أسباب حدوث البراكين

تُعتبر البراكين من الظواهر الجيولوجية الطبيعية التي تحمل أهمية كبيرة في تكوين سطح الأرض وتشكيل تضاريسها. هي نقاط على سطح الأرض تخرج منها مواد منصهرة تُعرف بالماجما، بالإضافة إلى الغازات والرماد البركاني. تتشكل البراكين نتيجة تحركات وعمليات معقدة تحدث داخل القشرة الأرضية والوشاح، ومن خلالها يتم إطلاق الطاقة المتراكمة داخل الأرض بشكل مفاجئ أو تدريجي. لفهم أسباب حدوث البراكين، يجب التعمق في طبيعة الأرض الداخلية، وآليات حركة الصفائح التكتونية، بالإضافة إلى العوامل المرتبطة بتركيب القشرة الأرضية والوشاح.

1. التركيب الداخلي للأرض ودوره في تكون البراكين

الأرض تتكون من عدة طبقات، كل طبقة تختلف في خصائصها الفيزيائية والكيميائية:

• القشرة الأرضية: وهي الطبقة الخارجية الصلبة التي نعيش عليها، سمكها يتراوح بين 5 إلى 70 كيلومترًا تقريبًا، وهي مقسمة إلى قشرة محيطية (أرفع وأثقل) وقشرة قارية (أسمك وأخف وزنًا).

• الوشاح (المانتل): يقع تحت القشرة، ويمتد لعمق حوالي 2900 كيلومتر، ويتكون من صخور صلبة لكنها قابلة للتشوه والبطيء في الحركة بفعل درجات الحرارة العالية والضغط.

• النواة الخارجية: طبقة من الحديد والنيكل سائلة تقع تحت الوشاح.

• النواة الداخلية: طبقة صلبة في مركز الأرض، ذات حرارة وضغط عاليين.

حرارة الأرض الداخلية عالية جدًا، خاصة في الوشاح، مما يؤدي إلى انصهار جزئي لبعض الصخور، وتشكل الماجما (الصهارة البركانية).

2. حركة الصفائح التكتونية وتأثيرها على تكون البراكين

تتحرك صفائح القشرة الأرضية فوق الوشاح بطريقة بطيئة لكنها مستمرة، وهذه الحركة تسبب تفاعلات وصدامات تؤدي إلى نشوء البراكين. هناك عدة أنواع من حركات الصفائح التي تفسر أسباب البراكين:

أ. حدود التقاء الصفائح (Convergent Boundaries)

عندما تلتقي صفيحتان تكتونيتان، إما أن تغوص إحداهما تحت الأخرى في عملية تسمى الاندساس (Subduction). هذه الحركة تسبب ذوبان الصخور في الوشاح تحت الصفيحة الغارقة بسبب ارتفاع الضغط والحرارة، مما يؤدي إلى تكوين الماجما التي ترتفع إلى السطح مكونة البركان. هذا النوع من البراكين شائع حول المحيط الهادئ، في ما يعرف بحزام النار (Ring of Fire).

ب. حدود التباعد بين الصفائح (Divergent Boundaries)

عندما تتحرك صفائح بعيدًا عن بعضها البعض، مثل ما يحدث في منتصف المحيط الأطلسي، ينخفض الضغط على الوشاح تحت هذه المنطقة، مما يسمح للماجما بالارتفاع إلى السطح لتملأ الفراغ المتكون. هذا يؤدي إلى تكون براكين تحت البحر في كثير من الأحيان، وتكون طبقات جديدة من القشرة الأرضية.

ج. حدود التحويل (Transform Boundaries)

في هذه الحدود تتحرك الصفائح أفقياً بجانب بعضها البعض، وهذا النوع أقل ارتباطًا بحدوث البراكين المباشرة لكنه يمكن أن يسبب توترًا في القشرة الأرضية يؤدي إلى زلازل قد تسبق النشاط البركاني.

3. أسباب أخرى لتكون البراكين

أ. النقاط الساخنة (Hot Spots)

بعض البراكين لا تكون مرتبطة مباشرة بحركة الصفائح، بل تنشأ فوق ما يسمى “النقاط الساخنة”، وهي مناطق من الوشاح تتميز بارتفاعات حرارية مركزة تدفع الماجما للسطح عبر القشرة. مثال على ذلك بركان ماونا لوا في هاواي، حيث توجد نقطة ساخنة تحت المحيط الهادئ تحركت القشرة فوقها مسببة ظهور سلسلة من البراكين.

