أسباب السرقة عند الأطفال وسبل الوقاية منها

تُعدُّ السرقة من السلوكيات غير المقبولة اجتماعيًا وأخلاقيًا، وقد تكون مؤشرًا على اضطرابات نفسية أو تربوية عندما تصدر عن الأطفال. تختلف السرقة عند الأطفال عن مثيلاتها لدى الكبار في الدوافع والنية والوعي القانوني، فهي غالبًا ما تكون نتيجة لمشكلات داخلية أو بيئية معقدة. ومن الضروري فهم الأسباب الحقيقية وراء هذا السلوك لتطبيق استراتيجيات فعالة للوقاية والمعالجة، بهدف توجيه الطفل نحو السلوك السليم وتعزيز قيم الأمانة والانضباط لديه منذ المراحل المبكرة من حياته.

مفهوم السرقة عند الأطفال

تُعرَّف السرقة عند الأطفال على أنها استحواذ الطفل على ممتلكات ليست له، دون إذن من مالكها، مع العلم بأن هذا الاستحواذ غير مسموح به. هذا السلوك يتباين بحسب عمر الطفل ودرجة إدراكه ووعيه، فالأطفال في عمر ما دون الأربع سنوات لا يدركون مفهوم الملكية بوضوح، بينما يصبح هذا المفهوم أكثر وضوحًا لدى الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين خمس وسبع سنوات، ويصبح وعيهم بالسلوكيات المقبولة اجتماعيًا أكبر مع التقدم في العمر.

الأسباب النفسية والاجتماعية لسلوك السرقة عند الأطفال

1. الافتقار إلى الإدراك الكامل لمفهوم الملكية

الأطفال في سنواتهم الأولى لا يميزون تمامًا بين “ما هو لي” و”ما هو للآخرين”. هذا الارتباك في الإدراك الطبيعي قد يؤدي إلى تصرفات تبدو كأنها سرقة، لكنها تكون في الحقيقة نتيجة لغياب الفهم الصحيح لمفهوم الملكية والحقوق.

2. الرغبة في التقليد

قد يقلد الطفل سلوك أحد الأصدقاء أو الكبار الذين رأى منهم هذا الفعل. الأطفال يتأثرون بشدة بسلوكيات من حولهم، خاصة إذا كانوا يعتبرونهم قدوة. إذا لاحظ الطفل أن الكذب أو السرقة يمران دون عواقب، فقد يعتبر هذه السلوكيات مقبولة.

3. الحرمان العاطفي أو المادي

في حالات الحرمان – سواء كان حرمانًا ماديًا من مستلزمات الحياة الأساسية أو حرمانًا عاطفيًا من الحنان والاهتمام الأسري – قد يلجأ الطفل إلى السرقة كنوع من التعويض عن النقص الذي يشعر به. السرقة هنا تصبح وسيلة غير واعية للتعبير عن الألم أو لتحقيق الإشباع المفقود.

4. الرغبة في لفت الانتباه

بعض الأطفال يفتعلون أفعالًا خاطئة مثل السرقة لكي يلفتوا انتباه الأهل أو المعلمين. هؤلاء الأطفال يشعرون بأنهم مهمشون أو غير مرئيين في محيطهم، فيلجؤون إلى أفعال مثيرة للقلق تجبر الآخرين على الالتفات إليهم.

5. الغيرة والمنافسة بين الإخوة أو الأقران

عندما يشعر الطفل بأن أخاه أو أحد أقرانه يمتلك أكثر منه أو يحصل على اهتمام أكبر، قد تدفعه مشاعر الغيرة إلى أخذ أشياء لا تخصه، في محاولة لتحقيق توازن وهمي في الامتيازات أو القوة داخل العلاقات الاجتماعية.

6. الاضطرابات النفسية والسلوكية

في بعض الحالات، تكون السرقة عرضًا من أعراض اضطرابات نفسية مثل اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط (ADHD)، أو اضطراب التحدي المعارض، أو حتى اضطرابات أكثر تعقيدًا مثل السلوك المعادي للمجتمع في الحالات المتقدمة.

7. البيئة الأسرية المفككة

تفكك الأسرة، وسوء العلاقة بين الوالدين، والإهمال في التربية، جميعها عوامل تؤثر سلبًا على تطور الطفل السلوكي والنفسي. غياب القدوة الصالحة، أو وجود بيئة منزلية يشوبها العنف أو الإدمان أو الإهمال قد يدفع الطفل إلى سلوكيات غير سوية.

8. التسامح المفرط أو القسوة الزائدة

الأسلوب التربوي المتساهل الذي لا يضع حدودًا واضحة للسلوكيات المقبولة، أو على النقيض، التربية القاسية التي تعتمد على العقاب المستمر دون حوار، كلاهما قد يؤدي إلى ظهور سلوكيات غير مقبولة، ومنها السرقة، كرد فعل أو كتمرد على الضغوط.

