أسباب جلطة الرئة

جلطة الرئة، أو ما يُعرف بالانسداد الرئوي الحاد (Pulmonary Embolism)، تعد من الحالات الطبية الطارئة التي تستدعي التشخيص والعلاج الفوريين، لما لها من تأثير خطير على وظيفة الجهاز التنفسي والقلب. تحدث جلطة الرئة عندما تسد جلطة دموية أو جسم غريب ما الشرايين الرئوية أو أحد فروعها، مما يعيق تدفق الدم إلى جزء من الرئة. هذه الحالة قد تؤدي إلى تلف في الأنسجة الرئوية، نقص الأكسجين في الدم، وفي الحالات الشديدة إلى الوفاة.

لفهم أسباب جلطة الرئة، يجب النظر إلى العوامل التي تؤدي إلى تشكل الجلطات في الأوعية الدموية، وانتقالها إلى الرئة، وكذلك الظروف التي تزيد من احتمالية حدوث ذلك.

آلية تكون جلطة الرئة

تبدأ جلطة الرئة غالباً عندما تتكون جلطة دموية في أوردة الأطراف السفلية أو الحوض، وتُسمى هذه الحالة بالجلطة الوريدية العميقة (Deep Vein Thrombosis – DVT). هذه الجلطات قد تنفصل من مكانها وتنتقل مع الدم عبر الأوردة وصولاً إلى القلب، ثم تُدفع إلى الرئة وتعلق في الشرايين الرئوية، مسببة انسدادها.

تتأثر عملية تكوّن الجلطات بعدة عوامل، تتفاعل مع بعضها في تكوين ما يعرف بـ “مثلث فيرشو” (Virchow’s Triad) الذي يشمل:

1. تباطؤ تدفق الدم

2. تغيرات في جدار الأوعية الدموية

3. زيادة قابلية الدم للتخثر

الأسباب والعوامل المسببة لجلطة الرئة

1. تباطؤ تدفق الدم

تبطؤ أو ركود الدم في الأوردة يُعد من أهم الأسباب التي تؤدي إلى تكون الجلطات، وهو شائع في الحالات التالية:

• الجلوس أو الاستلقاء لفترات طويلة: مثل حالات السفر الطويل، أو بعد العمليات الجراحية، أو بسبب الإقامة الطويلة في الفراش نتيجة المرض أو الإصابات. يؤدي هذا إلى ركود الدم في أوردة الساقين ويزيد خطر تكون الجلطات.

• الشلل أو ضعف الحركة: بسبب أمراض الأعصاب أو الإصابات النخاعية أو حالات أخرى تؤدي إلى ضعف الحركة، حيث يفقد الدم قدرته على التدفق السلس في الأوردة.

• ضعف الانقباض العضلي: تقل حركة العضلات المحيطة بالأوردة مثل عضلات الساق، مما يقلل ضخ الدم ويدفع لتجمعه وتكون الجلطات.

2. تغيرات في جدار الأوعية الدموية

تلف أو تغير في بطانة الأوعية الدموية يجعلها أكثر عرضة لتكوين الجلطات، ويمكن أن يحدث ذلك بسبب:

• الإصابات أو العمليات الجراحية: إصابة الأوعية أو تدخل جراحي مباشر يؤدي إلى تلف في جدران الأوعية.

• التهابات الأوعية الدموية: بعض الأمراض المناعية أو الالتهابات المزمنة تؤثر على صحة بطانة الأوعية.

• التدخين: يسبب التهاب وتلف في جدران الأوعية الدموية ويزيد من فرصة الجلطات.

• مرض الشرايين التاجية وأمراض الأوعية الدموية: التي تؤدي إلى تصلب الشرايين ورفع خطر الإصابة بالجلطات.

3. زيادة قابلية الدم للتخثر

بعض الحالات الطبية أو الأدوية تزيد من سرعة تجلط الدم، وتشمل:

• اضطرابات التخثر الوراثية: مثل متلازمة فبرينوجين مرتفع، نقص مضادات التخثر الطبيعية (مضاد الثرومبين، بروتين C و S)، أو طفرات جينية مثل Factor V Leiden.

• الحمل وفترة النفاس: التغيرات الهرمونية في الحمل تزيد من قابلية الدم للتخثر كآلية طبيعية لمنع النزيف بعد الولادة، لكنها تزيد من خطر الجلطات.

• استخدام حبوب منع الحمل أو العلاج الهرموني: خصوصاً التي تحتوي على الإستروجين، حيث تؤثر على عوامل التخثر.

• السرطان: بعض أنواع السرطان تفرز مواد تزيد من تخثر الدم.

• بعض الأدوية: مثل أدوية العلاج الكيميائي، وبعض الأدوية الهرمونية.

4. العوامل الأخرى المؤثرة

• السمنة: زيادة الوزن تضغط على الأوردة، خصوصاً في منطقة الحوض والساقين، مما يعوق تدفق الدم ويسبب ركوده.

