أسباب جلطة الساق وطرق الوقاية

أسباب جلطة الساق

جلطة الساق، أو ما يُعرف علمياً بـ “التخثر الوريدي العميق” (Deep Vein Thrombosis – DVT)، هي حالة طبية تحدث عندما يتشكل تجلط دموي في الأوردة العميقة في الساقين، مما يمكن أن يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة مثل انسداد الأوعية الدموية أو حتى حدوث جلطة رئوية إذا انتقلت الجلطة إلى الرئتين. يعد فهم الأسباب التي تؤدي إلى حدوث جلطة الساق أمرًا بالغ الأهمية، حيث إن معرفة العوامل المسببة يمكن أن تساعد في الوقاية من هذه الحالة أو التعامل معها بشكل مبكر وفعّال.

1. العوامل الميكانيكية

تتمثل العوامل الميكانيكية في التغيرات التي تحدث في الدورة الدموية للأوعية الدموية نتيجة لضغط أو حركة غير طبيعية في الأوعية. يمكن أن يكون لهذه العوامل تأثير كبير في زيادة احتمالية تكوّن الجلطات. وفيما يلي أبرز العوامل الميكانيكية:

أ. قلة الحركة والجلوس لفترات طويلة

من أبرز الأسباب التي تؤدي إلى تجلط الدم في الساقين هو قلة الحركة، خاصة عندما يبقى الشخص في وضع ثابت لفترة طويلة. على سبيل المثال، الأشخاص الذين يضطرون للجلوس لساعات طويلة أثناء السفر بالطائرة أو العمل المكتبي، حيث يتسبب قلة حركة الساقين في تباطؤ تدفق الدم، مما يزيد من خطر تكون الجلطات. وقد لوحظ في دراسات طبية أن الجلوس لفترات طويلة يؤدي إلى تراكم الدم في الأوردة السفلية، مما يعزز تكوّن التجلطات.

ب. الإصابات المباشرة للأوعية الدموية

إصابة الساق أو المنطقة المحيطة بالأوعية الدموية يمكن أن تؤدي إلى تلف في جدران الأوعية، مما يُحفّز عملية التجلط. على سبيل المثال، إصابات الحوادث، الكسور أو الجراحة في الساق يمكن أن تؤدي إلى التهاب الأوعية وتلف الأنسجة المحيطة، مما يشجع الجسم على تشكيل جلطة دموية في تلك المنطقة. في هذه الحالات، يتطلب العلاج الطبي تدخلاً سريعاً لمنع تكون الجلطة.

2. العوامل الوراثية

تعتبر العوامل الوراثية من الأسباب المهمة التي تساهم في ظهور جلطات الساق. يعاني بعض الأشخاص من خلل جيني يسبب اضطراباً في عملية التجلط، مما يجعلهم أكثر عرضة لتكوين الجلطات. هذا الخلل في الجينات يمكن أن يكون نتيجة لعدة أسباب تتعلق بمسارات التجلط الوراثية. من بين هذه العوامل الوراثية:

أ. العيوب في الجينات المسؤولة عن التجلط

من أبرز هذه العيوب هو حدوث طفرة في جين البروتين C أو البروتين S، مما يعطل العمليات الطبيعية التي تمنع تكون الجلطات في الدم. كما يمكن أن تؤدي طفرات في الجين المسؤول عن الفبرينوجين أو الانزيمات المسؤولة عن تسييل الدم إلى زيادة الميل لتكوين الجلطات.

ب. التاريخ العائلي لجلطات الدم

إن وجود تاريخ عائلي لجلطات الدم يرفع من احتمال إصابة الأفراد بالجلطات، حيث تشير الدراسات إلى أن بعض الأسر يمكن أن يكون لديها استعداد وراثي أكبر لهذا المرض. يساهم هذا العامل في زيادة خطر الإصابة بجلطة الساق، خاصة عندما يترافق مع العوامل الأخرى مثل العمر أو الإصابة.

3. العوامل الصحية الأخرى

هناك العديد من الحالات الصحية التي يمكن أن تساهم في تكوّن جلطات الساق. هذه الحالات تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على قدرة الدم على الجريان بشكل طبيعي داخل الأوعية الدموية، مما يسهم في زيادة خطر تجلط الدم في الساق.

أ. السمنة

السمنة تعد من أهم العوامل التي تزيد من احتمالية الإصابة بجلطة الساق. إن الوزن الزائد يؤثر على الدورة الدموية من خلال زيادة الضغط على الأوعية الدموية في الساقين. علاوة على ذلك، الأشخاص الذين يعانون من السمنة قد يواجهون صعوبة في الحفاظ على نشاطهم البدني، مما يؤدي إلى انخفاض في حركة الدورة الدموية ويزيد من خطر التجلط.

ب. الأمراض المزمنة

أمراض مثل ارتفاع ضغط الدم، السكري وأمراض القلب يمكن أن تؤدي إلى مشاكل في الأوعية الدموية وزيادة احتمال تكوّن الجلطات. على سبيل المثال، مرض السكري قد يؤدي إلى تدهور جدران الأوعية الدموية وزيادة الالتهابات، مما يخلق بيئة أكثر عرضة لتكوين الجلطات.

