أسباب انجذاب البعوض للبشر

لماذا ينجذب البعوض إلى بعضنا دون الآخر؟

يعد البعوض من الحشرات التي تثير الكثير من الإزعاج في حياتنا اليومية، وخاصة في فترات الصيف والأمطار، حيث يكثر وجودها وتزداد حاجتها للبحث عن مصادر غذائية، خاصة من الثدييات التي تتغذى على دمائها. لكن من الملاحظ أن بعض الأشخاص يعانون من لدغات البعوض أكثر من غيرهم. يطرح هذا التساؤل العديد من الأسئلة حول أسباب انجذاب البعوض إلى بعض الأفراد دون غيرهم، وعلى الرغم من أن العديد من العوامل قد تساهم في ذلك، إلا أن هناك بعض الجوانب التي تم دراستها علمياً بشكل أكبر من غيرها.

العوامل البيئية والمناخية

أحد أهم العوامل التي تؤثر في نشاط البعوض هو المناخ. البعوض يفضل الأجواء الحارة والرطبة، حيث يمكنه أن ينجذب بسهولة إلى المناطق التي توفر له بيئة مناسبة لوضع بيضه، بالإضافة إلى الأجواء التي تساعده على البقاء نشطاً. تتراوح درجات الحرارة المثلى التي يفضلها البعوض بين 25 و30 درجة مئوية، وهي نفس الظروف التي تجذب البشر في الطقس الحار.

كما أن المناطق الرطبة تشكل بيئة مثالية للبعوض، حيث توفر مياه راكدة يمكن أن تضع فيها بيضها. وبالتالي، فإن الأشخاص الذين يعيشون في المناطق ذات الرطوبة المرتفعة أو التي تحتوي على مسطحات مائية راكدة مثل البرك أو الأنهار، هم أكثر عرضة لتعرضهم للدغات البعوض.

العوامل البيولوجية والفسيولوجية

تتأثر فرص انجذاب البعوض للفرد بعدد من العوامل البيولوجية، التي تتعلق بشكل رئيسي بالغدد العرقية، والهرمونات، والرائحة التي تنبعث من الجلد. على سبيل المثال، يبدو أن الأشخاص الذين لديهم كمية أعلى من حمض اللبنيك في عرقهم يكونون أكثر جذباً للبعوض. هذا الحمض، الذي يتم إفرازه عند التعرق، يفرز بكميات أكبر لدى الأشخاص الذين يمارسون النشاط البدني أو أولئك الذين يعانون من درجات حرارة جسمية مرتفعة. وبالإضافة إلى ذلك، البعوض ينجذب أيضاً إلى ثاني أكسيد الكربون الذي يُفرَز أثناء التنفس.

من العوامل البيولوجية الأخرى التي تؤثر في انجذاب البعوض هي نوع الدم. الدراسات تشير إلى أن الأشخاص ذوي فصيلة الدم “O” يتعرضون للدغات البعوض أكثر من أولئك الذين لديهم فصيلة دم “A” أو “B” أو “AB”. تشير بعض الدراسات إلى أن الأشخاص الذين يحملون فصيلة الدم “O” يفرزون مكونات كيميائية على سطح جلدهم تجعلهم أكثر جذباً للبعوض مقارنة بالآخرين. وقد وجد العلماء أن هذه المكونات الكيميائية تتفاعل مع الرائحة التي يفرزها الجسم، مما يؤدي إلى جذب البعوض بشكل أكبر.

الجينات والمورثات

تلعب الجينات دوراً مهماً في تحديد مدى انجذاب البعوض للشخص. حيث أظهرت بعض الدراسات أن الأفراد الذين يحملون تركيبات جينية معينة قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بالدغات البعوض مقارنة بالآخرين. على سبيل المثال، الجينات المسؤولة عن إفراز المواد الكيميائية المميزة على الجلد تؤثر بشكل كبير في مدى جذب البعوض.

