أسباب حرقة اللسان

حرقة اللسان أو متلازمة اللسان المحترق (Burning Mouth Syndrome – BMS) هي حالة شائعة تسبب شعورًا مزعجًا أو مؤلمًا في اللسان أو داخل الفم بشكل عام، وغالبًا ما تصاحبها أعراض مثل الحكة، الجفاف، والطعم الغريب. هذا الشعور قد يكون مستمرًا أو متقطعًا، وقد يتفاوت في شدته من خفيف إلى شديد، مما يؤثر على جودة الحياة اليومية للشخص المصاب.

تعد أسباب حرقة اللسان متعددة ومعقدة، حيث تتداخل عوامل جسدية ونفسية وبيئية، وتختلف باختلاف الحالات والأشخاص. فيما يلي تفصيل موسع لأهم وأشهر أسباب حرقة اللسان، مع شرح علمي لكل منها.

1. العوامل العصبية والاضطرابات العصبية

تعتبر اضطرابات الأعصاب من أكثر الأسباب شيوعًا لحرقة اللسان. الأعصاب التي تتحكم في الإحساس في الفم، مثل العصب اللساني (Lingual nerve) والعصب ثلاثي التوائم (Trigeminal nerve)، قد تتعرض لضرر أو خلل يؤدي إلى الشعور بالحرقة.

• الألم العصبي المحيطي: تلف الأعصاب المحيطية التي تصل إلى اللسان والفم، سواء بسبب إصابة ميكانيكية (كالجراحة أو الضربات) أو بسبب أمراض مزمنة مثل السكري، يؤدي إلى شعور بالحرقان.

• الاعتلال العصبي المركزي: مشاكل في الجهاز العصبي المركزي (المخ أو النخاع الشوكي) قد تسبب اضطرابًا في معالجة الإشارات الحسية، مما ينتج عنه إحساس خاطئ بالحرقة.

هذه الأسباب العصبية قد لا تكون واضحة دائمًا في الفحوصات الطبية، لكنها تلعب دورًا رئيسيًا في ظهور الأعراض.

2. نقص الفيتامينات والمعادن

النقص في بعض الفيتامينات والمعادن الحيوية له تأثير مباشر على صحة الأغشية المخاطية للفم والأعصاب المحيطة، مما قد يسبب حرقة اللسان.

• نقص فيتامين B12: من أشهر أسباب حرقة اللسان، حيث يسبب تلفًا في الخلايا العصبية وأغشية الفم، مما يؤدي إلى شعور بالحرقة.

• نقص حمض الفوليك (B9): يؤثر على تكوين الخلايا وتجديد الأنسجة، ويساهم في التهاب الأغشية المخاطية.

• نقص الحديد: يسبب فقر الدم الذي يؤدي إلى ضعف في تغذية الأنسجة، مما يساهم في ظهور أعراض حرقة اللسان.

• نقص الزنك: يسبب اضطرابًا في وظائف المناعة وتجديد الأنسجة، وقد يزيد من حساسية الأعصاب في الفم.

يُلاحظ أن هذه النقصانات غالبًا ما تكون مصحوبة بأعراض أخرى مثل التهاب الفم، تقرحات، وتغيرات في الطعم.

3. التغيرات الهرمونية

تلعب التغيرات الهرمونية دورًا هامًا، خاصة عند النساء في مرحلة انقطاع الطمث (سن اليأس). انخفاض هرمونات الإستروجين والبروجستيرون يؤثران على صحة الأغشية المخاطية ونوعية اللعاب، مما يزيد من احتمالية الإصابة بحرقة اللسان.

• سن اليأس: ترتبط الحرقة بشكل كبير عند النساء في هذه المرحلة بسبب التقلبات الهرمونية التي تسبب جفاف الفم وضعف الطبقة المخاطية.

• الحمل: في بعض الحالات قد تشعر المرأة بحرقة اللسان نتيجة التغيرات الهرمونية والفيزيولوجية خلال الحمل.

هذه التغيرات تؤثر على توازن الفم من حيث الحموضة، الترطيب، ومرونة الأنسجة، مما يجعل الفم أكثر عرضة للتهيج والالتهاب.

4. اضطرابات الغدد اللعابية وجفاف الفم

جفاف الفم يعد من الأسباب المهمة لحرقة اللسان، إذ يؤدي نقص اللعاب إلى فقدان الحماية الطبيعية التي يوفرها اللعاب للأغشية المخاطية، مما يسبب تهيجًا وألمًا.

• متلازمة سجوجرن (Sjögren’s syndrome): مرض مناعي ذاتي يهاجم الغدد اللعابية، فيسبب جفاف الفم الشديد مع شعور بالحرقة.

• تناول بعض الأدوية: مثل مضادات الاكتئاب، مضادات الهستامين، ومدرات البول، التي تقلل إفراز اللعاب.

• العلاج الإشعاعي: لعلاج السرطان في منطقة الرأس والعنق قد يسبب تلفًا في الغدد اللعابية وجفاف الفم.

• الحالات المزمنة: مثل السكري وأمراض الكبد والكلى قد تؤدي إلى جفاف الفم وزيادة الشعور بالحرقة.

