سبب نزول سورة النازعات

سبب نزول سورة النازعات

سورة النازعات هي السورة رقم 79 في ترتيب القرآن الكريم، وهي إحدى السور المكية التي نزلت في مكة المكرمة. تتميز السورة بطابعها الحماسي والتأكيد على البعث والنشور، وتعرض مشاهد من القيامة من خلال أسلوب قوي ومؤثر. يتضمن هذا المقال الحديث عن سبب نزول السورة، مع محاولة لفهم أبعادها وأهدافها من خلال الأحداث التي سبقت نزولها.

النازعات: المعنى والمضمون

قبل التطرق إلى سبب النزول، لا بد من الإشارة إلى محتوى السورة وموضوعاتها الأساسية. تبدأ السورة بالقسم بـ “النازعات غرقًا”، وهي اللفظة التي تحمل في طياتها شدة الحركة أو التغيير. تشير هذه اللفظة إلى النفوس التي تسحب بشدة، في إشارة إلى الأرواح التي تفارق الأجساد في لحظات الموت. ويتبع هذا القسم، الحديث عن يوم القيامة، والتأكيد على مشاهد الدمار والبعث والحساب.

السورة تعتبر واحدة من السور التي تحث المؤمنين على التفكير في الآخرة، وتذكرهم بعواقب الأعمال في الدنيا. يذكر فيها القرآن الكريم مواقف من اليوم الآخر حيث يتم نزع الأرواح، ويشير إلى ما سيحدث للأشخاص حسب أعمالهم.

السبب الرئيسي لنزول سورة النازعات

تعتبر أسباب نزول السور المكية مهمة لفهم السياق الذي نزلت فيه هذه السور، لا سيما السور التي تتحدث عن القيم العليا في الإسلام. بحسب التفاسير، كان نزول سورة النازعات مرتبطًا بردود فعل المشركين الذين كانوا ينكرون البعث والحياة بعد الموت.

عند نزول هذه السورة، كان المشركون في مكة قد اتخذوا موقفًا معارضًا شديدًا تجاه النبي محمد صلى الله عليه وسلم وتعاليمه، وخاصة ما يتعلق بمفهوم البعث والحساب بعد الموت. كانت تلك الحقائق تتناقض مع معتقداتهم في الحياة بعد الموت، حيث كانوا يظنون أن الحياة تنتهي بالموت ولا يوجد أي حياة بعدها.

في هذا السياق، كان الكفار يشككون في البعث والحساب، وكانوا يسخرون من فكرة أن الله سيعيد الإنسان إلى الحياة بعد موته، موجهين أسئلة ونقدًا لنبي الله محمد صلى الله عليه وسلم عن كيفية حدوث ذلك.

النزول تفاعلًا مع السخرية والاستنكار

عندما سخر المشركون من فكرة البعث والحياة بعد الموت، أورد الله سبحانه وتعالى في هذه السورة مشاهد من يوم القيامة ليوضح لهم أن الأمور ليست كما يتخيلون، وأن الله قادر على إعادة الحياة كما بدأها. ومن ثم نزلت السورة لتكون ردًا حاسمًا على تلك الافتراءات والتشكيكات.

من المعروف أن المشركين في مكة كانوا يطلبون من النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن يأتي لهم بآيات ودلائل تثبت صحة ما يدعو إليه. وقد ورد في بعض الأحاديث أن هناك مجموعة من المشركين قد قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: “أين هذا البعث الذي تتحدث عنه؟ كيف يمكن أن يكون هناك حياة بعد الموت؟”. وكان نزول السورة يأتي لتوضيح أن الحياة بعد الموت ليست أمرًا مستحيلاً، بل هو أمر واقع ومؤكد، وأن الله قادر على إعادة الأرواح إلى أجسادها يوم القيامة.

في السورة، يتحدث القرآن عن الفزع العظيم الذي سيحدث في يوم القيامة، عندما “تسحب الأرواح” من أجسادها، حيث يصف الله سبحانه وتعالى ذلك بشكل دقيق للغاية في قوله: “فَإِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ” (النازعات: 6). يشير هذا إلى لحظة النهاية حيث تكون جميع الأجساد في حالة من الذهول والفزع.

المقارنة بين المؤمن والكافر في السورة

في إطار ردها على المشركين، تبين السورة الفرق بين موقف المؤمن والموقف الكافر في يوم القيامة. فيقول الله سبحانه وتعالى عن الكافر في قوله: “يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ” (النازعات: 6-7)، في إشارة إلى أن الكافر سيكون في حالة من الفزع الشديد حين يرى ما لا يمكن تصوره من دمار وفناء في تلك اللحظة. أما المؤمنون فيكونون قد استعدوا لذلك اليوم بالإيمان والعمل الصالح، فهم في نعيم دائم.

الهدف من النزول

كان الهدف الأساسي من نزول سورة النازعات هو الرد على المشركين الذين كانوا يستخفون بالفكرة الأساسية للبعث والحساب. جاء نزول السورة ليجعلهم يتأملون في عواقب الأمور، ويحثهم على التفكير في مصيرهم في الحياة الآخرة. كما أن السورة تبرز قدرة الله عز وجل على إعادة الحياة والبعث، مما ينقض تمامًا شبهات المشركين الذين كانوا يظنون أن الموت هو النهاية.

وبالإضافة إلى الرد على الكفار، كان نزول السورة يعزز في قلب المؤمنين الإيمان بيوم القيامة، ويشجعهم على الاستعداد له من خلال العمل الصالح والطاعة لله. كانت السورة بمثابة تذكير قوي للمسلمين بأن الله قادر على كل شيء، وأن ما وعد به من بعث وحساب هو حق لا مفر منه.

دلالات وتفسير بعض الآيات

من الآيات التي نزلت في السورة واحتوت على معاني عميقة ومهمة، قول الله تعالى في الآية الرابعة: “فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ”. هذه الآية تشير إلى حالة المخلوقات في يوم القيامة، حيث يكون الجميع في مكان لا يمكن الهروب منه، فلا يستطيع أحد أن يفر من الحساب أو العقاب. وهذا يعكس صورة فزع وخوف رهيب.

كما أن في الآية التاسعة، “وَفَجَّرَتِ الْأَرْضُ فَجًّا” (النازعات: 9)، يعرض القرآن مشهدًا من مشاهد القيامة التي ستكون الأرض فيها في حالة من الفزع والاضطراب، حيث يتم تفجيرها وتخرج منها جميع الأرواح. هذا الوصف يبعث على الخوف والرهبة في النفوس، ويؤكد على ضخامة تلك اللحظة.

خاتمة

سورة النازعات هي واحدة من السور التي تحدثت عن مشاهد يوم القيامة بأسلوب قوي ومؤثر. كانت سببًا في الرد على التشكيك الذي كان يطرحه المشركون في مكة حول فكرة البعث والحساب، حيث أكدت السورة على حقيقة وقوع هذه الأحداث وأظهرت قدرة الله اللامحدودة على إعادة الأرواح إلى أجسادها يوم القيامة.

إن نزول السورة كان بمثابة تحذير للمكذبين، وتأكيدًا للمؤمنين على أهمية الاستعداد لهذا اليوم العظيم. فهي لا تقتصر على كونها ردًا على التشكيك، بل تحمل أيضًا دعوة للمسلمين لزيادة الإيمان والعمل الصالح، لكي يكونوا في أفضل حال عند اللقاء مع الله في الآخرة.