العض على الشفاه أو اللسان: أسباب، تأثيرات، وطرق التعامل

يُعدُّ العض على الشفاه أو اللسان من السلوكيات الشائعة التي يعاني منها الكثير من الأفراد، سواء بشكل عرضي أو مستمر. وعلى الرغم من كونها تبدو عادة بسيطة أو غير مؤذية، إلا أنها في بعض الحالات قد تتحول إلى مشكلة صحية تؤثر على جودة الحياة وتسبب مضاعفات صحية وجمالية عديدة. يستعرض هذا المقال موضوع العض على الشفاه أو اللسان بشكل موسع، متناولاً أسبابه النفسية والطبية، تأثيراته المحتملة، وكيفية التعامل معه بطرق علمية مدعمة بأبحاث ودراسات حديثة.

طبيعة العض على الشفاه أو اللسان

العض على الشفاه أو اللسان هو فعل تلقائي أو إرادي يتمثل في استخدام الأسنان للضغط أو المضغ على أنسجة الشفاه أو اللسان، وقد يكون هذا الفعل معتاداً أو عرضياً أو حتى قهرياً في بعض الأحيان. يظهر هذا السلوك في أشكال مختلفة، فقد يكون عضّاً طفيفاً أو قوياً، متقطعاً أو مستمراً، وقد يؤدي إلى أضرار مؤقتة أو مزمنة.

الشفاه واللسان جزءان حساسان جداً من الجسم، يتكونان من نسيج رقيق غني بالأوعية الدموية والأعصاب، لذا فإن أي ضرر يتعرضان له من خلال العض المتكرر قد يسبب الألم والالتهاب وقد يؤثر على الوظائف الطبيعية للفم مثل الكلام، المضغ، والبلع.

الأسباب النفسية للعض على الشفاه أو اللسان

تتنوع الدوافع النفسية التي تؤدي إلى العض على الشفاه أو اللسان، وغالباً ما يرتبط هذا السلوك بحالات توتر أو ضغط نفسي، أو اضطرابات نفسية معينة. أهم هذه الأسباب:

1. التوتر والقلق

العض على الشفاه أو اللسان يعدّ من ردود الفعل الطبيعية لبعض الأشخاص تجاه التوتر أو القلق النفسي، إذ يعمل كنوع من التفريغ الجسدي أو محاولة للسيطرة على المشاعر السلبية.

2. التعود أو العادة العصبية

تتحول عادة العض إلى فعل تلقائي يتكرر دون وعي، خاصةً عند الأشخاص الذين يميلون إلى العادات العصبية كالتأنيب، التمشيط المستمر، أو العض على الأقلام. مع الوقت يصبح هذا الفعل نمطاً يصعب السيطرة عليه.

3. اضطرابات السلوك القهري (OCD)

في بعض الحالات النفسية المعقدة، قد يكون العض على الشفاه أو اللسان جزءاً من سلوك قهري، حيث يشعر الشخص برغبة ملحة متكررة في العض لتخفيف القلق أو الإحساس بعدم الراحة.

4. اضطرابات فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD)

الأطفال والبالغون المصابون بهذا الاضطراب قد يظهرون سلوكيات جسدية متكررة مثل العض على الشفاه أو اللسان بسبب فرط النشاط وصعوبة التحكم في الحركات.

الأسباب الطبية للعض على الشفاه أو اللسان

بعيداً عن الأسباب النفسية، هناك أسباب طبية قد تؤدي إلى ظهور هذه السلوكيات، ومنها:

1. اضطرابات الحركة اللاإرادية

تتضمن اضطرابات الحركة اللاإرادية أو خلل الحركة (Dyskinesia) ظهور حركات أو عضات غير إرادية قد تشمل الشفاه واللسان، وتكون شائعة في حالات بعض الأمراض العصبية مثل مرض باركنسون أو نتيجة تناول أدوية معينة.

2. مشاكل في إطباق الأسنان

عدم التوازن أو سوء الإطباق بين الأسنان العلوية والسفلية قد يسبب عض غير مقصود على الشفاه أو اللسان، خصوصاً أثناء النوم أو التفكير العميق.

3. التهاب أو تهيج الفم

قد يؤدي وجود جروح، التهاب، أو تحسس في أنسجة الفم إلى رد فعل عن طريق العض، حيث يحاول الجسم تخفيف الشعور بعدم الراحة.

تأثيرات العض على الشفاه أو اللسان

يمكن أن يؤدي العض المتكرر والمستمر إلى العديد من المشاكل التي تتراوح بين البسيطة إلى الخطيرة، وهذه التأثيرات تشمل:

1. التهابات وجروح

العض المتكرر يسبب تمزقات دقيقة في جلد الشفاه أو أنسجة اللسان، ما يجعلها عرضة للالتهاب الجرثومي أو الفطري. الالتهاب المزمن قد يؤدي إلى ظهور تقرحات مؤلمة يصعب شفاؤها.

