لماذا ننام أثناء المحاضرات؟ الأسباب النفسية، البيولوجية، والسياقية وراء ظاهرة شائعة في البيئة التعليمية

يعد النوم أثناء المحاضرات ظاهرة شائعة في الأوساط الأكاديمية، تمتد عبر مختلف الأعمار والمستويات الدراسية، من المدارس الثانوية إلى الجامعات. على الرغم من أن هذا السلوك قد يبدو للوهلة الأولى نتيجة لعدم الاهتمام أو ضعف الانضباط، إلا أن الدراسات والأبحاث العلمية تشير إلى أن الأمر أكثر تعقيدًا، ويرتبط بمجموعة من العوامل البيولوجية، النفسية، البيئية، والسلوكية التي تؤثر في مستوى الانتباه والاستيقاظ لدى الطلبة.

لا يمكن فصل هذه الظاهرة عن السياق التعليمي والثقافي، ولا عن الإيقاع الحيوي الطبيعي للإنسان، ولا عن جودة الحياة التي يعيشها الطالب، سواء من ناحية التغذية، النوم، الحالة النفسية أو البيئة المحيطة. إن استيعاب هذه الظاهرة بشكل شامل يساعد على إعادة النظر في أساليب التعليم وظروف التعلم من أجل تحقيق بيئة تعليمية أكثر فعالية وكفاءة.

أولاً: العوامل البيولوجية المرتبطة بالنوم خلال المحاضرات

1. الإيقاع اليومي الطبيعي (Circadian Rhythm)

الإيقاع اليومي الطبيعي هو الساعة البيولوجية التي تنظم دورات النوم والاستيقاظ في الجسم. وتظهر الدراسات أن ذروة النشاط والتركيز العقلي لا تكون عادة في ساعات الصباح الباكر، وهو الوقت الذي تُعقد فيه معظم المحاضرات الجامعية. ويُعاني كثير من الطلاب من اضطراب هذا الإيقاع بسبب التزامات الدراسة أو العادات الاجتماعية الليلية، مما يجعل حضور المحاضرات الصباحية تحديًا حقيقيًا للجسم والعقل.

2. قلة النوم المزمن

قلة النوم هي أحد أبرز الأسباب التي تؤدي إلى النوم أثناء المحاضرات. فالكثير من الطلاب ينامون أقل من الحد الأدنى الموصى به (7-9 ساعات للبالغين). ويتفاقم هذا النقص بفعل ضغوط الدراسة، العمل الجزئي، أو الانخراط في الحياة الاجتماعية. يؤثر نقص النوم على الوظائف المعرفية، الانتباه، واليقظة، ويجعل الجسم في حالة بحث مستمر عن الراحة، خاصة في بيئة هادئة مثل قاعات المحاضرات.

3. اضطرابات النوم

يعاني بعض الطلاب من اضطرابات النوم غير المشخصة مثل الأرق، انقطاع النفس أثناء النوم (Sleep Apnea)، ومتلازمة تململ الساقين، والتي تؤثر على جودة النوم ليلاً، وتؤدي إلى شعور دائم بالنعاس خلال النهار. كما أن البعض يعاني من النوم القهري (Narcolepsy) وهو اضطراب عصبي يؤدي إلى نوبات نوم مفاجئة، وغالباً ما يخلط بينه وبين الكسل أو الإهمال.

ثانيًا: العوامل النفسية والسلوكية

1. التوتر والقلق

يلعب التوتر والقلق النفسي دورًا كبيرًا في تعطيل أنماط النوم الطبيعية. الطلبة الذين يعانون من قلق الامتحانات، مشاكل أسرية، أو ضغوط الحياة الأكاديمية، غالبًا ما يجدون صعوبة في النوم ليلاً. إضافة إلى ذلك، فإن مستويات التوتر العالية تقلل من القدرة على التركيز خلال المحاضرة، وتزيد من ميل العقل إلى “الهروب” عبر النوم كآلية لا واعية لتجنب التفاعل مع الواقع.

2. الملل وفقدان الحافز

الملل هو أحد أقوى الدوافع النفسية للنوم أثناء المحاضرة. عندما يشعر الطالب أن المادة المطروحة غير مثيرة للاهتمام، أو أن أسلوب المحاضر غير مشوق، يتراجع نشاط الدماغ تدريجيًا وتدخل الحالة الذهنية في نوع من “الركود” الذي يفتح المجال أمام النعاس. يتفاقم هذا الأمر عندما تكون المحاضرة أحادية الاتجاه، وتفتقر للتفاعل أو التحفيز.

3. العادات السلوكية الخاطئة

تتضمن هذه العادات تناول وجبات ثقيلة قبل المحاضرة، أو الاعتماد على الكافيين المفرط خلال اليوم، مما يؤدي إلى اضطراب دورة النوم الطبيعية، أو استخدام الهاتف الذكي قبل النوم لساعات طويلة، وهو ما يرتبط علميًا بتقليل جودة النوم بسبب التعرض للضوء الأزرق.

ثالثًا: البيئة الفيزيائية داخل قاعات المحاضرات

1. ضعف التهوية والإضاءة

قاعات المحاضرات التي تفتقر إلى التهوية الجيدة، أو ذات الإضاءة الخافتة، تخلق بيئة مثالية للنوم. يشير خبراء بيئة التعلم إلى أن التهوية السيئة تؤدي إلى تراكم غاز ثاني أكسيد الكربون، مما يقلل من نشاط الدماغ ويزيد من الشعور بالنعاس.