ج. الجلطات السابقة

الأشخاص الذين سبق لهم أن أصيبوا بجلطات دموية في الماضي، سواء كانت في الساق أو في مناطق أخرى من الجسم، هم أكثر عرضة للإصابة بها مرة أخرى. إذا كان شخص قد تعرض لجلطة في الماضي، فإن ذلك يرفع من احتمالية حدوث جلطات جديدة نتيجة لتغيرات دموية مستمرة.

4. التغيرات الهرمونية

تعتبر الهرمونات من العوامل التي يمكن أن تؤثر في عملية التجلط. على الرغم من أن هذه العوامل تؤثر بشكل خاص على النساء، إلا أن الرجال أيضًا قد يتأثرون بها في حالات معينة. أبرز هذه التغيرات تشمل:

أ. استخدام موانع الحمل الهرمونية

تشير الدراسات إلى أن استخدام حبوب منع الحمل التي تحتوي على هرمون الإستروجين قد يزيد من احتمالية حدوث جلطات الدم. هذا الهرمون يعزز تكوين التجلطات، حيث يزيد من لزوجة الدم ويزيد من خطر تراكمه في الأوعية الدموية.

ب. الحمل والولادة

النساء الحوامل يكنّ أكثر عرضة للإصابة بالجلطات، حيث تزداد مستويات هرمون الإستروجين أثناء الحمل، مما يؤدي إلى زيادة قابلية الدم للتخثر. علاوة على ذلك، فإن زيادة الوزن وضغط الرحم على الأوعية الدموية في منطقة الحوض يمكن أن يقلل من تدفق الدم، مما يعزز من احتمالية الإصابة بالجلطات.

ج. العلاج الهرموني البديل (HRT)

النساء اللاتي يخضعن للعلاج الهرموني البديل في سن اليأس قد يواجهن زيادة في خطر الإصابة بالجلطات. يحتوي هذا العلاج على هرمونات مشابهة لتلك الموجودة في موانع الحمل، مما قد يؤدي إلى زيادة لزوجة الدم وتراكمه في الأوعية الدموية.

5. العوامل البيئية والمهنية

تلعب العوامل البيئية والمهنية دوراً كبيراً في زيادة خطر الإصابة بجلطات الساق. من بين أبرز هذه العوامل:

أ. السفر لمسافات طويلة

السفر بالطائرة أو القطار لمسافات طويلة يعد من العوامل التي تؤدي إلى زيادة احتمالية الإصابة بجلطة الساق. غالباً ما يكون السفر لمسافات طويلة مصحوبًا بجلسات طويلة في وضعية ثابتة، مما يقلل من تدفق الدم في الساقين ويزيد من خطر تكون الجلطات.

ب. الأعمال التي تتطلب الجلوس لفترات طويلة

الوظائف التي تتطلب الجلوس لفترات طويلة، مثل العمل المكتبي أو العمل على الحاسوب، تؤدي إلى نفس التأثير. زيادة فترة الجلوس تقلل من حركة الدم في الساقين، مما يعزز من إمكانية تكوّن الجلطات.

ج. المهن التي تتطلب الوقوف لفترات طويلة

الوقوف لفترات طويلة، مثلما يحدث مع الممرضين، معلمي المدارس، أو موظفي المبيعات في المتاجر، قد يؤثر بشكل سلبي على الدورة الدموية ويزيد من الضغط على الأوردة في الساقين. إذا لم يتم اتخاذ تدابير لتقليل الضغط على الساقين، فقد يؤدي ذلك إلى تكوّن الجلطات.

6. التعامل مع جلطة الساق والوقاية منها

من الأهمية بمكان التعامل مع جلطات الساق بشكل جدي. يمكن أن تشمل وسائل الوقاية اتباع نمط حياة صحي، ممارسة الرياضة بانتظام، الابتعاد عن الجلوس لفترات طويلة، واتباع تعليمات الأطباء في حال وجود تاريخ عائلي لجلطات الدم. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يلجأ بعض المرضى إلى استخدام الأدوية المانعة لتجلط الدم مثل الأسبرين أو مضادات التخثر لتقليل احتمالية الإصابة بالجلطات.

الخاتمة

تعد جلطات الساق من الأمراض التي يمكن الوقاية منها إذا تم التعرف على الأسباب والعوامل التي تؤدي إلى حدوثها. تتعدد الأسباب التي قد تؤدي إلى تكوّن هذه الجلطات، من العوامل الميكانيكية إلى العوامل الوراثية والصحية، وصولاً إلى العوامل البيئية والمهنية. كما أن الوقاية والعلاج المبكر يعدان من الأجزاء الأساسية في الحد من خطر الإصابة بهذه الحالة، مما يتطلب وعيًا صحيًا مستمرًا والالتزام بإجراءات وقائية فعّالة.