6 أسباب لانخفاض طاقة الجسم عند الشباب والمراهقين

في مرحلة الشباب والمراهقة، يُفترض أن يكون الجسم في أوج قوته وحيويته، حيث تتسم هذه المرحلة بالعنفوان الجسدي والنفسي والقدرة على الإنجاز. إلا أن الكثير من الشباب والمراهقين يعانون من ظاهرة مقلقة، تتمثل في انخفاض ملحوظ في مستويات الطاقة والحيوية، مما يؤدي إلى التعب المستمر، انخفاض الأداء الدراسي والرياضي، اللامبالاة، وتراجع القدرات الذهنية. هذه الحالة ليست مجرد شعور مؤقت بالإرهاق، بل قد تكون مؤشراً لحالة مستمرة تتطلب الفهم والمعالجة.

تشير الدراسات الحديثة في مجالات الصحة العامة وعلم النفس إلى أن انخفاض طاقة الجسم لدى الشباب يعود إلى مجموعة من العوامل المتداخلة، منها ما هو عضوي، ومنها ما هو نفسي أو ناتج عن أنماط حياة غير صحية. في هذا المقال المطول، سنتناول بشيء من التوسع والتحليل العلمي ستة من أهم الأسباب التي تقف وراء هذه الظاهرة، مع التركيز على التفاعلات البيولوجية والنفسية والسلوكية التي تسهم في تفاقم هذه المشكلة.

1. اضطرابات النوم: حجر الزاوية في تدهور الطاقة

تُعد اضطرابات النوم من أكثر الأسباب شيوعاً لانخفاض الطاقة لدى فئة الشباب والمراهقين. فالجسم والعقل يعتمدان بشكل أساسي على النوم لإعادة شحن النظام العصبي والهرموني، وتجديد الخلايا، وتعزيز الجهاز المناعي. إلا أن الأنماط الحديثة للنوم في المجتمعات المعاصرة، ولا سيما بين الشباب، تتسم بالفوضوية والانقطاع المتكرر.

تتراوح اضطرابات النوم بين الأرق، والنوم المتأخر، والاستيقاظ الليلي المتكرر، والنوم غير الكافي. وتؤدي هذه الحالات إلى اضطراب في إفراز هرمون الميلاتونين (هرمون النوم)، وخلل في دورات النوم العميق (NREM)، مما يقلل من فعالية النوم كمصدر لإعادة الطاقة.

كما أن الإفراط في استخدام الأجهزة الإلكترونية قبل النوم يسهم بشكل كبير في تثبيط إفراز الميلاتونين نتيجة التعرض للضوء الأزرق الصادر من الشاشات، وهو ما يسبب تأخير بدء النوم ويقلل من جودته.

2. نقص التغذية أو سوء النظام الغذائي

تلعب التغذية دوراً محورياً في مستوى الطاقة الجسدية والعقلية، ويُعد النقص في بعض العناصر الغذائية الأساسية سبباً مباشراً لانخفاض الطاقة لدى الشباب. وتشير العديد من الدراسات التغذوية إلى أن الأنظمة الغذائية التي تفتقر إلى البروتينات، الحديد، فيتامين B12، أوميغا 3، والزنك، تؤدي إلى ضعف عام في الجسم والخمول المستمر.

تُعد وجبات الشباب المعاصرة، التي تركز على الوجبات السريعة والمصنعة والمشروبات السكرية، من أبرز العوامل التي تؤدي إلى خلل في مستوى السكر في الدم، ما يؤدي إلى طفرات سريعة في الطاقة يتبعها هبوط حاد، يعرف باسم “تحطم السكر”، والذي يترافق مع تعب وبلادة في التفكير وضعف في التركيز.

كما أن الصيام الطويل أو تخطي الوجبات، خاصة وجبة الإفطار، يُعتبر من العوامل المهمة في استنزاف الطاقة، حيث يحرم الجسم من مصادر الوقود الأساسية اللازمة لبدء اليوم بفعالية.

3. الخمول الجسدي ونقص الحركة

رغم أن منطقياً يُفترض أن الراحة تُجدد الطاقة، إلا أن الدراسات الفيزيولوجية تشير إلى أن الخمول الجسدي المزمن يُسبب انخفاضاً في مستويات الطاقة على المدى الطويل. فالنشاط البدني المعتدل والمنتظم يسهم في تحفيز الدورة الدموية، وزيادة ضخ الأوكسجين إلى الخلايا، وتنشيط الميتوكوندريا، وهي المراكز المسؤولة عن إنتاج الطاقة في خلايا الجسم.

المراهقون الذين يقضون ساعات طويلة في الجلوس أمام الشاشات أو في وضعيات غير نشطة، يعانون من ضعف في وظيفة القلب والرئتين، وتراكم التوتر العضلي، وانخفاض في هرمونات مثل الإندورفين والدوبامين، وهي المسؤولة عن الشعور بالنشاط والمزاج الإيجابي.

وقد أظهرت دراسات أجريت على طلاب مدارس ثانوية أن من يمارسون رياضة خفيفة بانتظام، كالمشي السريع أو ركوب الدراجة، يظهرون مستويات طاقة وتركيز أعلى بنسبة تصل إلى 35% مقارنة بأقرانهم غير النشطين.

