أسباب اندلاع الحرب العالمية الثانية

أسباب قيام الحرب العالمية الثانية

تُعد الحرب العالمية الثانية من أعظم الأحداث التاريخية التي غيرت مجرى التاريخ في القرن العشرين، وأسفرت عن تدمير هائل على جميع الأصعدة. الحرب التي اندلعت في 1 سبتمبر 1939، بين القوى العظمى آنذاك، خلفت آثارًا مدمرة على المستوى السياسي، الاجتماعي، الاقتصادي، والعسكري. ورغم أن هذه الحرب كانت نتيجة لتراكمات معقدة لعوامل متنوعة على مدى سنوات طويلة، إلا أن من الممكن فهم أسباب قيام الحرب العالمية الثانية من خلال مجموعة من الأحداث والتطورات السياسية والاقتصادية التي تضافرت لتؤدي في النهاية إلى انفجار الصراع الكبير.

1. الشروط القاسية لمعاهدة فرساي

أحد الأسباب الأساسية التي ساهمت في اندلاع الحرب العالمية الثانية كان معاهدة فرساي التي وُقعت في عام 1919 بعد نهاية الحرب العالمية الأولى. تهدف هذه المعاهدة إلى معاقبة ألمانيا على ما أُعتبر مسؤوليتها عن الحرب، حيث فرضت عليها شروطًا قاسية كانت بمثابة عقوبات اقتصادية وعسكرية وتجارية. فقد تم إجبار ألمانيا على دفع تعويضات ضخمة، وُضع حد لقواتها العسكرية، وتفكيك إمبراطوريتها الاستعمارية. كما تم فرض قيود كبيرة على صناعاتها العسكرية، وُطِبِقَ نظام تقاسم الأراضي، حيث تم تقسيم بعض الأراضي الألمانية لصالح الدول المجاورة. هذه المعاهدة ولدت في الداخل الألماني شعورًا بالمرارة والظلم، وعززت من الصراعات الداخلية التي أدت إلى صعود النظام النازي بقيادة أدولف هتلر.

2. صعود الأنظمة الديكتاتورية

في السنوات التي تلت الحرب العالمية الأولى، شهدت العديد من الدول تحولًا في الأنظمة السياسية. في ألمانيا، أصبح هتلر والحزب النازي القوة السياسية الرئيسية، ووعد بإعادة عظمة ألمانيا من خلال الاستعانة بالقومية المتطرفة والتوسع العسكري. كما سيطر على مقاليد الحكم في إيطاليا بينيتو موسوليني، الذي أسس نظامًا فاشيًا. في اليابان، بدأ العسكريون في السيطرة على الحكومة وبدأوا في تطبيق سياسة توسعية لتأمين مصادر طبيعية جديدة في الصين وآسيا.

هذه الأنظمة الفاشية والنازية اعتمدت على الشعور القومي المبالغ فيه والتمييز العرقي، مما أدى إلى تصعيد التوترات بين القوى الأوروبية والآسيوية. كان صعود الأنظمة الاستبدادية يشير إلى تغيرات كبيرة في موازين القوى العالمية ويهدد الاستقرار السياسي في أوروبا وآسيا.

3. سياسة التوسع والإمبريالية

كان أحد الأسباب المحورية في اندلاع الحرب هو السياسة التوسعية التي انتهجتها الدول الكبرى في هذا العصر. ففي وقت كانت فيه بعض القوى الأوروبية تعيش حالة من الضعف الاقتصادي، كانت هناك دول أخرى مثل ألمانيا وإيطاليا واليابان تسعى لتوسيع أراضيها وتعزيز نفوذها من خلال القوة العسكرية.

• ألمانيا النازية تحت قيادة هتلر سعت للسيطرة على أراضٍ جديدة في أوروبا الشرقية، بداية من إعادة احتلال منطقة الراين وإعلان ضم النمسا (الأنشلوس)، ثم احتلال تشيكوسلوفاكيا والمطالبة بتوسيع الأراضي في بولندا.

• إيطاليا الفاشية كانت تسعى للهيمنة على منطقة البحر الأبيض المتوسط من خلال غزو إثيوبيا عام 1935 وتهديد مناطق أخرى في شمال أفريقيا.

• اليابان كانت تسعى إلى توسيع نفوذها في منطقة المحيط الهادئ وآسيا من خلال احتلال أجزاء من الصين وكوريا.

تصاعدت التوترات نتيجة لهذه السياسات، حيث كانت القوى الكبرى الأخرى، مثل المملكة المتحدة وفرنسا، تدرك أن هذه الطموحات تشكل تهديدًا لأمنهم ومواردهم الاقتصادية.

4. فشل عصبة الأمم والنظام الدولي

تم تأسيس عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى بهدف الحفاظ على السلام ومنع حدوث حروب جديدة، لكنها فشلت في تحقيق أهدافها. على الرغم من أنها كانت تهدف إلى تسوية النزاعات الدولية بشكل سلمي، فإنها لم تتمكن من اتخاذ إجراءات فعالة ضد الاعتداءات العسكرية أو تصرفات الأنظمة العدوانية.

