أسباب النسيان و تفسيرات علمية

النسيان: 4 تفسيرات علمية

النِّسيان هو ظاهرة طبيعية تحدث بشكل يومي، يتعرض لها الجميع في مرحلة ما من حياتهم. على الرغم من أنه قد يبدو مشكلة مزعجة في بعض الأحيان، إلا أن النسيان هو جزء من عملية الدماغ التي تهدف إلى ترتيب وتنظيم المعلومات. قد يحدث النسيان نتيجة لعدة عوامل، منها عوامل نفسية وعضوية. في هذا المقال، سوف نستعرض أربعة تفسيرات علمية لظاهرة النسيان، وكيفية تأثير هذه التفسيرات على حياتنا اليومية.

1. النسيان نتيجة لتحلل الذاكرة:

أحد التفسيرات العلمية الأكثر شيوعًا للنسيان هو عملية تحلل الذاكرة. وفقًا لهذه النظرية، فإن المعلومات التي نخزنها في الذاكرة تتعرض مع مرور الوقت لعملية “التحلل” أو التلاشي. يمكن تشبيه هذه العملية بفكرة التخزين في جهاز الكمبيوتر، حيث تتمثل فكرة التحلل في أن المعلومات المخزنة تكون عرضة للتقادم أو التدهور إذا لم تُستخدم بانتظام.

تعتبر الذاكرة البشرية مثارًا لاهتمام الباحثين في مجالات علم الأعصاب وعلم النفس العصبي، إذ تتأثر قدرتنا على تذكر المعلومات بعد مرور فترة من الزمن. فالتكرار المستمر واستخدام الذكريات يعزز من قوة الذاكرة، بينما قد يتسبب تجاهل المعلومات وعدم مراجعتها في تدهورها.

نظرية التلاشي تشير إلى أن المعلومات التي لا نقوم بمراجعتها بانتظام أو لا نستخدمها، تبدأ في الاختفاء تدريجيًا من ذاكرة الإنسان. هذه العملية تحدث في مناطق الدماغ التي تختص بتخزين واسترجاع المعلومات، مثل الحُصين (hippocampus). ويمكن أن تكون هذه الظاهرة أكثر وضوحًا في الذاكرة قصيرة المدى مقارنة بالذاكرة طويلة المدى.

2. النسيان بسبب التداخل:

نظرية أخرى تفسر النسيان هي “نظرية التداخل” (Interference Theory)، التي تشير إلى أن النسيان يحدث نتيجة لتداخل المعلومات المختلفة في الدماغ. عندما نتعرض لمعلومات جديدة أو نتعلم أشياء جديدة، يمكن أن تتداخل هذه المعلومات مع المعلومات القديمة في الذاكرة، مما يؤدي إلى صعوبة في استرجاعها. وتنقسم هذه الظاهرة إلى نوعين رئيسيين:

• التداخل المسبق: يحدث عندما تؤثر المعلومات القديمة التي سبق تخزينها في الذاكرة على قدرة الشخص على تذكر معلومات جديدة. على سبيل المثال، قد تجد صعوبة في تذكر اسم شخص جديد لأنك لا تزال تتذكر أسماء أشخاص آخرين.

• التداخل اللاحق: يحدث عندما تؤثر المعلومات الجديدة التي تم تعلمها مؤخرًا على القدرة على استرجاع المعلومات القديمة. قد تشعر أنك نسيت شيئًا كنت تعرفه جيدًا بسبب تعرضك لمعلومات جديدة مشابهة.

تعد هذه النظرية شائعة في دراسة النسيان على الرغم من أنها تتأثر بشدة بالتركيز والانتباه. فعندما ننتقل من مهمة إلى أخرى أو نواجه تحديات جديدة بسرعة، يمكن أن يحدث التداخل ويؤدي إلى صعوبة في تذكر بعض المعلومات القديمة.

3. النسيان بسبب الضغط النفسي والقلق:

تعتبر الحالة النفسية للإنسان أحد العوامل المؤثرة بشدة في القدرة على تذكر المعلومات. فالضغط النفسي، القلق، والتوتر يمكن أن يؤثروا بشكل كبير على قدرة الدماغ في معالجة وتخزين الذكريات. وفقًا لعدد من الدراسات النفسية، فإن مستويات القلق المرتفعة يمكن أن تؤثر في عمل الحُصين، وهو الجزء من الدماغ المسؤول عن تخزين الذكريات القصيرة المدى وتحويلها إلى ذاكرة طويلة المدى.

حينما يتعرض الشخص لضغوط نفسية أو يشعر بالقلق المستمر، قد يواجه صعوبة في التركيز على تفاصيل معينة. وهذا يؤثر بشكل مباشر على عملية التشفير (Encoding) للذكريات. إذا كانت الذاكرة غير مشفرة بشكل جيد أثناء الحدث، فإن استرجاعها لاحقًا سيكون صعبًا أو مستحيلاً.

يعتبر النسيان في هذه الحالة استجابة تكيفية من الدماغ. الدماغ البشري يعمد إلى تهميش بعض الذكريات أو المعلومات في الحالات التي قد تكون مشحونة عاطفيًا أو عصبيًا، بهدف تقليل الشعور بالتوتر أو الضغط.

4. النسيان بسبب اضطرابات الذاكرة:

من التفسيرات التي قد تفسر النسيان أيضًا هي الاضطرابات التي قد تصيب الذاكرة نتيجة لظروف طبية أو عضوية. تشمل هذه الاضطرابات العديد من الأمراض مثل مرض الزهايمر، الخرف، أو الإصابات الدماغية التي تؤثر على العمليات العصبية المسؤولة عن تخزين واسترجاع المعلومات.

• مرض الزهايمر: هو أحد أكثر الاضطرابات العصبية شيوعًا التي تسبب فقدان الذاكرة التدريجي. الأشخاص المصابون بهذا المرض يعانون من صعوبة في تذكر المعلومات الحديثة أو استرجاع الذكريات القديمة. كما قد يفقدون القدرة على تمييز الأشخاص أو الأماكن التي كانوا يعرفونها.

• الإصابات الدماغية: يمكن أن تؤدي الإصابات التي تحدث نتيجة حوادث أو صدمات إلى تلف خلايا الدماغ، مما يعرقل عملية استرجاع الذكريات. في بعض الحالات، قد يؤدي التضرر الحاد للمناطق المسؤولة عن الذاكرة مثل الحُصين إلى تدهور القدرات المعرفية.

• الخرف: الخرف هو مصطلح عام يشير إلى مجموعة من الاضطرابات التي تؤثر في الوظائف المعرفية. النسيان المتكرر، وصعوبة التذكر، وفقدان القدرة على التعرف على الوجوه أو الأماكن هي من الأعراض الشائعة التي ترتبط بالخرف.

غالبًا ما يرتبط النسيان الناتج عن اضطرابات طبية بحالة طبية مزمنة تتطلب علاجًا مستمرًا ودعماً من الأطباء المختصين.

الخلاصة

إن النسيان ليس مجرد عملية فوضوية تحدث في الدماغ، بل هو نتيجة لعدة عوامل علمية معقدة. من التحلل التدريجي للمعلومات في الذاكرة إلى التداخل بين الذكريات، إلى التأثيرات النفسية والضغط النفسي، وحتى الاضطرابات الطبية التي قد تؤثر على الدماغ. كل من هذه العوامل تساهم في كيف ومتى ولماذا ننسى شيئًا ما. من خلال فهم هذه التفسيرات العلمية، يمكن للإنسان أن يتعامل بشكل أفضل مع النسيان وأن يدرك أنه جزء طبيعي من عملية العقل البشري.