أسباب زيادة الوزن

زيادة الوزن تُعد من القضايا الصحية المنتشرة على نطاق واسع في العصر الحديث، وهي ظاهرة معقدة تتداخل فيها العديد من العوامل البيولوجية، والنفسية، والاجتماعية، والبيئية. لا يمكن حصر سبب زيادة الوزن في عامل واحد فقط، بل هي نتيجة تراكمية لمجموعة من السلوكيات اليومية والعوامل الوراثية والهرمونية التي تتفاعل مع البيئة المحيطة لتؤدي إلى اختلال التوازن بين السعرات الحرارية المستهلكة والسعرات الحرارية المحروقة.

خلل التوازن بين الطاقة المستهلكة والمصروفة

السبب الأساسي والأكثر شيوعاً لزيادة الوزن هو اختلال التوازن بين كمية السعرات الحرارية التي يتناولها الشخص وبين السعرات الحرارية التي يحرقها الجسم خلال النشاط اليومي والعمليات الحيوية. عندما يتناول الشخص سعرات حرارية تفوق احتياجات جسمه، يتم تخزين الفائض على هيئة دهون في مختلف أنحاء الجسم.

النظام الغذائي الغني بالسعرات الفارغة

الأنظمة الغذائية الحديثة التي تعتمد على الوجبات السريعة والمشروبات الغازية والسكريات المكررة والدهون المهدرجة تلعب دوراً رئيسياً في زيادة الوزن. هذه الأنواع من الأطعمة غالباً ما تكون ذات كثافة حرارية مرتفعة وفقيرة بالعناصر الغذائية المفيدة مثل الألياف والفيتامينات والمعادن. تناول كميات كبيرة من هذه الأطعمة يسهم في استهلاك كميات هائلة من السعرات الحرارية دون الشعور بالشبع الحقيقي، مما يؤدي إلى الإفراط في الأكل وزيادة الوزن بشكل تدريجي.

العوامل الوراثية

تلعب العوامل الوراثية دوراً لا يُستهان به في تحديد قابلية الشخص لزيادة الوزن. الأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي من السمنة يكونون أكثر عرضة لاكتساب الوزن بسرعة مقارنة بالأشخاص الذين لا يحملون هذه الجينات. تؤثر العوامل الوراثية على سرعة التمثيل الغذائي، وتوزيع الدهون في الجسم، وشهية الشخص للطعام، بل وحتى استجابة الجسم للتمارين الرياضية.

العوامل الهرمونية

الاضطرابات الهرمونية من الأسباب الهامة التي قد تؤدي إلى زيادة الوزن، مثل اضطراب الغدة الدرقية (قصور الغدة الدرقية) الذي يتسبب في تباطؤ عمليات الأيض وحرق الدهون. كما أن متلازمة تكيس المبايض عند النساء تسبب خللاً هرمونياً يؤدي إلى زيادة الوزن، خصوصاً في منطقة البطن. هرمون الكورتيزول المرتبط بالتوتر يلعب دوراً كذلك في تراكم الدهون، حيث أن المستويات المرتفعة من الكورتيزول تحفز الجسم لتخزين الدهون.

قلة النشاط البدني

أسلوب الحياة الخامل الذي يتميز بقلة الحركة وعدم ممارسة التمارين الرياضية يعد من أهم العوامل التي تسهم في زيادة الوزن. قضاء ساعات طويلة أمام شاشات التلفاز والحاسوب والهاتف المحمول بدون نشاط بدني يساهم في تقليل استهلاك الطاقة وبالتالي تراكم الدهون. النشاط البدني المنتظم ضروري للحفاظ على وزن صحي، لأنه يساعد على زيادة معدلات الحرق، ويحسن من التوازن الهرموني، ويقلل من فرص تراكم الدهون.

العوامل النفسية والعاطفية

العديد من الأشخاص يعانون من اضطرابات نفسية تؤثر بشكل مباشر على عاداتهم الغذائية. التوتر، والقلق، والاكتئاب قد يدفع البعض إلى تناول كميات كبيرة من الطعام كوسيلة للهروب أو التخفيف من الضغوط النفسية، وهي حالة تُعرف بالأكل العاطفي. يؤدي ذلك إلى استهلاك سعرات حرارية زائدة عن الحاجة دون إدراك حقيقي بالجوع الفعلي. كذلك، بعض الأشخاص يعانون من اضطرابات الأكل مثل الشره المرضي (البوليما) الذي يؤدي إلى نوبات من الأكل المفرط.

