أسباب مرض جرثومة المعدة

جرثومة المعدة، أو كما تُعرف علميًا بـ هيليكوباكتر بيلوري (Helicobacter pylori)، هي بكتيريا حلزونية الشكل تعيش في الغشاء المخاطي للمعدة وتعد السبب الرئيسي وراء العديد من الأمراض الهضمية مثل التهاب المعدة المزمن، وقرحة المعدة والاثني عشر، وأحيانًا تزيد من احتمالية الإصابة بسرطان المعدة. فهم أسباب الإصابة بهذه الجرثومة يعد من الخطوات الجوهرية لتطوير استراتيجيات وقائية فعالة وتحسين طرق العلاج.

طبيعة جرثومة المعدة وبيئتها

تتميز جرثومة المعدة بقدرتها على العيش في البيئة القاسية جداً داخل المعدة، حيث تحمي نفسها بواسطة إنزيم الأورو نيزيز (urease) الذي يحول اليوريا إلى أمونيا، ما يخفف من حموضة المعدة المحلية ويخلق بيئة مناسبة للبكتيريا للبقاء والتكاثر. هذه الخاصية الفريدة تسمح لها بالتماسك في جدار المعدة رغم وجود الأحماض القوية التي تقتل معظم أنواع البكتيريا الأخرى.

العوامل التي تؤدي إلى الإصابة بجرثومة المعدة

1. العدوى والتعرض المباشر للبكتيريا

السبب الأول والأهم في الإصابة بجرثومة المعدة هو التعرض المباشر للبكتيريا، والذي يحدث عادة من خلال:

• الاتصال المباشر مع شخص مصاب: الجرثومة تنتقل غالبًا عبر الفم، عن طريق اللعاب أو الاتصال المباشر مثل التقبيل أو مشاركة الأدوات الشخصية كالملاعق أو الأكواب.

• تناول ماء أو طعام ملوث: الماء أو الطعام الملوث بالبكتيريا هو مصدر شائع للعدوى خصوصًا في المناطق التي تعاني من سوء النظافة أو ضعف البنية التحتية للمياه.

• الانتقال من خلال البيئة: قد تتواجد الجرثومة على الأسطح أو في الأدوات غير المعقمة التي تتلامس مع الفم.

2. العوامل الاجتماعية والبيئية

• سوء النظافة الشخصية: عدم غسل اليدين جيدًا بعد استخدام المرحاض أو قبل تناول الطعام يزيد من خطر انتقال العدوى.

• المستوى الاقتصادي والاجتماعي: الدراسات أظهرت ارتباطًا وثيقًا بين الفقر والتعرض لجرثومة المعدة، حيث تكثر العدوى في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية وظروف المعيشة السيئة.

• الازدحام السكاني: وجود عدد كبير من الأشخاص في مكان محدود يسهل انتقال الجرثومة من شخص لآخر.

3. عوامل صحية وجسدية داخلية

• انخفاض المناعة: الأشخاص الذين يعانون من ضعف جهاز المناعة أو أمراض مزمنة يصبحون أكثر عرضة للعدوى بهذه الجرثومة، وذلك بسبب عدم قدرة الجسم على مقاومة البكتيريا بفعالية.

• التغيرات في حموضة المعدة: تغير مستويات الحمض المعدي قد يغير من بيئة المعدة بحيث تصبح أكثر قابلية لاستعمار الجرثومة، مثل استخدام مضادات الحموضة لفترات طويلة التي تقلل من حموضة المعدة.

4. العوامل الوراثية

تشير بعض الدراسات إلى أن الاستعداد الوراثي قد يلعب دورًا في مدى تأثر الأفراد بجرثومة المعدة أو قدرتهم على التخلص منها، حيث أن اختلافات جينية في استجابة الجهاز المناعي قد تؤدي إلى تفاوت في شدة العدوى والأعراض.

5. استخدام الأدوية

• مضادات الحموضة ومثبطات مضخة البروتون: هذه الأدوية التي تستخدم لعلاج قرحة المعدة وارتجاع المريء، قد تؤدي إلى تقليل الحموضة الطبيعية للمعدة، مما يسهل على جرثومة المعدة البقاء والنمو.