ب. تراكم الضغوط داخل الأرض

تتراكم الضغوط داخل الأرض بسبب حركات الصخور وارتفاع درجات الحرارة، مما يؤدي إلى ذوبان الصخر وتكوين الماجما. مع زيادة الضغط، تحاول هذه الماجما إيجاد طريق إلى السطح عبر شقوق أو نقاط ضعف في القشرة، وعندما تصل إلى السطح تحدث الانفجارات البركانية.

ج. الذوبان الجزئي للصخور

الصخور تحت القشرة تتعرض لدرجات حرارة وضغوط تجعلها تنصهر جزئياً، وتكون الماجما. هذا الانصهار الجزئي يحدث عادةً عند عمق معين في الوشاح، ويختلف حسب نوع الصخور، وكمية الماء والغازات الموجودة، حيث تعمل هذه المكونات على خفض درجة انصهار الصخور مما يسهل تكون الماجما.

4. العوامل الجيولوجية والبيئية المؤثرة على نشاط البراكين

هناك عدة عوامل تلعب دورًا في تحديد مكان حدوث البركان وشدة نشاطه:

• تركيب الصخور: الصخور الغنية بالسيليكا تجعل الماجما أكثر لزوجة، وهذا يعني أن البراكين تكون أكثر انفجارية.

• كمية الغازات المحتجزة: الغازات مثل ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء تعمل على زيادة الضغط داخل الماجما، وتؤدي إلى انفجارات شديدة عند إطلاقها.

• الضغط والحرارة: ارتفاع الضغط والحرارة يؤدي إلى استمرار انصهار الصخور داخل الوشاح، مما يوفر مصدرًا مستمرًا للماجما.

5. دورة تكون البراكين وعلاقتها بالتكتونية الأرضية

يترافق نشوء البركان مع دورة معقدة تبدأ بانصهار الصخور داخل الأرض، ثم تجمع الماجما في تجاويف تعرف بالحجرات الماجمية، ثم ارتفاعها ببطء عبر الشقوق في القشرة، وأخيراً انفجارها أو تدفقها على السطح. هذا التتابع مرتبط ارتباطًا وثيقًا بحركة الصفائح الأرضية وبمناطق ضعف القشرة الأرضية، مما يجعل البراكين مؤشرًا حيًا لنشاط الأرض الداخلي.

6. تصنيف البراكين حسب أسباب حدوثها

يمكن تصنيف البراكين حسب الآليات المسؤولة عن نشوئها كما يلي:

7. التأثيرات المرتبطة بنشوء البراكين

النشاط البركاني لا يؤثر فقط على السطح الأرضي بشكل مباشر، بل يؤثر أيضًا على المناخ والتربة والبيئة المحيطة:

• تطلق البراكين كميات هائلة من الغازات والرماد التي قد تؤثر على جودة الهواء والمناخ.

• تشكل تدفقات الحمم البركانية أراضي جديدة تُستخدم في الزراعة بعد مرور الوقت بسبب غناها بالعناصر المعدنية.

• تسبب البراكين زلازل وانزلاقات أرضية تؤدي إلى تغييرات جيولوجية في المنطقة المحيطة.

الخاتمة

تعد البراكين ظاهرة طبيعية حيوية تمثل حلقة مهمة في دورة تجديد سطح الأرض وتشكيل تضاريسها. تعود أسباب حدوثها إلى التفاعلات العميقة داخل الأرض بين حركة الصفائح التكتونية، الانصهار الجزئي للصخور في الوشاح، وتجمع الماجما تحت القشرة الأرضية. كما أن وجود نقاط ساخنة وبعض العوامل الجيولوجية الأخرى يلعب دوراً هاماً في تحديد مواقع ونوعية النشاط البركاني. فالبراكين ليست مجرد ظواهر مدمرة، بل هي من العمليات التي ساهمت على مدى ملايين السنين في تطور سطح الأرض وتكوين بيئات جديدة، ولها دور كبير في فهم ديناميكية كوكبنا.

المراجع:

1. Kearey, P., Klepeis, K. A., & Vine, F. J. (2009). Global Tectonics (3rd Edition). Wiley-Blackwell.

2. Francis, P., & Oppenheimer, C. (2004). Volcanoes. Oxford University Press.