أسباب القشعريرة وعلاجها

أسباب القشعريرة: ظاهرة فسيولوجية معقدة

القشعريرة هي واحدة من الظواهر الفسيولوجية التي يمكن أن تثير تساؤلات عديدة، فبينما قد يرتبط ظهورها بالبرد أو الخوف، فإن الأسباب وراءها قد تكون أكثر تعقيداً من ذلك. في هذا المقال، سنتناول مختلف الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى القشعريرة، سواء كانت جسدية أو نفسية، وكيفية حدوث هذه الظاهرة في الجسم.

ما هي القشعريرة؟

القشعريرة هي رد فعل طبيعي يحدث للجسم نتيجة لتحفيز بعض العوامل، مما يؤدي إلى انقباض العضلات الصغيرة تحت الجلد بشكل مفاجئ، مما يسبب الشعور بالشعيرات الصغيرة المرفوعة على سطح الجلد. هذا التفاعل يمكن أن يحدث لأسباب عدة، بما في ذلك درجات الحرارة المنخفضة أو العوامل العاطفية مثل الخوف أو الدهشة.

تُعد القشعريرة أحد آليات الدفاع التي يستخدمها الجسم للتكيف مع البيئة المحيطة به. على الرغم من أنها شائعة عندما نشعر بالبرد أو عندما نتعرض لبعض العوامل النفسية، إلا أن القشعريرة يمكن أن تكون أيضاً مؤشراً على العديد من الحالات الصحية الأخرى.

أسباب القشعريرة

1. البرد وانخفاض درجة الحرارة

القشعريرة تحدث في أغلب الأحيان نتيجة لتعرض الجسم لدرجات حرارة منخفضة. عندما تنخفض درجة حرارة البيئة المحيطة بالجسم، يقوم الجهاز العصبي المركزي بإرسال إشارات إلى العضلات تحت الجلد لكي تنقبض بسرعة. هذه الانقباضات تؤدي إلى رفع الشعر على الجلد، مما يساعد الجسم على الاحتفاظ بالحرارة ويقلل من فقدان الحرارة من الجلد.

إن وجود الشعر على الجلد أثناء الشعور بالبرد هو آلية قديمة تطورت لحماية الجسم من البرودة. في الحيوانات التي تمتلك طبقة كثيفة من الفرو، ترفع الشعرات لتعمل كعازل حراري، ولكن في البشر، حيث أن الشعر أقل كثافة، فإن هذه الآلية قد فقدت جزءاً من فعاليتها ولكنها لا تزال قائمة.

2. المشاعر القوية مثل الخوف أو الدهشة

القشعريرة قد تكون مرتبطة أيضاً بالاستجابة العاطفية للأحداث المدهشة أو المخيفة. على سبيل المثال، عند مشاهدة فيلم رعب أو مواجهة موقف مخيف، قد يشعر الشخص بالقشعريرة. هذه الظاهرة هي جزء من رد الفعل المعروف باسم “الاستجابة القتالية أو الهروب” (Fight or Flight Response).

في هذه الحالات، يقوم الجهاز العصبي الودي بإفراز هرمونات مثل الأدرينالين، مما يؤدي إلى تحفيز العديد من ردود الفعل الفسيولوجية مثل زيادة ضربات القلب، والتعرق، وتوتر العضلات، وكذلك القشعريرة. هذا التفاعل هو وسيلة الجسم للاستعداد لمواجهة خطر محتمل، حتى لو كان هذا الخطر في الواقع غير حقيقي أو مفروض من الخيال.

3. التحفيز السمعي أو البصري (الدهشة)

قد تحدث القشعريرة عند سماع موسيقى مؤثرة أو عند مشاهدة مشهد سينمائي عاطفي. هذا النوع من الاستجابة يرتبط بمشاعر الشغف أو التأثر العاطفي العميق، والتي قد تحفز جهازنا العصبي على إظهار القشعريرة. على سبيل المثال، بعض الأشخاص يشعرون بالقشعريرة عند سماع ألحان موسيقية مؤثرة أو عند رؤية مشاهد درامية في الأفلام.

