أسباب المد والجزر وتأثيراتها

المد والجزر: ظاهرة طبيعية تحدث بسبب تأثيرات الجاذبية الأرضية

المد والجزر هما ظاهرتان طبيعتان تحدثان في المحيطات والبحار بسبب تأثيرات الجاذبية بين الأرض والقمر والشمس. يتسبب هذان التأثيران في حدوث ارتفاعات وانخفاضات في مستوى مياه البحر بشكل منتظم ومتكرر، وهذا التغيير في منسوب المياه يعرف بالمد والجزر. ولكن كيف يحدث المد والجزر؟ وما هي العوامل التي تؤثر في هذه الظاهرة الطبيعية؟ في هذا المقال، سنسلط الضوء على أسباب المد والجزر، وكيفية حدوثهما، بالإضافة إلى أنواعها وتأثيراتها على البيئة والحياة البحرية.

أولاً: ما هي ظاهرة المد والجزر؟

المد والجزر هما ظاهرتان تحدثان بشكل دوري، حيث ترتفع مياه البحر في ما يسمى “المد” وتنخفض في “الجزر”. يتكرر هذا التغيير في مستويات المياه عادة مرتين يوميًا، لكن تكرار هذه الظاهرة يختلف من مكان لآخر. يظهر المد عادة عندما ترتفع المياه لتغطي السواحل، بينما يحدث الجزر عندما تنحسر المياه عن الشواطئ، مما يكشف عن المساحات الأرضية التي كانت مغطاة بالمياه.

ثانياً: أسباب حدوث المد والجزر

1. الجاذبية بين الأرض والقمر

السبب الرئيس في حدوث المد والجزر هو تأثيرات الجاذبية بين الأرض والقمر. إذ أن القمر، بسبب جاذبيته، يسحب مياه المحيطات نحو نفسه، مما يسبب ارتفاعاً في منسوب المياه في المكان الذي يكون فيه القمر في أقرب نقطة من الأرض. هذه الزيادة في مستوى المياه تُعرف بالمد. في الجهة المقابلة للأرض، توجد أيضاً منطقة تحدث فيها زيادة في مستوى المياه نتيجة لتأثير قوة الطرد المركزي الناشئة عن حركة الأرض والقمر معًا حول مركز ثقل مشترك.

تتسبب هذه الظاهرة في وجود “توأم” آخر للمد، أي أن هناك مداً آخر في الجهة المعاكسة للأرض من مكان وجود القمر. يحدث ذلك بشكل طبيعي في معظم الأماكن التي يتواجد فيها المد.

2. تأثير الجاذبية الشمسية

الشمس لها أيضاً تأثير كبير على المد والجزر، حيث تتسبب جاذبية الشمس في سحب المياه نحوها. لكن تأثير الشمس في هذه الظاهرة أقل بكثير من تأثير القمر بسبب البعد الكبير للشمس عن الأرض مقارنة بالقمر. عندما تتراصف الأرض والشمس والقمر في خط مستقيم، أي أثناء حدوث “التعامد”، تكون قوة الجاذبية الشمسية والقمرية في أقصى تأثيراتها، مما ينتج عنه مد مرتفع وجزر منخفض. هذا يحدث عادة في الأيام التي تعرف بمراحل المد الكبير، أو “المد الربيعي”، وهي فترات تحدث خلالها زيادة كبيرة في تأثير المد والجزر.

3. حركة الأرض حول نفسها

تؤثر حركة الأرض حول محورها أيضاً في حدوث المد والجزر. حيث إن سرعة دوران الأرض تؤثر في توقيت المد والجزر، وتسبب تنقلات يومية في مياه البحر. مع مرور الزمن، يحدث تأخير طفيف في حركة المد والجزر، لكن هذه التأثيرات تظل ثابتة تقريباً على مر الأوقات.

ثالثاً: أنواع المد والجزر

المد والجزر لا يحدثان بنفس الكيفية في جميع الأماكن حول العالم، بل هناك عدة أنواع رئيسية تؤثر في السواحل والمحيطات حسب الموقع الجغرافي ودرجة تأثرها بالقوى الجاذبية.