4. الاضطرابات النفسية والعاطفية

يمثل الجانب النفسي عاملاً حاسماً في تحديد مستوى الطاقة، فالاكتئاب والقلق والتوتر المزمن تُعد من بين أكثر الأسباب التي تؤدي إلى الشعور بالإرهاق الذهني والجسدي. يعاني المراهقون بشكل خاص من تغيرات هرمونية وعاطفية قد تجعلهم عرضة لموجات من الحزن أو القلق غير المبرر، تؤثر على نظرتهم للعالم وتحفز استجابات كيميائية داخل الدماغ تؤدي إلى انخفاض الطاقة.

يرتبط الاكتئاب، على وجه الخصوص، بانخفاض في السيروتونين والدوبامين، وهما ناقلان عصبيان يلعبان دوراً في المزاج والدافع والطاقة. ومع استمرار الاضطرابات النفسية دون علاج، قد تظهر أعراض جسدية مثل ضعف الشهية، قلة النوم، الشعور بالإجهاد المستمر، مما يجعل المراهق محصوراً في دائرة من التعب المزمن.

وتشير الأبحاث النفسية إلى أن حالات التوتر المرتبطة بالضغوط الاجتماعية أو الأكاديمية في فئة الشباب تؤدي إلى إفراز مفرط لهرمون الكورتيزول، والذي بدوره يعوق استجابة الجسم الطبيعية للطاقة ويؤثر على نوعية النوم والذاكرة.

5. اضطرابات الغدة الدرقية والخلل الهرموني

تُعد الغدة الدرقية من الغدد الأساسية التي تتحكم في عملية الأيض وإنتاج الطاقة. وعند حدوث اضطراب في وظائفها، كما في حالة قصور الغدة الدرقية (Hypothyroidism)، يظهر التعب المزمن كأحد الأعراض الأساسية. تؤثر هذه الحالة على الشبان والمراهقين بدرجة أقل من البالغين، لكنها ليست نادرة، وقد تمر دون تشخيص لفترات طويلة بسبب تشابه أعراضها مع مشكلات أخرى مثل فقر الدم أو الاكتئاب.

في حالات قصور الغدة، يكون هناك نقص في إفراز هرموني T3 وT4، مما يؤدي إلى بطء في العمليات الحيوية، برودة الأطراف، زيادة الوزن، واضطراب المزاج، وكلها مؤشرات على انخفاض الطاقة.

من جانب آخر، فإن فترة المراهقة تشهد طفرات هرمونية كبيرة، خاصة في هرموني التستوستيرون والإستروجين، وقد يصاحب هذه التغيرات اضطرابات في التوازن الهرموني العام، تؤثر على المزاج، النوم، والشهية، وبالتالي على مستويات الطاقة.

6. فقر الدم (الأنيميا)

فقر الدم، وخاصة الناتج عن نقص الحديد، يُعد من أكثر الحالات الشائعة التي تؤثر بشكل مباشر على طاقة الجسم عند الشباب والمراهقين، وخصوصاً عند الإناث في فترة البلوغ بسبب بدء الدورة الشهرية. الحديد هو عنصر أساسي في تكوين الهيموغلوبين، وهو البروتين المسؤول عن نقل الأوكسجين إلى خلايا الجسم، وأي نقص في مستوياته يؤدي إلى نقص في إمداد الأوكسجين للأنسجة، وهو ما يسبب الإرهاق والضعف العام.

تشمل أعراض فقر الدم الشائعة شحوب البشرة، تسارع ضربات القلب، دوخة، ضيق في التنفس، وأحياناً ضعف في التركيز. وغالباً ما تكون الأنظمة الغذائية غير المتوازنة مسؤولة عن ذلك، خاصة إذا كانت تفتقر إلى اللحوم الحمراء، البقوليات، الخضروات الورقية، والأطعمة الغنية بفيتامين C الذي يعزز امتصاص الحديد.

في بعض الحالات، يكون فقر الدم نتيجة لمشكلات في الامتصاص المعوي أو اضطرابات مزمنة مثل الداء الزلاقي (Celiac disease)، مما يتطلب تشخيصاً دقيقاً ومتابعة طبية.

جدول: مقارنة بين الأسباب الرئيسية لانخفاض الطاقة وتأثيرها على الجسم

خاتمة

إن انخفاض طاقة الجسم عند الشباب والمراهقين ليس ظاهرة عابرة يمكن تجاهلها، بل هو مؤشر على خلل في واحد أو أكثر من مكونات النظام الصحي والنفسي والهرموني للفرد. فالفهم الدقيق لأسباب هذا الانخفاض، كما تم تفصيله في هذا المقال، يُعد الخطوة الأولى نحو التدخل السليم، سواء كان ذلك عبر تحسين نمط الحياة، تعديل النظام الغذائي، ممارسة الرياضة، أو التوجه نحو التشخيص الطبي في حال وجود أعراض مستمرة.

ويُوصى بأن تتضافر جهود الأُسر، المؤسسات التعليمية، والمجتمع الطبي لرصد هذه الحالات في وقت مبكر، وتعزيز الوعي لدى الشباب والمراهقين حول أهمية الاهتمام بصحتهم الجسدية والعقلية لضمان نشأتهم السليمة كأفراد فاعلين في مجتمعاتهم.

المراجع:

1. Mayo Clinic. Fatigue – Symptoms and Causes. https://www.mayoclinic.org

2. National Institutes of Health. Iron Deficiency Anemia. https://www.nhlbi.nih.gov