5. الالتهابات الفطرية والبكتيرية

العدوى الفطرية والبكتيرية قد تساهم في ظهور حرقة اللسان، لا سيما عند ضعف المناعة أو وجود ظروف تؤدي إلى تغير بيئة الفم.

• داء المبيضات الفموي (Oral Candidiasis): عدوى فطرية شائعة تسبب تهيج الأغشية المخاطية مع الشعور بالحرقة.

• التهابات بكتيرية: مثل التهاب اللثة والتهاب الفم قد تسبب حساسية وألمًا في اللسان.

تزداد فرص الإصابة بهذه الالتهابات عند الأشخاص المصابين بأمراض مزمنة أو الذين يتناولون مضادات حيوية لفترات طويلة.

6. الأمراض المزمنة وتأثيرها

هناك عدة أمراض مزمنة ترتبط بظهور حرقة اللسان، منها:

• داء السكري: يؤثر على الأعصاب والأوعية الدموية، مما يسبب اعتلالًا عصبيًا مزمنًا مع شعور بالحرقان.

• أمراض الغدة الدرقية: تؤثر على التمثيل الغذائي العام وصحة الأعصاب.

• مرض الجزر المعدي المريئي (GERD): ارتجاع حمض المعدة إلى الفم يسبب تهيج الأغشية المخاطية وبالتالي حرقة اللسان.

• الأمراض النفسية: التوتر، القلق، والاكتئاب تؤثر على الشعور بالألم وتزيد من حدة الأعراض.

7. العوامل النفسية والاضطرابات النفسية

تشكل الحالة النفسية جزءًا كبيرًا من أسباب حرقة اللسان، حيث أن القلق المستمر، الاكتئاب، والتوتر العصبي قد يؤدون إلى زيادة حساسية الأعصاب والشعور بألم مزمن.

• الألم النفسي والعضوي المتداخل: عند بعض المرضى، يكون الألم المبلغ عنه مرتبطًا باضطرابات نفسية أكثر من أسباب عضوية.

• القلق والاكتئاب: يؤديان إلى تغيرات في النظام العصبي المركزي والمواد الكيميائية في الدماغ التي تتحكم في الشعور بالألم.

• الضغط العصبي المزمن: يؤثر على الجهاز المناعي ويزيد من الالتهابات في الجسم.

8. العادات السيئة وتأثيرها على اللسان

بعض العادات اليومية يمكن أن تزيد من احتمال حدوث حرقة اللسان:

• التدخين: يسبب تهيج الأغشية المخاطية ويؤدي إلى تلف الخلايا.

• استهلاك الكحول: يسبب جفاف الفم وتهيج الأنسجة.

• تناول أطعمة حارة أو حمضية بكثرة: مثل الفلفل الحار، الليمون، والخل، والتي تهيج اللسان.

• استخدام معاجين أسنان تحتوي على مواد كيميائية قاسية أو غسولات فموية غير مناسبة.

9. الحساسية والتهيج الكيميائي

التعرض لمواد معينة قد يسبب تفاعلات تحسسية أو تهيج مباشر في اللسان والأغشية المخاطية، ومنها:

• الحساسية من معجون الأسنان أو غسول الفم.

• الردود التحسسية للأطعمة أو الأدوية.

• التحسس تجاه بعض المعادن في حشوات الأسنان مثل النيكل.

10. الأسباب غير المعروفة (حرقة اللسان مجهولة السبب)

في كثير من الحالات، وبعد إجراء الفحوصات والتحاليل اللازمة، لا يتم التوصل إلى سبب واضح لحرقة اللسان. تسمى هذه الحالة بـ”متلازمة اللسان المحترق الأولية” حيث يكون الألم عصبي المنشأ بدون سبب عضوي واضح.

جدول يوضح أهم أسباب حرقة اللسان مع طبيعة تأثيرها

الخلاصة العلمية لأسباب حرقة اللسان

حرقة اللسان حالة متعددة الأسباب، تتداخل فيها عوامل عصبية، نقص غذائي، هرمونية، مناعية، نفسية وبيئية. تأثر الأعصاب هو العامل المشترك بين معظم هذه الأسباب، سواء عن طريق تلف مباشر أو زيادة حساسية الأعصاب نتيجة عوامل خارجية أو داخلية. التشخيص الدقيق يتطلب فحصًا شاملاً وتاريخًا طبيًا مفصلًا لاستبعاد الأسباب العضوية، وبعدها يتم النظر في العوامل النفسية والبيئية. العلاج غالبًا ما يكون متعدد الأوجه ويركز على معالجة السبب الأساسي مع دعم تخفيف الألم وتحسين جودة حياة المريض.

المصادر والمراجع

1. López-Jornet P, Camacho-Alonso F, Molina MI. Burning mouth syndrome: an update. Med Oral Patol Oral Cir Bucal. 2010;15(4):e562-8.

2. Scala A, Checchi L, Montevecchi M, Marini I, Giansanti M. Update on burning mouth syndrome: overview and patient management. Crit Rev Oral Biol Med. 2003;14(4):275-91.

بهذا التناول العلمي المفصل، يصبح فهم أسباب حرقة اللسان أعمق وأشمل، ويتيح ذلك تقديم استراتيجيات علاجية مناسبة لكل حالة على حدة، ما يساهم في تحسين صحة الفم وجودة الحياة بشكل ملحوظ.