1. المد الفلكي (التام)

وهو النوع الذي يحدث عندما تكون الأرض، القمر، والشمس في نفس الخط المستقيم. يحدث هذا النوع عندما تترصف الشمس والقمر والأرض، مما يؤدي إلى زيادة كبيرة في مستوى مياه البحر. يعرف هذا النوع من المد بارتفاعه الكبير والانخفاض العميق في المياه.

2. المد شبه الفلكي

يحدث عندما تكون الشمس والقمر في زاوية قائمة بالنسبة للأرض، ويظهر هذا النوع من المد في السواحل التي لا تتأثر بشكل مباشر بالمد الفلكي. يحدث فيه تغيير معتدل في مستوى المياه ولكنه أقل من المد الفلكي.

3. المد العادي

هذا النوع يحدث في السواحل التي لا تتأثر بالقوى الجاذبية بشكل كبير، حيث يكون المد والجزر فيه أقل وضوحًا من الأنواع الأخرى. يعتمد ذلك على المسافة بين الأرض والقمر والشمس.

رابعاً: تأثيرات المد والجزر على البيئة

المد والجزر لهما تأثيرات عديدة على البيئة والحياة البحرية. فمن الناحية البيئية، تعد هذه الظاهرة من العوامل الرئيسية التي تسهم في تدفق الأوكسجين والمغذيات إلى المحيطات والبحار. يساهم المد والجزر في حركة المياه من وإلى الشواطئ، مما يساعد على تجديد المياه في الأنظمة البيئية البحرية.

1. تأثير على الحياة البحرية

المد والجزر يؤثر بشكل كبير على الكائنات البحرية. بعض الحيوانات البحرية مثل سرطان البحر وبعض أنواع الأسماك تعتمد على هذه الظاهرة للهجرة بين المناطق البحرية المختلفة خلال فترات المد والجزر. كما أن المد والجزر يساعد في توزيع الكائنات الدقيقة في المحيطات.

2. تأثير على السواحل والموانئ

يؤثر المد والجزر أيضاً على السواحل والموانئ. حيث يعمل المد المرتفع على تغطية السواحل وتغيير تكوينات الشواطئ، في حين أن الجزر يؤدي إلى ظهور مناطق جديدة من الأرض كانت تحت الماء. هذا التغيير في مستوى المياه له تأثيرات على الأنشطة البشرية مثل الملاحة البحرية والتجارة في الموانئ.

3. المد والجزر والتأثيرات الاقتصادية

يتم استغلال ظاهرة المد والجزر في العديد من التطبيقات الاقتصادية، مثل توليد الطاقة عن طريق المد والجزر. هذه الطاقة تكون غير ملوثة ويمكن استخدامها كمصدر بديل للطاقة المتجددة. كما أن المد والجزر يساهم في دعم الاقتصاد البحري من خلال زيادة الإنتاجية في مناطق صيد الأسماك وزيادة قدرة الموانئ على استيعاب السفن الكبيرة.

خامساً: التأثيرات المستقبلية للمد والجزر

من المتوقع أن تستمر ظاهرة المد والجزر في التأثير على الأرض والمحيطات بسبب التغيرات البيئية المستمرة. مع التغير المناخي وارتفاع مستويات المحيطات، قد تتغير أنماط المد والجزر في المستقبل. قد يؤدي ذوبان الأنهار الجليدية إلى زيادة في مستوى البحر، مما يساهم في تغيير توقيت المد والجزر في بعض الأماكن حول العالم. وبالتالي، فإن هذا قد يسبب تأثيرات على السواحل والأراضي المنخفضة المهددة بالغمر.

خاتمة

المد والجزر هما من الظواهر الطبيعية التي تتكرر بشكل دوري ولها تأثيرات هائلة على البيئة والحياة البحرية، بالإضافة إلى دورها في بعض التطبيقات الاقتصادية مثل توليد الطاقة. تلعب الجاذبية بين الأرض والقمر والشمس الدور الرئيسي في حدوث المد والجزر، وتختلف أنماط هذه الظاهرة حسب الموقع الجغرافي وقوى الجاذبية المتعددة.