أسباب الدوخة والغثيان: نظرة شاملة على الأسباب الجسدية والعصبية والبيئية

الدوخة والغثيان من الأعراض الشائعة التي قد تصيب الإنسان في مراحل مختلفة من حياته، وتُعدّ إشارة تنبيهية لوجود خلل في وظائف الجسم أو الجهاز العصبي أو حتى في التوازن النفسي. وعلى الرغم من شيوع هذه الأعراض، إلا أن أسبابها متعددة ومعقدة، وقد تتراوح بين مشاكل بسيطة وعابرة إلى أمراض مزمنة وخطيرة تتطلب التدخل الطبي الفوري. إن فهم الأسباب المحتملة لهذه الأعراض يُعدّ خطوة أولى نحو التشخيص الدقيق والعلاج الفعّال.

في هذا المقال، سيتم التطرق إلى الأسباب الجسدية والعصبية والنفسية والدوائية التي تقف خلف الشعور بالدوخة والغثيان، مع شرح علمي مفصل لكيفية حدوثها، وتأثيرها على توازن الجسم، والأنظمة الحيوية المرتبطة بها.

تعريف الدوخة والغثيان

الدوخة هي شعور غير طبيعي بعدم التوازن أو الدوار أو الإحساس بأن الشخص سيفقد وعيه. تختلف الدوخة عن الدوار الحقيقي، الذي يشعر فيه الشخص وكأن الأشياء من حوله تدور.

أما الغثيان فهو شعور مزعج في المعدة يرتبط غالبًا برغبة في القيء، ويعتبر عرضًا مشتركًا بين العديد من الأمراض والاضطرابات الفسيولوجية والنفسية.

أولاً: الأسباب المتعلقة بالجهاز الدهليزي والتوازن

1. التهاب العصب الدهليزي (Vestibular Neuritis)

يحدث نتيجة عدوى فيروسية تؤثر على العصب الدهليزي المسؤول عن إرسال إشارات التوازن من الأذن الداخلية إلى الدماغ. تظهر الأعراض فجأة وتشمل دوخة حادة، غثيان، تقيؤ، وصعوبة في المشي أو الوقوف. قد تستمر الأعراض لعدة أيام.

2. مرض منيير (Ménière’s Disease)

اضطراب يصيب الأذن الداخلية ويؤدي إلى زيادة الضغط داخلها، مما يسبب نوبات مفاجئة من الدوار الحاد المصحوب بالغثيان، طنين في الأذن، وفقدان سمع تدريجي. يُعد هذا المرض مزمنًا وقد يؤثر بشكل كبير على جودة الحياة.

3. دوار الوضع الانتيابي الحميد (BPPV)

يُعدّ من أكثر أسباب الدوخة شيوعًا، ويحدث نتيجة تحرك بلورات الكالسيوم داخل قنوات الأذن الداخلية. يشعر الشخص بدوار مفاجئ عند تحريك الرأس بطريقة معينة، ويصحبه غالبًا غثيان. تستجيب الحالة جيدًا للعلاج الفيزيائي باستخدام مناورات إعادة وضع البلورات.

ثانياً: الأسباب العصبية

1. الشقيقة (الصداع النصفي)

الشقيقة المصحوبة بأورة قد تسبب دوخة وغثيان قبل أو أثناء نوبات الصداع. يمكن أن تكون هذه الأعراض مرافقة أيضًا لشعور بالتعب، تغيرات بصرية، وحساسية للضوء والصوت. الشقيقة الدهليزية نوع خاص يركز على الدوخة كعرض رئيسي دون صداع واضح أحيانًا.

2. السكتات الدماغية الصغيرة (TIA)

في حال كانت الدوخة مفاجئة ومصحوبة بصعوبة في النطق أو الرؤية أو تنميل في الأطراف، قد تكون ناتجة عن نوبة إقفارية عابرة، وهو تحذير من سكتة دماغية محتملة. يتطلب هذا الوضع رعاية طبية فورية.

3. التصلب المتعدد (MS)

من الأمراض العصبية المزمنة التي تؤثر على الجهاز العصبي المركزي. يمكن أن تسبب اضطرابات في التوازن، دوخة مزمنة، وغثيان نتيجة تأثر النخاع الشوكي أو المخيخ، وهي أجزاء مسؤولة عن التنسيق الحركي.

ثالثاً: الأسباب القلبية والدورانية

1. انخفاض ضغط الدم الانتصابي

يحدث عند الانتقال من وضعية الجلوس أو الاستلقاء إلى الوقوف بسرعة، مما يؤدي إلى انخفاض مفاجئ في ضغط الدم، مسببًا دوخة وغثيان. يُعد شائعًا لدى كبار السن أو من يتناولون أدوية تؤثر على الدورة الدموية.

2. اضطرابات نظم القلب

عدم انتظام ضربات القلب قد يسبب ضعف التروية الدموية للدماغ، مما يؤدي إلى الشعور بالدوخة والغثيان. في بعض الحالات الشديدة قد يكون هناك خطر لفقدان الوعي المفاجئ.