• المضادات الحيوية غير المناسبة: الاستخدام المتكرر وغير المنضبط للمضادات الحيوية قد يؤدي إلى مقاومة الجرثومة للعلاج، مما يزيد من انتشارها وصعوبة القضاء عليها.

تأثير نمط الحياة على الإصابة بجرثومة المعدة

• التدخين: يؤثر التدخين سلبًا على جهاز المناعة ويقلل من كفاءة الغشاء المخاطي للمعدة في مقاومة العدوى، مما يزيد من قابلية الإصابة بالبكتيريا.

• التغذية غير المتوازنة: نقص الفيتامينات والمعادن وخاصة فيتامين C وبعض مضادات الأكسدة يقلل من قدرة الجسم على مكافحة العدوى.

• الإجهاد النفسي والجسدي: أظهرت بعض الأبحاث أن التوتر المستمر قد يؤثر على الجهاز المناعي ويزيد من حدة التهاب المعدة، مما يسهل استعمار الجرثومة.

كيفية انتشار جرثومة المعدة

الانتقال الفموي-البرازي هو الطريقة الأساسية لانتشار الجرثومة، حيث تفرز البكتيريا عبر الفضلات وتنتقل إلى شخص آخر عبر تلوث الماء أو الطعام. يمكن أيضًا أن تنتقل العدوى من خلال اللعاب، لذا تشارك الأدوات الشخصية والمصافحة يمكن أن تكون سببًا للانتقال.

الفئات الأكثر عرضة للإصابة

• الأطفال في المناطق ذات الظروف الصحية الضعيفة هم أكثر عرضة للإصابة بسبب تفاعلهم المستمر مع بيئة غير صحية ونظام مناعة لا يزال في طور التطور.

• كبار السن الذين يعانون من أمراض مزمنة وضعف في المناعة.

• الأشخاص الذين يعيشون في مناطق مكتظة أو ذات بنية تحتية صحية ضعيفة.

مراحل تطور المرض نتيجة الإصابة بالجرثومة

بعد دخول الجرثومة إلى المعدة، تبدأ بالتمكن من الالتصاق بجدار المعدة ثم تفرز مواد تسبب التهاب الغشاء المخاطي وتلف الخلايا، وهذا الالتهاب قد يتطور إلى التهاب مزمن أو قرحة. في بعض الحالات طويلة الأمد، تتسبب العدوى المستمرة في تغيرات خلوية قد تؤدي إلى سرطان المعدة.

دور الوقاية في تقليل الإصابة بجرثومة المعدة

الوقاية تعتمد أساسًا على تحسين النظافة الشخصية والبيئية، مثل غسل اليدين بانتظام، تعقيم الماء والطعام، تجنب مشاركة الأدوات الشخصية، وكذلك الوعي الصحي العام في المجتمع. تلعب التوعية دورًا هامًا في تقليل انتشار المرض، خصوصًا في المناطق التي تشهد معدلات إصابة مرتفعة.

الجدول التالي يوضح العوامل المختلفة التي تؤثر على الإصابة بجرثومة المعدة وتأثيرها:

الخلاصة

جرثومة المعدة هي بكتيريا معقدة التأثير تسبب العديد من المشاكل الصحية التي تتراوح بين الالتهاب المزمن والقرح وحتى سرطان المعدة في الحالات الشديدة. أسباب الإصابة بالجرثومة متعددة، لكنها ترتبط أساسًا بالتعرض للبكتيريا عبر الفم، وتفاقم الحالة بفعل عوامل بيئية واجتماعية وصحية مختلفة. الوعي بهذه الأسباب والوقاية منها هو الحل الأمثل للحد من انتشار المرض، كما أن تحسين النظافة العامة واستخدام العلاج المناسب عند التشخيص يمثلان حجر الزاوية في السيطرة على هذه المشكلة الصحية الشائعة.

المصادر

1. Kusters JG, van Vliet AH, Kuipers EJ. Pathogenesis of Helicobacter pylori infection. Clinical microbiology reviews. 2006 Jul;19(3):449-90.

2. Hooi JKY, Lai WY, Ng WK, et al. Global prevalence of Helicobacter pylori infection: systematic review and meta-analysis. Gastroenterology. 2017 Aug 1;153(2):420-9.