الأنواع الشائعة للسرقة عند الأطفال

سبل الوقاية من السرقة عند الأطفال

تبدأ الوقاية من السرقة عند الأطفال بالتأسيس لتربية صحية تقوم على التواصل والاحتواء والانضباط الإيجابي. فيما يلي أبرز التدابير الوقائية التي أثبتت فعاليتها:

1. تعليم مفاهيم الملكية والأمانة منذ الصغر

ينبغي غرس مفهوم “ما هو لي وما هو للآخر” في وعي الطفل منذ سنواته الأولى. استخدام القصص التربوية والأمثلة الواقعية يساعد على توضيح هذا المفهوم. كما يجب تعليم الطفل أن طلب الإذن قبل أخذ أي شيء هو سلوك أساسي يعبر عن الاحترام.

2. تعزيز القيم الأخلاقية والدينية

يُعد التعليم الأخلاقي والديني عنصرًا محوريًا في تشكيل الضمير الأخلاقي للطفل. القيم مثل الأمانة، الاحترام، وعدم التعدي على حقوق الآخرين يجب أن تُقدَّم للطفل بشكل مبسط ومشوق، وأن تُدعم بالمواقف اليومية داخل الأسرة.

3. بناء علاقة قوية بين الأهل والطفل

الحوار المنتظم، والاهتمام بمشاعر الطفل، ومشاركته في الأنشطة العائلية، كلها تبني علاقة متينة تسهّل على الطفل التعبير عن مشاعره بدلاً من اللجوء إلى سلوكيات سلبية. الطفل الذي يشعر بالأمان العاطفي يقل احتمال لجوئه للسرقة كوسيلة تعبير.

4. المتابعة والإشراف دون رقابة خانقة

يجب مراقبة سلوك الطفل بشكل غير مباشر دون أن يشعر بأنه موضع اتهام دائم. معرفة أصدقائه، وما يفعله في أوقات فراغه، والأماكن التي يتردد عليها، تساعد في التدخل المبكر في حال وجود مؤشرات سلبية.

5. تعزيز الشعور بالرضا والإنجاز

الأطفال الذين يشعرون بالتقدير، ويُكافَؤون على إنجازاتهم، أقل عرضة لارتكاب السلوكيات المنحرفة. يجب تشجيع الطفل على المشاركة في أنشطة إيجابية تساعده على الشعور بالنجاح والانتماء.

6. توفير ما يلزم من الحاجات الأساسية

الحرمان المادي يجعل الطفل أكثر عرضة لسلوكيات غير سوية، بما فيها السرقة. من المهم توفير الحاجات الأساسية للطفل حسب الإمكانات، مع تعليمه الفرق بين الضروريات والكماليات.

7. استخدام الأساليب التربوية الإيجابية في التعامل مع الخطأ

إذا قام الطفل بفعل السرقة، فإن أول رد فعل يجب أن يكون مبنيًا على الفهم والحوار لا العقاب العنيف. من المهم الحديث مع الطفل عن فعلته، توضيح أثرها، وإعطاؤه الفرصة لتصحيح خطئه، مثل إرجاع الشيء المسروق أو الاعتذار.

8. التنسيق بين الأسرة والمدرسة

المدرسة شريك مهم في عملية التربية، ويجب أن يكون هناك تواصل دائم بين المعلمين والأهل لرصد أي تغيرات في سلوك الطفل. كما أن تقديم الإرشاد النفسي داخل المدارس له دور فعّال في تقويم السلوكيات المنحرفة.

9. الاستعانة بالأخصائي النفسي عند الحاجة

في حال تكرار السرقة أو وجود مؤشرات على أن السلوك يعود لأسباب نفسية عميقة، يجب عدم التردد في اللجوء إلى أخصائي نفسي مختص في سلوك الأطفال. التدخل المهني قد يكون ضروريًا لتشخيص الحالة ووضع خطة علاجية فعالة.

خلاصة تحليلية

السلوك السوي لدى الطفل لا يتشكل بمعزل عن محيطه، بل هو نتاج لتفاعل معقد بين عوامل بيئية، تربوية، ونفسية. إن السرقة ليست مجرد فعل يجب معاقبته، بل هي في الغالب رسالة غير مباشرة بأن الطفل يعاني من خلل يحتاج إلى معالجة. الفهم العميق لدوافع الطفل والاحتواء الإيجابي هما مفتاح التغيير الحقيقي.

يتطلب الحد من سلوك السرقة لدى الأطفال جهودًا متكاملة تشمل الأسرة، المدرسة، والمجتمع، مبنية على أسس علمية وتربوية تُعزز احترام القوانين، وتنمّي الشعور بالمسؤولية الشخصية منذ الصغر. بذلك فقط يمكن بناء جيل سوي، نزيه، ومحصن ضد السلوكيات المنحرفة.

المراجع

• American Academy of Child & Adolescent Psychiatry. “Children and Stealing.” Updated 2020.

• Piaget, Jean. The Moral Judgment of the Child. Free Press, 1965.