4. الحالات الصحية والمرضية

في بعض الأحيان، يمكن أن تكون القشعريرة علامة على مرض أو حالة صحية. تشمل بعض الأمراض الشائعة التي قد ترافق القشعريرة ما يلي:

• الحمى: عندما يواجه الجسم عدوى، يمكن أن يتسبب ذلك في ارتفاع درجة الحرارة الداخلية. من أجل الوصول إلى درجة الحرارة المثلى لمحاربة العدوى، يبدأ الجسم في حدوث القشعريرة كآلية لرفع درجة حرارة الجسم.

• التسمم الغذائي: قد يؤدي تناول طعام ملوث أو تسمم غذائي إلى القشعريرة، والتي غالباً ما تكون مصحوبة بأعراض أخرى مثل الغثيان والقيء.

• التهاب الأنسجة أو العدوى: في حالات العدوى مثل الإنفلونزا أو التهابات الأنسجة، قد يشعر الشخص بالقشعريرة نتيجة لارتفاع درجة حرارة الجسم.

• الأمراض العصبية: بعض الأمراض العصبية مثل مرض باركنسون أو التصلب المتعدد قد تؤدي إلى حدوث القشعريرة بسبب التغيرات في إشارات الجهاز العصبي.

5. نقص مستوى السكر في الدم

يمكن أن يحدث انخفاض مستويات السكر في الدم نتيجة لنقص التغذية أو بعض الأمراض، مما يؤدي إلى العديد من الأعراض مثل الارتعاش، والشعور بالقشعريرة. هذا يحدث لأن الدماغ يحتاج إلى مستوى ثابت من الجلوكوز ليعمل بشكل صحيح، وعندما ينخفض هذا المستوى، قد يشعر الشخص بعدم الراحة.

6. الأدوية والمحفزات الكيميائية

بعض الأدوية، مثل تلك التي تُستخدم في معالجة مشاكل القلب أو بعض مضادات الاكتئاب، قد تؤدي إلى حدوث القشعريرة كأثر جانبي. الأدوية التي تؤثر على الجهاز العصبي المركزي قد تسبب تأثيرات غير مرغوب فيها مثل القشعريرة.

7. التغيرات الهرمونية

التغيرات في مستويات الهرمونات، مثل تلك التي تحدث أثناء الحمل أو انقطاع الطمث، يمكن أن تسبب القشعريرة. على سبيل المثال، في مرحلة انقطاع الطمث، قد تشعر النساء بتقلبات في درجات الحرارة، مما يؤدي إلى التعرق والقشعريرة نتيجة لتغيرات في الهرمونات مثل الإستروجين.

8. ردود فعل نفسية أخرى

في بعض الحالات، يمكن أن تكون القشعريرة نتيجة للاستجابة النفسية للذكريات أو الأحاسيس القديمة. على سبيل المثال، قد يشعر الشخص بالقشعريرة عند استرجاع ذكريات مؤلمة أو عند مواجهة مواقف مشابهة لتلك التي مر بها في الماضي.

9. التفاعلات المناعية

في حالات معينة، قد تؤدي الاستجابة المناعية ضد بعض الفيروسات أو الجراثيم إلى ظهور القشعريرة. في هذه الحالات، قد تكون القشعريرة جزءاً من استجابة الجسم لمكافحة العدوى، حيث يشكل الجهاز المناعي دفاعاته، مما يؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة والشعور بالقشعريرة.

كيف تتعامل مع القشعريرة؟

إذا كانت القشعريرة نتيجة للبرد، فإن الحل هو ببساطة زيادة الملابس أو التدفئة. ولكن إذا كانت القشعريرة تحدث بسبب حالة صحية أو مرض، فالأفضل هو استشارة الطبيب للحصول على تشخيص دقيق وعلاج مناسب.

في حالات القشعريرة الناتجة عن التوتر أو الخوف، يمكن استخدام تقنيات الاسترخاء مثل التنفس العميق أو التأمل للتخفيف من الأعراض. أما في الحالات المرضية مثل الحمى أو التسمم الغذائي، فالعلاج المناسب سيكون معتمدًا على السبب الرئيسي.

الخاتمة

القشعريرة هي ظاهرة طبيعية ومعقدة تحدث استجابة لعدة عوامل داخلية وخارجية. في حين أنها قد تكون مجرد رد فعل بدني عابر عند تعرض الجسم للبرد أو الخوف، فإنها قد تشير أحياناً إلى مشكلة صحية أو حالة مرضية. من المهم فهم هذه الظاهرة من خلال مختلف أسبابها لكي نتمكن من التعامل معها بشكل صحيح.