تأثير الأدوية

توجد العديد من الأدوية التي قد تسبب زيادة الوزن كأثر جانبي، من أبرزها مضادات الاكتئاب، وأدوية السكري، وأدوية ارتفاع ضغط الدم، وبعض أنواع الأدوية الهرمونية مثل حبوب منع الحمل. تؤثر هذه الأدوية إما على التمثيل الغذائي أو الشهية أو توازن السوائل في الجسم مما يسهم في زيادة الوزن.

قلة النوم واضطراب الإيقاع البيولوجي

النوم له تأثير كبير على تنظيم الوزن. الأشخاص الذين يعانون من قلة النوم المزمنة يكونون أكثر عرضة لزيادة الوزن بسبب اضطراب هرمونات الجوع والشبع. عند الحرمان من النوم، يزيد هرمون الجريلين المسؤول عن الشعور بالجوع بينما ينخفض هرمون اللبتين المسؤول عن الإحساس بالشبع. كما أن السهر وقلة النوم قد يدفعان الشخص إلى تناول وجبات إضافية ليلاً ذات محتوى حراري مرتفع.

التقدم في العمر

مع التقدم في السن، ينخفض معدل الأيض الأساسي، وتتناقص الكتلة العضلية التي تساعد في حرق الدهون، بينما يزيد تراكم الدهون، خصوصاً إذا لم يتم تعديل النظام الغذائي وممارسة التمارين الرياضية بانتظام. لذلك يُلاحظ أن العديد من الأشخاص يكتسبون وزناً إضافياً مع تقدمهم في العمر حتى وإن لم يغيروا نمط أكلهم.

العوامل الاجتماعية والبيئية

البيئة التي يعيش فيها الشخص قد تؤثر على وزنه. سهولة الحصول على الأطعمة السريعة وقلة المساحات المخصصة لممارسة الرياضة تلعب دوراً في زيادة معدلات السمنة. كذلك فإن العادات الاجتماعية مثل تناول الطعام أثناء مشاهدة التلفاز أو تناول الطعام بشكل جماعي بكميات كبيرة قد تؤدي إلى استهلاك سعرات حرارية زائدة دون وعي.

الحمل وتغيرات الجسم

فترة الحمل تُعد من الفترات التي يكتسب فيها الجسم وزناً إضافياً بشكل طبيعي لدعم نمو الجنين. إلا أن بعض النساء يكتسبن وزناً مفرطاً أثناء الحمل بسبب تناول كميات مفرطة من الطعام أو قلة النشاط البدني. كما أن التغيرات الهرمونية خلال هذه المرحلة قد تساهم في زيادة الوزن، وإذا لم يتم التعامل معها بطريقة صحية بعد الولادة قد يستمر الوزن الزائد لفترات طويلة.

اضطرابات التمثيل الغذائي

بعض الأشخاص يعانون من مشكلات مزمنة في التمثيل الغذائي تجعل أجسامهم أقل قدرة على حرق الدهون. من هذه الاضطرابات ما يُعرف بمقاومة الإنسولين، حيث تصبح خلايا الجسم أقل حساسية للإنسولين مما يؤدي إلى زيادة مستويات السكر في الدم وتخزين المزيد من الدهون. كذلك توجد بعض الحالات مثل متلازمة الأيض التي تترافق مع زيادة محيط الخصر وارتفاع ضغط الدم واضطراب مستويات الدهون في الدم.

الجدول التالي يوضح العلاقة بين بعض العوامل وأثرها المباشر على زيادة الوزن:

التأثير التراكمي للعوامل

ما يميز زيادة الوزن هو أن هذه العوامل لا تعمل غالباً بمعزل عن بعضها، بل تتداخل وتتراكم لتؤدي إلى تفاقم المشكلة. على سبيل المثال، قد يؤدي التوتر النفسي إلى قلة النوم، مما يزيد من الشهية للأطعمة الغنية بالسكريات والدهون، خاصة إذا كان الشخص يتناول أدوية تؤثر على وزنه أو يعاني من استعداد وراثي لزيادة الوزن. كذلك، البيئة المحيطة التي تشجع على تناول الأطعمة غير الصحية وتقل فيها فرص الحركة تسهم في تعزيز هذه الدائرة.

الوقاية وإدارة زيادة الوزن

فهم الأسباب المتعددة لزيادة الوزن يمثل الخطوة الأولى نحو الوقاية منها أو معالجتها بشكل فعال. التوازن الغذائي، وممارسة الرياضة بانتظام، والنوم الكافي، وإدارة التوتر النفسي تعتبر من العوامل الحاسمة في التحكم في الوزن. كذلك، في بعض الحالات قد يكون من الضروري استشارة الطبيب للتحقق من وجود اضطرابات هرمونية أو تأثيرات دوائية تحتاج إلى معالجة طبية دقيقة.

المصادر

• منظمة الصحة العالمية. Obesity and Overweight

• Mayo Clinic. Weight gain: Causes and treatments