تشير بعض الأبحاث إلى أن الأشخاص الذين يعانون من فرط نشاط بعض الأنزيمات في جلدهم، مثل أنزيم “ألستيراز”، يمكن أن يجذبوا البعوض بشكل أكبر بسبب زيادة إفراز المواد التي يحبها البعوض.

العوامل المرتبطة بالحركة والنشاط البدني

أثبتت الدراسات أن النشاط البدني يعد عاملاً مهماً في جذب البعوض. عندما يبذل الإنسان مجهوداً بدنياً، يفرز الجسم مزيداً من العرق، الذي يحتوي على المواد الكيميائية التي يحبها البعوض. علاوة على ذلك، يزيد من مستويات ثاني أكسيد الكربون المنبعث أثناء التنفس، مما يجعل الشخص أكثر جذباً للبعوض. هذا يفسر سبب انجذاب البعوض بشكل أكبر للأشخاص الذين يمارسون الرياضة أو يعملون في الأماكن المفتوحة في الطقس الحار.

الحمل والتغيرات الهرمونية

النساء الحوامل يُعتبرن أكثر عرضة لعضات البعوض مقارنة بالنساء غير الحوامل. يعود ذلك إلى التغيرات الهرمونية التي تحدث أثناء الحمل. إذ يزيد إفراز بعض الهرمونات، مثل الأستروجين، وكذلك ثاني أكسيد الكربون، وهو ما يجعل الجسم أكثر جذباً للبعوض. كما أن الحوامل يفرزن حمض اللبنيك بكميات أكبر، مما يعزز من جذب البعوض.

الأطعمة والمشروبات

النظام الغذائي الذي يتبعه الشخص له تأثير كبير على انجذاب البعوض له. تناول الأطعمة الغنية بالكربوهيدرات أو الأطعمة الحارة يمكن أن يزيد من نشاط الغدد العرقية ويزيد من إفراز الحمض اللبني، مما يجعل الشخص أكثر جذباً للبعوض. على الجانب الآخر، تناول كميات كبيرة من الكحول يمكن أن يجعل الشخص أكثر عرضة للدغ البعوض، حيث تشير الدراسات إلى أن الكحول يزيد من تدفق الدم وبالتالي يفرز المزيد من ثاني أكسيد الكربون.

الملابس والألوان

تؤثر الملابس والألوان التي يرتديها الشخص على جذب البعوض. عادة ما ينجذب البعوض إلى الألوان الداكنة مثل الأسود والرمادي والأزرق. يرجح أن السبب في ذلك هو أن هذه الألوان تمتص الضوء بشكل أكبر، مما يجعل الشخص يبدو أكثر وضوحاً للبعوض. في المقابل، الألوان الفاتحة مثل الأبيض والبيج تمتص الضوء بدرجة أقل، مما يجعل الشخص أقل جذباً للبعوض.

العوامل البيئية الأخرى

عوامل أخرى مثل الروائح الاصطناعية والمبيدات الحشرية يمكن أن تؤثر على انجذاب البعوض. هناك العديد من العطور ومستحضرات التجميل التي تحتوي على مكونات تجذب البعوض، مثل العطور ذات الرائحة الزهرية أو الفواكه. من ناحية أخرى، يمكن لبعض المواد مثل زيت السترونيلا أو زيت اللافندر أن تُستخدم لصد البعوض وتقليل فرص لدغاته.

الخلاصة

يعتبر انجذاب البعوض إلى بعض الأشخاص دون غيرهم نتيجة لتداخل عدة عوامل بيولوجية وبيئية. على الرغم من أن بعض هذه العوامل يمكن التحكم فيها، مثل النشاط البدني أو نوع الملابس، إلا أن هناك عوامل أخرى مثل الجينات أو فصيلة الدم التي تكون أكثر صعوبة في التغيير. مهما كانت العوامل التي تجذب البعوض، من المهم أن يتخذ الأشخاص الإجراءات اللازمة لحماية أنفسهم، مثل استخدام المبيدات الحشرية، وارتداء الملابس المناسبة، أو استخدام بعض الزيوت الطبيعية التي تساعد على صد البعوض.