2. المقاعد المريحة بشكل مفرط

قد تبدو الراحة في الجلوس ميزة، إلا أنها تصبح عائقًا إذا كانت مفرطة، حيث تساعد بعض الكراسي الجامعية المصممة لتكون مريحة على ارتخاء الجسم إلى درجة تسهيل الدخول في النوم، خصوصًا في ظل تكرار المحاضرات الطويلة.

3. درجات الحرارة

تُعد درجة الحرارة من العوامل الحاسمة. فالجو الدافئ والخانق يسرع الشعور بالنعاس. في المقابل، الجو المعتدل أو البارد قليلاً يساعد على إبقاء الجسم في حالة تنبيه. كثير من القاعات الجامعية تُضبط فيها درجات الحرارة بناءً على معايير غير مثالية لحفظ التركيز.

رابعًا: تصميم النظام التعليمي نفسه

1. الجدول الدراسي المرهق

غالبًا ما تكون الجداول الدراسية مكثفة وغير موزعة بشكل متوازن. وجود أكثر من محاضرة متتالية دون فواصل زمنية كافية للراحة، أو إدراج محاضرات طويلة في فترات ما بعد الغذاء، حيث يكون الجسم في حالة استرخاء طبيعي (ما يعرف بانخفاض الوعي بعد الوجبة أو post-lunch dip)، كلها عوامل تجعل النوم خلال المحاضرات أمرًا شائعًا.

2. أساليب التدريس التقليدية

تعتمد الكثير من المحاضرات الجامعية على الأسلوب التلقيني الذي يتجاهل دور الطالب كمشارك نشط في العملية التعليمية. وعندما يغيب التفاعل، تُصبح المحاضرة أقرب إلى خطاب ممل، يُنتج شعورًا بالانفصال العقلي، ما يعزز الدخول في حالة من النعاس.

3. عدم مراعاة التنوع العصبي والمعرفي

تغيب عن كثير من الأنظمة التعليمية المرونة في التعامل مع أنماط التعلّم المختلفة. بعض الطلاب ينشطون ذهنيًا في الصباح، وآخرون في المساء. كما أن هناك من يحتاج إلى وسائل بصرية أو تجريبية لفهم المحتوى، بينما تقتصر المحاضرات على الأسلوب السمعي فقط. هذا الانفصال بين الطريقة والأسلوب يُسهم في تسرب الانتباه والرغبة في النوم.

خامسًا: العوامل الاجتماعية والاقتصادية

1. العمل بجانب الدراسة

يضطر العديد من الطلاب الجامعيين للعمل لساعات طويلة خارج الجامعة لتغطية نفقاتهم، مما يؤثر سلبًا على أوقات الراحة. هؤلاء الطلاب ينامون ساعات قليلة، ومع وجود ضغط الدوام الجامعي، لا يجدون وقتًا للنوم إلا خلال المحاضرات.

2. اضطرابات الحياة الأسرية

الطلبة الذين يقطنون مع أسر كبيرة العدد، أو في منازل غير مهيأة للمذاكرة والنوم السليم، يعانون من مشاكل في جودة النوم، ما ينعكس مباشرة على يقظتهم خلال اليوم الدراسي.

جدول يوضح العوامل المؤثرة في النوم أثناء المحاضرات وتأثيرها:

سادسًا: حلول مقترحة لمواجهة ظاهرة النوم في المحاضرات

لا تكمن أهمية فهم ظاهرة النوم في المحاضرات فقط في معرفة أسبابها، بل أيضًا في اقتراح حلول عملية قابلة للتطبيق تضمن بيئة تعليمية أكثر تحفيزًا واستجابة لاحتياجات الطلاب. من بين الحلول الممكنة:

• إعادة النظر في جداول المحاضرات لتتوافق مع الإيقاع البيولوجي للطلبة.

• تشجيع طرق تدريس تفاعلية ونشطة تقلل من الملل.

• تحسين بيئة المحاضرات من حيث التهوية، الإضاءة، ودرجة الحرارة.

• توعية الطلبة بأهمية النوم الصحي وسبل تحقيقه.

• توفير دعم نفسي داخل الجامعات لمساعدة الطلاب على مواجهة التوتر والقلق.

• الأخذ بعين الاعتبار أن النوم داخل المحاضرة لا يعني دائمًا الكسل، بل قد يكون عرضًا لمشكلة أعمق تستدعي الفهم والدعم لا العقاب.

الخاتمة

النوم أثناء المحاضرات ليس مجرد سلوك عابر أو ظاهرة سلبية مرتبطة بالإهمال. بل هو نتيجة تفاعل معقد بين عوامل داخلية وخارجية تؤثر على الطالب وتجعله غير قادر على مقاومة النعاس في لحظات من المفترض أن يكون فيها في قمة انتباهه. من خلال دراسة هذه الظاهرة بشكل علمي شامل، يمكن للمؤسسات التعليمية العمل على تحسين بيئة التعلم، وأساليب التدريس، وتوفير الدعم اللازم للطلبة، مما يسهم في تحسين التحصيل العلمي، وتطوير العملية التعليمية بشكل عام.

المراجع:

1. Walker, M. (2017). Why We Sleep: Unlocking the Power of Sleep and Dreams. Scribner.

2. Hershner, S. D., & Chervin, R. D. (2014). Causes and consequences of sleepiness among college students. Nature and Science of Sleep.