أسباب السواد حول العينين: نظرة شاملة علمية وعملية

يُعد السواد حول العينين من المشكلات الجلدية الشائعة التي تؤثر على ملايين الأفراد حول العالم، سواء من النساء أو الرجال، ويشيع بشكل خاص في الفئات العمرية المتوسطة والشابة. يُنظر إلى هذه الحالة باعتبارها إشارة للإجهاد، أو سوء التغذية، أو مشكلات صحية أكثر تعقيدًا. وعلى الرغم من أن السواد تحت العين لا يُعد مرضًا بحد ذاته، إلا أنه غالبًا ما يكون مؤشرًا على خلل في نمط الحياة أو تدهور في بعض الوظائف الجسدية. يتناول هذا المقال الموسع الأسباب الفسيولوجية والبيئية والوراثية المؤدية إلى ظهور السواد حول العينين، ويشرح الآليات البيولوجية المرتبطة بها، كما يستعرض العوامل المؤثرة، ويقدّم إطارًا تحليليًا علميًا لفهم هذه الحالة من كافة أبعادها.

التركيب الفسيولوجي لمنطقة حول العين

منطقة حول العين تُعد من أرقّ مناطق الجلد في جسم الإنسان، إذ لا يتجاوز سمك الجلد فيها 0.5 مم مقارنة ببقية الوجه الذي يبلغ سمك الجلد فيه نحو 2 مم. وتفتقر هذه المنطقة إلى الكثير من الغدد الدهنية، مما يجعلها أكثر عرضة للجفاف والتجاعيد والتصبغات. كما أن شبكة الأوعية الدموية الدقيقة تحت العين تجعلها عرضة لتغيّرات في لون الجلد نتيجة لأي اضطراب يؤثر على تدفق الدم أو الأكسجين.

تتميّز هذه المنطقة كذلك بغناها بالخلايا الصبغية (الميلانوسيت)، التي تنتج الميلانين، وهو الصباغ المسؤول عن لون الجلد. أي زيادة في نشاط هذه الخلايا أو تحفيزها بفعل الأشعة فوق البنفسجية أو الالتهابات أو الهرمونات قد تؤدي إلى تصبغات غير طبيعية.

الأسباب الطبية والعوامل الفسيولوجية

1. فرط التصبغ الجلدي

أحد الأسباب الجوهرية للسواد حول العينين هو فرط التصبغ الجلدي، حيث تزداد كمية الميلانين في الجلد نتيجة محفزات داخلية أو خارجية. تشمل هذه المحفزات التعرض المفرط لأشعة الشمس، وبعض الأمراض الجلدية المزمنة مثل الأكزيما أو الالتهابات المتكررة. في هذه الحالة، يكون السواد ناتجًا عن تراكم الميلانين بشكل غير متجانس.

2. تمدد الأوعية الدموية الدقيقة

تحتوي منطقة تحت العين على شبكة دقيقة من الأوعية الشعرية، وهي عرضة للتمدد أو الاحتقان نتيجة نقص النوم أو الحساسية أو ضعف الدورة الدموية. عندما تصبح هذه الأوعية أكثر وضوحًا من خلال الجلد الرقيق، يظهر لون أزرق أو بنفسجي تحت العينين.

3. الأنيميا (فقر الدم)

الأنيميا، وبخاصة الناتجة عن نقص الحديد، تؤدي إلى نقص في نسبة الهيموغلوبين، ما يقلل من قدرة الدم على نقل الأكسجين، ويؤدي إلى مظهر باهت وشاحب للبشرة عمومًا، ولمنطقة تحت العين خصوصًا. ويُعتبر هذا السبب من أكثر الأسباب الطبية شيوعًا بين النساء.

4. الاحتقان الجيبي المزمن

الجيوب الأنفية تقع بالقرب من محيط العين، وأي احتقان أو التهاب مزمن بها يؤثر على تدفق الدم، مما يؤدي إلى احتباس الدم والسوائل في الأوعية الدقيقة، فينعكس ذلك في شكل هالات سوداء.

5. الاضطرابات الهرمونية

بعض التغيّرات الهرمونية، مثل تلك التي تحدث أثناء الحمل أو عند تناول حبوب منع الحمل، يمكن أن تؤدي إلى تحفيز إنتاج الميلانين، ما يؤدي إلى فرط التصبغ في مناطق معينة من الوجه، من بينها منطقة حول العينين.

6. الشيخوخة والتقدّم في العمر

مع التقدم في السن، يقل إنتاج الكولاجين والإيلاستين، وهما عنصران أساسيان في مرونة الجلد وامتلائه. يؤدي هذا التدهور إلى ترقّق الجلد وظهور الأوعية الدموية بشكل أوضح، مما يساهم في تكوّن الهالات السوداء.