مما عزز من فشل عصبة الأمم ضعفها السياسي، وعدم مشاركة الولايات المتحدة فيها، وكذلك رفض بعض الدول الكبرى الالتزام بقراراتها. كان هذا الفشل في ضمان النظام الدولي سببًا رئيسيًا في انهيار النظام الذي كان من المفترض أن يحول دون اندلاع حرب جديدة.

5. التسليح والتكنولوجيا العسكرية

لقد شهدت الفترة بين الحربين العالميتين تقدمًا ملحوظًا في التكنولوجيا العسكرية، بما في ذلك الدبابات والطائرات الحربية والغواصات. كان هذا التقدم يشير إلى أن أي حرب مقبلة ستكون أكثر تدميرًا ودموية. هذا التسلح المتسارع دفع الدول الكبرى إلى الانخراط في سباق تسلح، مما أدى إلى تزايد التوترات بينها.

كذلك، كانت القوة الجوية الجديدة، مثل الطائرات القاذفة، قد وضعت دولًا مثل ألمانيا في وضع يمكنها من تنفيذ الهجمات على مسافات بعيدة، ما جعل الحرب أكثر تهديدًا، سواء في القتال المباشر أو من خلال الضغوط النفسية.

6. الحرب في الصين والهيمنة اليابانية

كانت الحرب الصينية-اليابانية الثانية (1937-1945) أحد العوامل التي أسهمت في اندلاع الحرب العالمية الثانية. اليابان كانت قد بدأت في التوسع في الصين في وقت مبكر من الثلاثينات، وبدأت في غزو المناطق الصينية الكبرى. في عام 1937، اجتاحت القوات اليابانية العاصمة الصينية نانجينغ، وأدى ذلك إلى إحداث فظائع كبيرة ضد المدنيين الصينيين. هذا الهجوم ألقى بظلاله على العلاقات الدولية، حيث كانت العديد من الدول الكبرى تدين هذا الهجوم، ولكنها لم تتحرك بشكل جاد للتصدي له.

7. الغزو النازي لبولندا

في 1 سبتمبر 1939، غزت ألمانيا النازية بولندا، وهو الحدث الذي أشعل فتيل الحرب العالمية الثانية. هتلر كان قد صرح مرارًا عن تطلعه لتوسيع الأراضي الألمانية في شرق أوروبا، وتحديدًا في بولندا. فبموجب اتفاق مع الاتحاد السوفيتي (اتفاق مولوتوف-ريبنتروب)، قسم هتلر والزعيم السوفيتي جوزيف ستالين بولندا بينهما. هذا الغزو دفع كل من المملكة المتحدة وفرنسا إلى إعلان الحرب على ألمانيا، ما جعل الحرب العالمية الثانية تبدأ بشكل رسمي.

8. التحالفات العسكرية والإيديولوجية

مع بداية الحرب، كانت القوى العالمية قد انقسمت إلى تحالفين رئيسيين: محور القوى (ألمانيا، إيطاليا، اليابان) والحلفاء (المملكة المتحدة، فرنسا، الاتحاد السوفيتي، والولايات المتحدة). كانت هذه التحالفات جزءًا من توازن القوى الذي شهد تناميًا سريعًا مع دخول الدول المختلفة في الحرب. كان الهدف الرئيسي لكل تحالف هو تعزيز سيطرته العسكرية والسياسية، وهو ما أدى إلى تصعيد التوترات بين القوى المتنافسة.

9. العوامل الاقتصادية والكساد الكبير

أدى الكساد الكبير الذي بدأ في عام 1929 إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية في العديد من الدول، مما أسهم في زيادة التوترات بين القوى الاقتصادية الكبرى. كانت ألمانيا تعاني من آثار الكساد، مما دفعها إلى البحث عن حلول من خلال سياسات عدوانية في السياسة الخارجية، وهو ما كان له تأثير كبير في سياستها الخارجية. في الوقت نفسه، سعت الدول الأخرى، مثل اليابان، إلى السيطرة على الأراضي والموارد لتوفير الغذاء والنفط، مما زاد من تعقيد الوضع العالمي.

خاتمة

إذا تم النظر إلى الأسباب التي أدت إلى قيام الحرب العالمية الثانية من خلال الأحداث السياسية، الاقتصادية، والعسكرية، نجد أن الصراع كان نتيجة لعوامل متشابكة ومعقدة. معاهدة فرساي، صعود الأنظمة الديكتاتورية، سياسة التوسع والإمبريالية، فشل عصبة الأمم، والتسليح المتسارع كانت كلها عوامل ساهمت في خلق بيئة خصبة لاندلاع الحرب. كما أن غزو بولندا كان بمثابة الشرارة التي أشعلت فتيل الحرب، لتدخل البشرية في مرحلة مظلمة مليئة بالدمار والخسائر البشرية والاقتصادية.