاج الأطفال إلى بيئة داعمة تساعدهم على التعبير عن أنفسهم بطرق ملائمة وتعلم وسائل جديدة للتواصل.