3. فقر الدم

نقص الحديد أو فيتامين B12 يؤدي إلى ضعف إيصال الأوكسجين إلى الدماغ، مما يسبب الشعور بالدوخة والتعب العام والغثيان.

رابعاً: الأسباب الهضمية

1. التهابات المعدة والفيروسات المعوية

عدوى فيروسات المعدة مثل نوروفيروس وروتافيروس تسبب الغثيان والقيء والدوخة بسبب فقدان السوائل والأملاح. قد ترافقها أعراض مثل الإسهال، تقلصات البطن، والحمى.

2. ارتجاع المريء

الحموضة الزائدة يمكن أن تؤدي إلى شعور بالغثيان خاصة بعد تناول الطعام، وقد تترافق بدوخة نتيجة اضطراب في النظام العصبي اللاإرادي.

3. انسداد الأمعاء

قد يسبب انسداد الأمعاء شعورًا شديدًا بالغثيان والقيء بالإضافة إلى دوخة نتيجة الجفاف أو صدمة الدورة الدموية.

خامساً: الأسباب النفسية والعاطفية

1. القلق العام ونوبات الهلع

تؤدي حالات القلق إلى إفراز مفرط لهرمونات التوتر مثل الأدرينالين، مما يسبب تسارع القلب، ضيق تنفس، دوخة، وغثيان. قد تظهر هذه الأعراض دون وجود مثير خارجي واضح.

2. الاكتئاب

يرتبط الاكتئاب المزمن بتغيرات فسيولوجية تشمل فقدان الشهية، دوخة مزمنة، وغثيان. يظهر غالبًا في غياب أمراض عضوية مفسرة.

سادساً: الأسباب الدوائية والتسممية

1. الآثار الجانبية للأدوية

بعض الأدوية تسبب الدوخة والغثيان كآثار جانبية، ومنها:

2. التسمم الغذائي أو الكحولي

تناول أطعمة ملوثة أو شرب الكحول بكميات كبيرة يؤدي إلى تهيج الجهاز الهضمي والجهاز العصبي، مما يسبب غثيان حاد ودوخة وقيء.

سابعاً: اضطرابات متعلقة بالغدد الصماء والتمثيل الغذائي

1. انخفاض سكر الدم (Hypoglycemia)

الدماغ يحتاج إلى مصدر دائم من الجلوكوز. انخفاض مستوياته يؤدي إلى أعراض تشمل الدوخة، التعرق، الغثيان، التشوش الذهني، وحتى الإغماء في الحالات الشديدة.

2. قصور الغدة الدرقية

يؤدي إلى بطء في عمليات الأيض، ما يتسبب بالإرهاق، الاكتئاب، الغثيان، والدوخة نتيجة تأثر الجهاز العصبي.

ثامناً: الأسباب البيئية والفيزيولوجية

1. دوار الحركة

يحدث عند السفر في وسائل النقل مثل السيارة أو الطائرة أو القارب، نتيجة اضطراب في التوازن بين ما تراه العين وما تشعر به الأذن الداخلية.

2. الجفاف ونقص السوائل

فقدان السوائل نتيجة تعرق مفرط أو إسهال أو عدم شرب كمية كافية من الماء يؤدي إلى انخفاض حجم الدم، مما يُسبب دوخة وغثيان.

3. الحمل

الغثيان والدوخة من أعراض الحمل الشائعة، خاصةً في الثلث الأول. تعزى إلى تغيرات هرمونية ودوامية تؤثر على الجهاز العصبي والمعدة.

جدول يوضح أبرز الأسباب حسب الجهاز المتأثر

التقييم الطبي والتشخيص

تشخيص سبب الدوخة والغثيان يتطلب تقييمًا دقيقًا يبدأ بأخذ التاريخ المرضي، متى بدأت الأعراض، كيف تتكرر، ما العوامل المحفزة، والأعراض المصاحبة الأخرى. يلي ذلك فحص سريري دقيق يشمل فحص التوازن، ضغط الدم، الجهاز العصبي، والقلب.

في بعض الحالات قد يلزم:

• تخطيط القلب ECG

• تحاليل الدم (CBC، TSH، السكر، الكهارل)

• التصوير بالرنين المغناطيسي MRI أو الأشعة المقطعية CT

• اختبارات التوازن (مثل اختبار Dix-Hallpike)

الخلاصة

الدوخة والغثيان أعراض متعددة الأسباب، تتداخل فيها عوامل عصبية، دهليزية، نفسية، قلبية، هضمية ودوائية. قد تكون مؤشراً لحالة بسيطة عابرة أو إنذارًا لحالة طبية خطيرة. الفهم الشامل لهذه الأعراض يتطلب نظرة تكاملية تأخذ بعين الاعتبار التفاعلات بين الأنظمة الحيوية المختلفة. الكشف المبكر والعلاج المناسب يُحدثان فارقًا كبيرًا في تقليل حدة الأعراض وتحسين جودة حياة المريض.

المراجع:

1. Baloh, R.W., “Dizziness, Hearing Loss, and Tinnitus”, New England Journal of Medicine, 1998.

2. Lempert, T. & Neuhauser, H., “Epidemiology of Vertigo, Migraine and Vestibular Disorders”, Journal of Neurology, 2009.