2. تشوهات في شكل الشفاه أو اللسان

تكرار العض يؤدي إلى تكوين أنسجة ندبية، تورم، أو حتى تشوهات دائمة في شكل الشفاه أو حجم اللسان، مما قد يؤثر على المظهر الخارجي والوظائف الطبيعية.

3. ألم مستمر

العض المستمر يسبب آلام متكررة ومزمنة، مما يؤثر على راحة الشخص وقدرته على تناول الطعام أو التحدث بشكل طبيعي.

4. مشاكل نفسية واجتماعية

الشعور بالحرج من المظهر أو الألم المزمن قد يؤدي إلى عزلة اجتماعية وتراجع في الثقة بالنفس، خصوصاً في الحالات التي يكون فيها العض ظاهراً ومستمراً.

التعامل والعلاج

يعتمد علاج العض على الشفاه أو اللسان على السبب الأساسي لهذا السلوك، إذ يجب التفريق بين العض العرضي والعض القهري أو المرضي، ومن أبرز طرق التعامل:

1. العلاج السلوكي والنفسي

• تقنيات الاسترخاء وإدارة التوتر: تعلم مهارات التنفس العميق، التأمل، واليوغا يساهم في تخفيف التوتر النفسي وتقليل العض الناتج عنه.

• العلاج السلوكي المعرفي (CBT): يُستخدم بشكل فعال مع الأشخاص الذين يعانون من العادات القهرية مثل العض على الشفاه، ويهدف إلى تعديل السلوكيات وتغيير نمط التفكير المرتبط بها.

• العلاج النفسي: قد يحتاج بعض الأفراد إلى جلسات علاج نفسي للتعامل مع اضطرابات القلق أو الاكتئاب المصاحبة.

2. العلاج الطبي والتقني

• تصحيح مشاكل الإطباق: في حال كان سوء إطباق الأسنان هو السبب، يتطلب الأمر مراجعة طبيب الأسنان لإجراء تصحيحات مثل تركيب تقويم أو حشوات مناسبة.

• استخدام واقيات الفم: خصوصاً أثناء النوم، يمكن استخدام واقيات مصممة خصيصاً لتقليل تأثير العض وحماية أنسجة الفم.

• الأدوية: في حالات اضطرابات الحركة اللاإرادية أو الحالات النفسية الشديدة قد تُستخدم أدوية مضادة للقلق أو مضادات الاكتئاب حسب توصية الطبيب.

3. العناية الفموية والصحية

• الحفاظ على نظافة الفم: غسل الفم بانتظام، استخدام غسول مضاد للبكتيريا، والامتناع عن العادات التي تزيد من التهيج مثل التدخين أو تناول الأطعمة الحارة.

• تجنب تحفيز العض: مثل مضغ الأقلام أو الشفاه، ومحاولة الاستعاضة عن العض بسلوكيات بديلة مثل الضغط على كرة مطاطية أو تمارين الفك.

دراسات وأبحاث حديثة

أظهرت دراسات حديثة في مجال الطب النفسي وطب الأسنان أن سلوكيات العض على الشفاه أو اللسان ترتبط بشكل وثيق مع مستويات القلق والضغوط النفسية، كما تؤكد على أهمية التدخل المبكر للحد من المضاعفات الصحية. كما أكدت الأبحاث على فعالية العلاج السلوكي المعرفي في تقليل وتعديل هذه السلوكيات، مع نتائج أفضل عند الدمج بين العلاج النفسي والعلاج الطبي المباشر لمشاكل الفم.

ملخص تفصيلي حول العض على الشفاه أو اللسان

الخلاصة

العض على الشفاه أو اللسان ليس مجرد عادة بسيطة يمكن التغاضي عنها، بل هو سلوك معقد يتداخل فيه الجانب النفسي مع الطبي، ويؤدي إلى مضاعفات صحية وجمالية قد تؤثر بشكل كبير على حياة الأفراد. الفهم العميق لأسباب هذا السلوك وتمييز نوعيته بين عرضي وقلق قهري، بالإضافة إلى تطبيق طرق علاج متكاملة بين النفسية والطبية، تساهم بشكل فعال في تقليل هذه الظاهرة ورفع جودة حياة المصابين. العناية المنتظمة بالفم ومتابعة الحالة مع المختصين تضمن الوقاية من الأضرار المحتملة والحفاظ على صحة الفم والجسم بشكل عام.

المراجع:

1. American Psychological Association. (2020). Obsessive-Compulsive Disorder (OCD). Retrieved from https://www.apa.org/topics/ocd

2. National Institute of Dental and Craniofacial Research. (2021). Bruxism and Related Disorders. Retrieved from https://www.nidcr.nih.gov/health-info/bruxism