• العمر المتقدم: مع تقدم العمر يقل كفاءة الدورة الدموية ويزيد خطر الجلطات.

• الجراحة وخاصة جراحة العظام: عمليات مثل استبدال مفصل الركبة أو الورك تزيد خطر الجلطات نتيجة للتدخل الجراحي، وضعف الحركة بعد العملية.

• أمراض القلب: مثل فشل القلب الاحتقاني أو الرجفان الأذيني، حيث تتغير ديناميكية تدفق الدم.

• الإصابات الخطيرة: ككسور العظام أو الإصابات الرضحية تؤدي إلى استجابة التهابية تزيد من قابلية الدم للتخثر.

الحالات المرضية التي ترتبط بجلطة الرئة

جلطة الرئة عادة ما تكون نتيجة لجلطات في الأوردة العميقة، لكن بعض الحالات المرضية تزيد من خطر حدوثها مباشرة أو من خلال تهيئة الظروف المسببة:

• الانسداد الوريدي العميق (DVT): المصدر الأكثر شيوعاً لجلطة الرئة، تحدث في الأوردة العميقة للساقين أو الحوض.

• السرطان: يسبب السرطان تغيرات في عوامل تخثر الدم، كما أن العلاج الكيميائي يقلل من حركة المريض.

• اضطرابات الدم: مثل فقر الدم المنجلي أو اضطرابات أخرى تؤدي إلى زيادة لزوجة الدم.

• متلازمة انحلال الدم اليوريمي (TTP) وأمراض المناعة الذاتية: تؤدي إلى تكون جلطات في الأوعية.

• العدوى والالتهابات: بعض الالتهابات الحادة ترفع احتمالية تكون جلطات.

تأثير العوامل البيئية والسلوكية

تلعب العوامل البيئية والسلوكية دوراً واضحاً في زيادة احتمالية الإصابة بجلطة الرئة، ومن أهمها:

• قلة النشاط البدني: نمط الحياة الخامل يُعد عاملاً أساسياً في تراكم الجلطات الوريدية.

• التدخين: يرفع من مخاطر تكوين الجلطات الوريدية والشريانية بسبب تأثيره على جدار الأوعية الدموية.

• السفر لمسافات طويلة: الرحلات الجوية الطويلة مع قلة الحركة تُعرف باسم “جلطة الرحلات الجوية”.

• التوتر والضغط النفسي: أظهرت بعض الدراسات أن التوتر المزمن يرفع عوامل التجلط في الدم.

أهمية الوقاية من أسباب جلطة الرئة

نظرًا لخطورة جلطة الرئة، فإن الوقاية من أسبابها تُعد من أهم الاستراتيجيات الطبية والصحية لتجنب المضاعفات الخطيرة. وتشمل إجراءات الوقاية:

• تشجيع الحركة والنشاط البدني: خصوصاً للأشخاص المسنين أو المرضى بعد العمليات.

• استخدام الجوارب الضاغطة: للحد من ركود الدم في الساقين.

• المتابعة الطبية للحالات التي تزيد من التخثر: كالأشخاص المصابين بأمراض مزمنة أو الخاضعين للعلاج الهرموني.

• التوعية حول أعراض الجلطة الوريدية وضرورة سرعة التوجه للطبيب.

خلاصة حول أسباب جلطة الرئة

يمكن القول إن جلطة الرئة تنتج من تفاعل معقد بين عوامل متعددة تؤدي إلى تكوين جلطات دموية في الأوردة، التي قد تنتقل إلى الرئة وتسد شرايينها. تتوزع هذه العوامل بين ضعف تدفق الدم، تغييرات في جدران الأوعية الدموية، وزيادة قابلية الدم للتخثر، مع تأثيرات كبيرة للعوامل البيئية والسلوكية والمرضية. فهم هذه الأسباب بدقة يمكن أن يساهم في الوقاية والعلاج المبكر، مما يقلل من معدلات الوفيات والمرض المرتبطة بهذه الحالة الخطيرة.

جدول يوضح عوامل الخطر الرئيسية لجلطة الرئة

المراجع

• Goldhaber, S.Z. (2012). Pulmonary embolism. The Lancet, 379(9828), 1835-1846.

• Konstantinides, S.V., Meyer, G., Becattini, C., et al. (2019). 2019 ESC Guidelines for the diagnosis and management of acute pulmonary embolism developed in collaboration with the European Respiratory Society (ERS). European Heart Journal, 41(4), 543-603.

هذا المقال يسلط الضوء بشكل مفصل على الأسباب الكامنة وراء جلطة الرئة، مع التركيز على العوامل الفيزيولوجية والبيئية والطبية التي تؤدي إلى هذه الحالة، بما يضمن فهماً عميقاً يساعد في الوقاية والتشخيص المبكر.