العوامل الوراثية والجينية

يلعب العامل الوراثي دورًا حاسمًا في تكوين السواد حول العينين. في كثير من الأحيان، يُلاحظ وجود هذه الحالة بشكل عائلي، حيث يكون الجلد أغمق أو أكثر عرضة للتصبغ في هذه المنطقة نتيجة لعوامل جينية تتعلق بكثافة الخلايا الميلانينية أو رقة الجلد أو نمط توزيع الأوعية الدموية.

وقد أظهرت دراسات أن الأشخاص المنحدرين من أصول شرق أوسطية أو جنوب آسيوية أو إفريقية يكونون أكثر عرضة للهالات السوداء بسبب البنية الجينية للجلد لديهم والتي تحتوي على تركيز أعلى من الميلانين بطبيعتها.

الأسباب البيئية ونمط الحياة

1. قلة النوم والإرهاق المزمن

يُعتبر نقص النوم واحدًا من أبرز الأسباب البيئية للسواد تحت العين. قلة النوم تؤدي إلى تمدد الأوعية الدموية وتباطؤ الدورة الدموية، مما يجعل الدم راكدًا ويظهر بلون أزرق أو داكن تحت الجلد الرقيق.

2. التغذية السيئة

نقص الفيتامينات والمعادن الضرورية، مثل فيتامين K، وفيتامين C، وفيتامين B12، يمكن أن يؤدي إلى ضعف الأوعية الدموية والتصبغات، كما أن نقص البروتينات والأحماض الأمينية يضعف بناء الجلد وإنتاج الكولاجين.

3. التدخين والكحول

التدخين يُضيّق الأوعية الدموية ويقلل من تدفق الأكسجين إلى الجلد، مما يؤدي إلى لون باهت أو مزرق حول العينين. كما أن الكحول يسبب الجفاف وتوسّع الأوعية الدموية، ما يفاقم من ظهور الهالات.

4. التعرّض للشاشات الإلكترونية

الاستخدام المكثف للأجهزة الذكية يزيد من إجهاد العينين ويؤدي إلى تمدد الأوعية الدموية الدقيقة حول العين، كما يقلل من عدد مرات الرمش ويزيد من جفاف العيون، مما يفاقم من مظهر السواد.

جدول توضيحي لأهم الأسباب وتأثيرها المباشر

العوامل النفسية وتأثيرها على لون الجلد

لا يمكن إغفال التأثيرات النفسية، إذ ترتبط بعض الاضطرابات النفسية مثل القلق المزمن، والاكتئاب، بالإجهاد البدني واضطراب النوم واضطراب الشهية. تؤدي هذه الحالات مجتمعة إلى انخفاض تروية الجلد بالأوكسجين، ما يُساهم في تعزيز السواد حول العينين. وقد أظهرت دراسات متعددة أن الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات القلق يعانون من ضعف مرونة الجلد وشحوب البشرة، مما يجعل الهالات السوداء أكثر بروزًا.

مستحضرات التجميل والعناية غير الصحيحة

استخدام بعض المستحضرات التجميلية دون رقابة طبية أو في فترات طويلة قد يسبب تهيج الجلد وتحفيز الخلايا الصبغية. على سبيل المثال، استخدام مزيلات المكياج التي تحتوي على كحول أو مركبات كيميائية قوية قد يؤدي إلى جفاف الجلد وترقّقه وزيادة قابليته للتصبغ.

كما أن فرك العينين بشكل متكرر، سواء بسبب الحساسية أو بسبب التوتر، يمكن أن يؤدي إلى تصبغ موضعي مزمن يُعرف باسم “فرط التصبغ الناتج عن الالتهاب”.

الخلاصة

السواد حول العينين حالة متعددة العوامل تتداخل فيها الأسباب الفسيولوجية والوراثية مع العوامل البيئية ونمط الحياة. لا يمكن إرجاع هذه الحالة إلى سبب واحد فقط، بل هي نتيجة تفاعل معقد بين عدد من المتغيرات. فهم هذه الأسباب يُعد الخطوة الأولى في الوقاية منها أو التعامل معها بشكل فعال، لا سيما أن الجلد في هذه المنطقة حساس ويتطلب رعاية دقيقة ومنهجية.

الوعي بأهمية النوم، والتغذية، والحالة الصحية العامة، والابتعاد عن المؤثرات الضارة كالتدخين، إلى جانب المتابعة الطبية المناسبة، كلها عوامل يمكن أن تسهم في الحد من هذه الظاهرة أو منع تفاقمها.

المراجع:

1. Sarkar, R., Ranjan, R., & Garg, V. K. (2016). Periorbital hyperpigmentation: A comprehensive review. Journal of Clinical and Aesthetic Dermatology.

2. Luebberding, S., Krueger, N., & Kerscher, M. (2014). Skin physiology in men and women: Clinical implications. Clinics in Dermatology.